أربعة أشهر على اندلاع المواجهات
مخاوف قديمة تغذي خلاف عشائر دير الزور و”قسد”
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أكثر من أربعة أشهر مرت على المواجهات المسلحة بمحافظة دير الزور ، قدمت خلالها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وهي طرف رئيس في الاقتتال، وعودًا عديدة للإصلاح بغية امتصاص غضب عشائر المنطقة، الذين اصطفوا إلى جانب “مجلس دير الزور العسكري” (أحد مكونات “قسد” والطرف الثاني في الاقتتال).
وعلى مدار الأشهر الأربعة، لم يحدث أي تغيير في المنطقة، رغم أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، اعترف، في أيلول الماضي، بتقصير “الإدارة الذاتية” (مظلة “قسد” السياسية) في إدارة المنطقة خلال لقاء مع وكالة “رويترز“، وأقر بوجود عيوب “على نطاق واسع” في مدى شمول المجالس المحلية لمختلف القبائل.
وخلال نفس الفترة، تحدث عبدي لقناة “المشهد” (مقرها دبي) عن وجود أخطاء في إدارة “قسد” لدير الزور ذات الطبيعة العشائرية، بعد انتفاضة قادها أبناء المنطقة، بينهم عناصر بـ”قسد” ضد الفصيل الكردي المسيطر على شرق الفرات.
الشرخ الذي تسببت به سياسة “قسد” في المنطقة، رافقته محاولات استقطاب من قبل النظام السوري وإيران، لاستمالة العشائر، باستغلال المظلومية العربية بدير الزور.
شق عشائري
عقدت “قسد”، في 29 من تشرين الثاني الماضي، اجتماعًا موسعًا ضم ممثلين عن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وشيوخ ووجهاء عشيرة “العكيدات” في دير الزور، وتناول الأحداث التي شهدتها المحافظة منذ عدة أشهر ولا تزال تداعياتها مستمرة على المنطقة.
ونشرت “قسد” عبر موقعها الرسمي أن اللقاء تركز بشكل أساسي على مناقشة الأحداث الجارية في منطقة دير الزور، لا سيما ما يتعلق بمحاولات “إثارة الفتنة” بين مختلف مكونات المنطقة باستخدام مسميات مختلفة و”شعارات طائفية”، كما قررت إعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري”.
تواصلت عنب بلدي مع أحد قادة الصف الأول السابقين في “المجلس العسكري”، ووافق على الإدلاء بمعلومات شرط عدم ذكر اسمه أو منصبه، إذ قال إن قيادة “قسد” فضّلت إعادة هيكلة المجلس الحالي على إعادة تشكيل مجلس جديد نظرًا إلى التركيبة العشائرية الطاغية عليه، وستستند في إعادة الهيكلة إلى قادة سابقين، ولن تظهر وجوه جديدة في “المجلس”.
وأضاف أنه في حال قررت “قسد” إعادة هيكلة “المجلس” على نحو يخدم مطالب المنطقة، سيتوجب عليها استبدال جميع كوادرها الأجانب في دير الزور، ممن يشرفون على الواقع الأمني، إذ ينتشر في المنطقة قادة أجانب من حزب “العمال الكردستاني” معظمهم لا يتحدثون العربية.
القيادي قال، إن “قسد” ستسعى لتعيين شخصية من أبناء عشائر دير الزور لقيادة “المجلس”، حتى لا تظهر بأنها تدير عملية انتقامية من المكون العربي ردًا على المواجهات المسلحة التي شهدتها دير الزور ضدها، ولا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم.
الباحث في مركز “عمران” سامر الأحمد، قال لعنب بلدي، إن “قسد” اعتمدت مع تشكيل “مجلس دير الزور العسكري” عام 2016 على أشخاص من عشيرة “البكير” وهم جزء من قبيلة “العكيدات” في دير الزور، خلال معاركها التي خاضتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” حينذاك، وتولى أحمد الخبيل (أبو خولة) قيادة المجلس منذ ذلك الحين.
اتكال “قسد” على عشيرة “البكير” التي تضم بطبيعة الحال عائلات تعترض على تمثيل العشيرة بأحمد الخبيل، أثار حفيظة آل الهفل، وهم من العشيرة نفسها، وحالها حال بقية عائلات أو عشائر دير الزور، تضم أشخاصًا يعملون لمصلحة النظام، وآخرون لمصلحة أمريكا أو تركيا أو إيران، بحسب الأحمد.
ومع نشوب المواجهات بين “قسد” و”مجلس دير الزور”، في 27 من آب الماضي، على خلفية اعتقال “قسد“ قائد “مجلس دير الزور”، أحمد الخبيل، طالبت عشيرة “البكير” بالإفراج عنه، وخرج شباب ينحدرون منها لقطع الطرقات المؤدية إلى قراهم أمام السيارات العسكرية التابعة لـ”قسد”.
لكن عقب أيام على المواجهات، لم يكن “مجلس دير الزور” أو أحمد الخبيل على رأس أولويات أبناء العشائر الذين حملوا السلاح في وجه “قسد” بدير الزور، إنما كانوا يطالبون بحقوق مفقودة تحت حكم “قسد” منذ سنوات، بحسب الباحث سامر الأحمد.
وإلى جانب ما سبق، تحكمت مخاوف أبناء المنطقة من الإشاعات التي لطالما انتشرت بمحيطهم، عن أن “قسد” تنوي تسليم المنطقة للروس والإيرانيين، وهو ما يعتبرونه تهديدًا لهم.
اقرأ أيضًا: شرق الفرات.. مستقر على بحر من الفوضى
ثلاثة مخاوف
لخّص الباحث سامر الأحمد مخاوف أبناء محافظة دير الزور بثلاثة أقسام، الأول خوف من دخول الإيرانيين عبر وكلائهم للسيطرة على المنطقة، وهو “خوف عقائدي” نظرًا إلى كون عشائر دير الزور تمتد وصولًا إلى العراق، ويعي أبناء هذه المنطقة من سوريا ماذا يعني أن تسيطر إيران على منطقة معينة، عبر أقاربهم في العراق.
الباحث يرى أن مخاوف أخرى أسبابها قومية، تحملها عشائر دير الزور تجاه “قسد”، على اعتبار أن الأخيرة هي فصيل مسلح كردي، يُنظر إليه في المنطقة على أنه يحاول إقصاء القومية العربية التي تشكل غالبية السكان.
وإلى جانب ما سبق، اعتبر الباحث أن أبناء المنطقة يحملون مخاوفهم السياسية أيضًا من عودة النظام السوري للسيطرة على المحافظة، كون عشائر شرق نهر الفرات بمحافظة دير الزور كانوا من المشاركين بالثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011.
وفي إطار هذه المخاوف من الجهات الثلاث التي تسيطر على المساحة الجغرافية المحيطة بهذه العشائر، يحاول أبناء المنطقة التوجه للتحالف الدولي (مشكل من 86 دولة، وتقوده أمريكا) بغية تحقيق تعاون معه، والسعي لإدارة منطقتهم بأنفسهم.
وتطالب هذه العشائر بتعاون التحالف الدولي معها، كما يتعاون مع فصيل “جيش سوريا الحرة” (فصيل عربي معارض للنظام السوري) في قاعدة “التنف” شرقي محافظة حمص، بحسب الباحث.
ويحاول المطالبون بهذا التعاون إقناع التحالف الدولي أن أبناء المنطقة قادرون على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى عكس “قسد” يمكنهم أيضًا محاربة الميليشيات المدعومة من إيران المتمركزة على الضفة الغربية لنهر الفرات.
سياق اقتصادي
لطالما اعتبرت الآبار النفطية في محافظة دير الزور هي الأكثر إنتاجًا للنفط في عموم سوريا، حتى إنها باتت تشكل النسبة الكبرى من إنتاجية “قسد” للنفط حاليًا، بحسب سامر الأحمد.
وإلى جانب الثروة النفطية، تعتبر المنطقة نفسها ذات إنتاج زراعي عالٍ، إذ يمكن القول إن المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في دير الزور وحدها تشكل أكثر من 50% من إجمالي الدخل الاقتصادي الذي تحققه “قسد” في عموم مناطق سيطرتها.
وناهيك بالأسباب الاقتصادية والقومية والعقائدية التي أشير إليها سابقًا، يعتقد الباحث أن المخاوف الاقتصادية بالنسبة لسكان المنطقة تعتبر مسببًا رئيسًا لحالة العداء التي يكنّها أبناء المنطقة لـ”قسد”.
الأحمد قال، إن دير الزور تنتج بشكل تقريبي 50% من موازنة “قسد”، لكن هذه الموازنة السنوية نفسها يخصص فيها ما مقداره 16% للمحافظة نفسها.
وأضاف أن محافظة دير الزور لم تشهد حركة نزوح كبيرة، إذ تضم موارد بشرية كبيرة، نظرًا إلى أنها تحولت إلى وجهة للنزوح بعد سيطرة النظام على غرب نهر الفرات، ما زاد من تعداد السكان فيها.
الباحث يرى أن السياسة الاقتصادية لـ”قسد” في دير الزور جعلت من الهجرة نحو أوروبا مرورًا بتركيا وجهة بالنسبة لشباب المنطقة، حالها حال مناطق سيطرة النظام السوري، مع فارق القدرة الاقتصادية والإنتاجية بين المنطقتين.
وأسهم غياب التحالف أيضًا بالوضع الاقتصادي المتردي في المنطقة، إذ قال الباحث إن دير الزور سيطرت عليها “قسد” بدعم من التحالف على حساب تنظيم “الدولة”، بالتالي هي منطقة معفاة من العقوبات، ومن المفترض أن تخضع لنظام إنمائي لمعالجة آثار التنظيم فيها، بحسب الباحث.
وفي أيار 2022، وافقت وزارة الخزانة الأمريكية على السماح بأنشطة 12 قطاعًا، بما فيها الزراعة والبناء والتمويل في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها “قسد”، ومناطق في شمال غربي سوريا حيث يسيطر “الجيش الوطني”.
وجاء في قرار الوزارة أنها سمحت ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الواقعة بشمالي سوريا والخارجة عن سيطرة حكومة النظام، والتي اعتبرتها استراتيجية تهدف لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومع أن الخدمات هي أكثر ما يُطالب به في المنطقة، لا تزال دير الزور تعاني نقصًا حادًا في الخدمات، إذ لم تبن “قسد” أي مستشفى جديد، وعمد الأهالي لبناء واحد على نفقتهم الخاصة.
ولم تجر أي عمليات ترميم للمدارس، إذ تعاني دير الزور واقعًا تعليميًا مترديًا على صعيد الخدمات التعليمية.
على “التحالف” التدخل
مع الأيام الأولى للمواجهات المسلحة التي اندلعت في دير الزور، دعا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى التهدئة ووضع نهاية للاشتباكات بين حليفها في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، “قسد”، والعشائر العربية.
وقال التحالف عبر بيان، إن قوة المهام المشتركة في “عملية العزم الصلب” تراقب الأحداث في شمال شرقي سوريا عن كثب، بينما لا يزال تركيز العمل مع “قسد” لضمان محاربة التنظيم.
الباحث سامر الأحمر يرى أن التحالف الدولي تعامل مع المشكلة في دير الزور على أنها “مشكلة داخلية بين مكونات (قسد)”، وفضّل عدم التدخل، بينما حاولت “قسد” جمع وجهاء عشائر من الموالين لها مع التحالف الدولي، لإيصال الرسالة التي تريدها هي لا الرسائل الحقيقية التي يحملها أبناء العشائر.
وأشار إلى أن إيران تعمل على حصر ساحة الصراع بينها وبين الولايات المتحدة اليوم في المنطقة الممتدة بين محافظة دير الزور والحسكة بالشكل الذي كانت عليه في العراق سابقًا، وتمكنت طهران من إدخال خلايا أمنية تتبع لها نحو المنطقة نفسها، بحسب الباحث.
الباحث يرى أن إيران بدأت تتحرك في المنطقة لتحويلها إلى ما يشبه “ساحة صراع” مع الولايات المتحدة، وهو ما يجب على التحالف الدولي أخذه بعين الاعتبار اليوم.
وأضاف أن هذا النوع من المخاطر لا يمكن تجنبه إلا عن طريق كسب الحاضنة الشعبية، وليس عن طريق قصف المنازل بالأسلحة الثقيلة، وتنفيذ حملات الاعتقال التي تجريها “قسد” منذ أشهر بمحافظة دير الزور.
الباحث شدد على ضرورة “تحصين المجتمع” من الخروقات التي تحاول إيران تنفيذها فيه، عبر برامج التنمية، والحوكمة، وهو الدفاع الوحيد ضد الخرق الإيراني الذي حدث فعلًا في المنطقة.
وكان المجلس العسكري لـ”قسد” عقد، في 29 من تشرين الثاني الماضي، اجتماعه الدوري بكامل مكوناته، بحضور القائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، وتطرق الاجتماع بشكل موسع لجهوزية الفصيل لـ”حرب محتملة”، ورفض تحويل المنطقة إلى ساحة حرب بين جهات دولية.
السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، العميد بات رايدر، قال في مؤتمر صحفي مسجل، في 27 من تشرين الثاني الماضي، إن وكلاء إيران يحاولون الاستفادة من الحرب في غزة لتحقيق أهدافهم الخاصة.
وفي حالة العراق وسوريا، تطمح هذه الجماعات منذ فترة طويلة لرؤية القوات الأمريكية تغادر، بحسب رايدر، مشيرًا إلى أن وجود قوات بلاده في العراق جاء بدعوة من الحكومة العراقية، ويركز فقط على هزيمة تنظيم “الدولة”، دون الإشارة إلى مبررات انتشارها في سوريا.
اقرأ أيضًا: أين “قسد” من التوتر الأمريكي– الإيراني في سوريا
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :