“حولونا إلى قتلة”.. شباب في الساحل يرفضون الالتحاق بالجيش

  • 2023/12/03
  • 12:28 م
شباب في الساحل يرفضون الالتحاق بالجيش

رئيس النظام السوري بشار الأسد وعناصر من قواته في الغوطة الشرقية - 26 من حزيران 2016 (رئاسة الجمهورية)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

مضت أربع سنوات منذ زار عامر (41 عامًا) أهله في منطقة الغاب بريف حماة، حيث يقيم في إحدى قرى بانياس، ويعمل فيها مزارعًا لدى أصحاب مشاريع البيوت المحمية، ولا يستطيع الخروج بعيدًا عن القرية خوفًا من سوقه للخدمة العسكرية، إذ يرفض الالتحاق بها منذ استدعائه للاحتياط.

توفيت والدته قبل عام ونصف تقريبًا، ذلك أقسى ما عاشه الشاب الذي يحلم بتأسيس عائلة بعيدًا عن شبح الحرب والموت، وقال، إنه لا يتوقف عن رؤيتها في منامه، إذ لم يستطع أن يكون موجودًا معها لا في مرضها ولا لحظة وفاتها، بينما كان يلجأ لدردشة “فيديو” عبر وسائل التواصل لرؤيتها.

كثير من الشباب في الساحل السوري يرفضون الالتحاق بالخدمة العسكرية بعد استدعائهم للاحتياط، ويلجؤون للتحايل والهروب من الحواجز العسكرية التي يتم طلب الهويات فيها حصرًا من الرجال والشباب دون النساء.

والأسباب متنوعة، مثل الفقر وسوء المعاملة، والرغبة بالحفاظ على المستقبل بعيدًا عن الموت والمعارك، والخوف على العائلة من التشرد واليتم، خصوصًا أن النظام لا يقدم أي ضمانات أو مزايا لأسر الضحايا الذين يزجهم في الحرب حماية له، ثم يتركهم وعائلاتهم لمصيرهم.

“لن أموت”

“ليش لروح، لنموت من الجوع أو بالنار، لنخسر مستقبلنا وكرمال مين؟”، قال الشاب الذي فقد أحد أبناء عمومته في الحرب، وكان شاهدًا على يُتم أبنائه وفقرهم وجوعهم دون أن يكترث بهم أحد، لا دولة ولا جمعيات خيرية.

الشاب الذي نجح بتأسيس عائلة، فتزوج قبل أشهر قليلة وزوجته اليوم حامل، أكد أنه مهما عاش من أحداث وظروف، لن يذهب إلى الخدمة العسكرية، ولن يترك طفله القادم أو زوجته وحدهما في الحياة لأجل لا شيء.

وختم الشاب حديثه قائلًا، “ما بدي منهن شي، لا وظيفة وظفوني، رغم إني خريج معهد إدارة أعمال، ليش بدي روح موت كرمال يسرقونا ويبعتوا ولادن يتنعموا بأموالنا وأموال بلدنا، أنا ما رح أترك عيلتي لو ضليت محبوس كل عمري بهالضيعة”.

من جهته، لا يؤمن محمد (39 عامًا)، وهو خريج كلية الترجمة من جامعة “تشرين”، بفكرة الحرب ولا القتال، فالشاب لم يكن يحلم بأكثر من منزل صغير وعائلة دافئة، إلا أنه ومنذ طُلب للخدمة العسكرية وهو حبيس منزله بمدينة اللاذقية، ولا يخرج إلا للضرورة، وإن رأى حاجزًا عسكريًا “طيارًا” يحاول الهروب وتغيير طريقه بسرعة.

وقال محمد الذي يعمل في ترجمة المحتوى مع إحدى الشركات العربية، إنه يأسف كيف نجح النظام بتحويل السوريين إلى مجرد “مجرمين” يقتتلون فيما بينهم من أجل لا شيء.

وأضاف أن أكثر ما يؤلمه أن السكان في الساحل كانوا مثالًا للشعب المسالم، لكن النظام حولهم إلى مجرد “قتلة وأداة لحماية الكراسي”.

ولا يرى محمد أن هناك نهاية للحرب التي تعيشها سوريا، ووفقًا لوجهة نظره، فإنه حتى لو انتهت الحرب غدًا، لن تندمل الجراح، معتبرًا أن القيادات سواء “لدينا أو لديهم” (النظام والمعارضة)، هي المجرم الحقيقي.

تركهم لمصيرهم

أُصيب “سليم” (اسم مستعار) 47 عامًا، قبل نحو ثماني سنوات، في إحدى المعارك بالقرب من إدلب، خلال قتاله ضمن صفوف قوات النظام، وفقد القدرة على تحريك ساقيه أو قدميه، وهو اليوم طريح الفراش دون حول أو قوة.

الرجل الذي يعيش في إحدى القرى النائية، أخبره الطبيب بأنه مع العلاج الفيزيائي سيتمكن من تحريك يديه على الأقل، لكن حالته المادية السيئة حالت دون إتمام الأمر.

ورغم أن هذا النوع من العلاج كان يقدم بشكل مجاني، فإنه يحتاج إلى أجرة نقل كبيرة تفوق قدرته، فهو بحاجة إلى سيارة خاصة تنقله كونه لا يستطيع استخدام “الميكروباص” العادي، كما أن راتبه لا يكفيه حتى ثمن أدوية أو طعام، ولا يتجاوز الـ300 ألف ليرة سورية (كل دولار أمريكي يعادل 14000 ليرة).

ينتظر سليم الموت اليوم بفارغ الصبر، حسب تعبيره، بينما تتناوب شقيقاته وزوجته ووالدته على خدمته.

ومنذ سنوات، يصنف النظام السوري جرحى عناصره وفق نسبة العجز البدني لدى كل منهم، لتحديد حجم أو قيمة “المكافآت” التي يمنحها لكل منهم بموجب مراسيم متواترة، تمنح الشخص ما لا يتجاوز 30 دولارًا لمرة واحدة.

ومنذ اتباع النظام السوري الخيار الأمني، وإنزال الجيش إلى الشوارع لمواجهة المظاهرات المطالبة برحيله منذ 2011، أصدر جملة من القرارات التجميلية والمراسيم التي منحت الجرحى من قوات النظام أو القوات الرديفة بعض ما اعتبرها “امتيازات”.

ويقوم رئيس النظام، بشار الأسد، وزوجته أسماء بزيارات متكررة للجرحى في منازلهم بعدة محافظات، بهدف إظهار الاهتمام بهم لما قدموه في المؤسسات العسكرية أو الأمنية.

كما بدأ التلفزيون الرسمي منذ عام 2013 ببث برنامج بعنوان “قامات السنديان“، في إشارة إلى عناصر قواته الذين تعرضوا لإصابات مستديمة، سببت لهم حالات إعاقة أو فقدان أحد أعضاء الجسد، ولم تعدُ حلقات البرنامج المذكور كونها “دعمًا عاطفيًا” يصور هذه الخسائر باعتبارها “قرابين للوطن” لا للسلطة.

قلة التحاق وإغراء للتطوع

يعاني الجيش قلة في عدد المجندين الملتحقين في صفوفه، إذ انخفض عددهم إلى مستويات قياسية، بحسب مصادر مطلعة على أرقام التجنيد قابلتها عنب بلدي.

في كانون الأول 2022، قال مصدر مطلع في قيادة الأركان لديه وصول إلى أرقام الملتحقين بالمؤسسة العسكرية، لعنب بلدي، إن عدد الملتحقين من صف الضباط خلال عام 2022، بلغ حوالي 1500 شخص فقط، فيما كان في عام 2021 حوالي 11 ألف ملتحق.

وأرجع المصدر قلة عدد الملتحقين إلى عدم تحديد مدة الخدمة العسكرية، وعدم القدرة على تغطية نفقاتها، فالمجند الملتحق حديثًا يحصل على 17 ألف ليرة (دولاران ونصف) كراتب خلال مدة الخدمة الإلزامية البالغة سنة ونصف السنة، وهي لا تكفي أجور سفر لمرة واحدة بين المحافظات.

وفي تموز وآب الماضيين، أصدر بشار الأسد “أمرين إداريين” بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ للضباط وطلاب الضباط الاحتياطيين المدعوين الملتحقين وصف الضباط والأفراد الاحتياطيين المحتفظ بهم والمدعوين الملتحقين، وفق معايير وشروط محددة.

ورغم إنهاء الاحتفاظ، تواصل وزارة الدفاع الإعلان عن دعوات للتطوع، أحدثها في 21 من تشرين الثاني الماضي، وكانت الدعوة مختلفة عما سبقها، تضمنت مجموعة حوافز للراغبين بالتطوع ضمن عقود محددة، كصف ضباط وأفراد.

من شروط التطوع أن يكون المتطوع حاملًا للجنسية السورية منذ خمس سنوات، ويتراوح عمره بين 18 و32 عامًا عند التقديم، وأن يكون حسن السلوك، وغير محكوم بجناية أو جريمة شائنة، ولم يسجن لأكثر من ثلاثة أشهر.

وتضمّن عقد التطوع الذي سمي “عقد مقاتل” فترتين للخدمة خمس سنوات وعشر سنوات، ووصل راتب عقود التطوع للفترتين إلى مليون و300 ألف ليرة سورية مع التعويضات، بالإضافة إلى مكافآت، منها بدء الخدمة ومكافأة سنوية ومنحة للزواج غير مستردة قيمتها مليونا ليرة.

ولا يحدد قانون خدمة العلم في سوريا مدة للخدمة الاحتياطية أو الاحتفاظ بالعسكريين، كما لا تفصح وزارة الدفاع عن عدد المجندين في الجيش وتفاصيل المحتفظ بهم والذين يخدمون في الاحتياط، لكن مواقع عالمية من بينها “Global Fire Power” تقدّر عددهم بـ150 ألفًا.


شارك في إعداد التقرير مراسلة عنب بلدي في اللاذقية ليندا علي

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع