نقل معهد من الأتارب يقضي على أحلام طالباته الدراسية
وجدت مروة في “معهد الأتارب لإعداد المدرسين” أملًا بإكمال دراستها بعد انقطاع طويل، لذا كان قرار نقل المعهد صعبًا بالنسبة لها ولعديد من الطالبات، ممن تتشابه ظروفهن.
ومنذ شهر تقريبًا صدر قرار إغلاق المعهد لصفوف السنة الأولى في مدينة الأتارب، مع استمرارية الدوام لطالبات السنة الثانية (الأخيرة) في المعهد، وفي السنة القادمة سيُغلق تمامًا ويصبح الدوام في معهد مدينة إدلب فقط.
وجاء قرار وزارة التربية في “حكومة الإنقاذ”، بإغلاق المعهد بعد شهر ونصف من دوام الطالبات، وأُغلق في 12 من تشرين الثاني الماضي، بعد وعود قدمتها “الإنقاذ” باستمرارية المعهد في الأتارب ومدينة إدلب.
وردًا على هذا القرار خرجت الطالبات، وأغلبهن نساء متزوجات ويمتلكن أطفالًا، باحتجاجات للمطالبة بإبقاء المعهد، واحتج مدير المعهد على هذا القرار ما تسبب بفصله وإنهاء تكليفه.
ويضم “معهد إعداد المدرسين”، شعبة أدب إنجليزي، وتربية، وأدب عربي، وسابقًا كان يضم شعبة شريعة، وقبل قرار النقل كان يحوي 70 طالبة من الشعب الأولى.
صعوبات بعد النقل
تحدثت عنب بلدي مع عدة طالبات رفضن استخدام أسمائهن الحقيقية في التقرير، وذكر أسماء مستعارة، خوفًا من الفصل، كما حدث مع مدير المعهد.
قررت مروة ألا تستسلم للقرار وتكمل دراستها، لذا توجهت لـ”جامعة إدلب” في منطقة الدانا، كونها الأقرب لها، لكن خاب أملها بعد معرفتها برسوم الجامعة، ووجوب الدفع قبل المباشرة بالدوام دفعة واحدة.
مروة متزوجة ولديها طفلان، قالت لعنب بلدي إن زوجها مصاب، ولا يمكنه القيام بأي عمل، إذ تتدبر العائلة المصروف بصعوبة، وإنها لا تملك رسوم الجامعة ولا يمكنها التكفل بأجور النقل.
وكان حلم الشابة أكبر من معهد إعداد المدرسين، إذ أرادت دراسة طب الأسنان، لكن بعدما تزوجت وفرضت عليها ظروف وصعوبات جديدة، بدأت الدراسة في المعهد بفرع الأدب الإنجليزي.
“لم يكن الأمر سهلًا حتى في الأتارب، وكنت أقول: سنتان وينتهي التعب، لكن الدراسة في إدلب تبدو شبه مستحيلة”، هكذا عبرت مروة عن شعورها بعد أن تركت الدراسة وبقيت في المنزل، مثل عديد من طالبات المعهد.
هاجر، وهي فتاة متزوجة لديها ثلاثة أطفال، قررت بعد عشر سنوات أن تكمل دراستها متحدية جميع الظروف ومنها العيش داخل خيمة، وكان حلمها دراسة اللغة الإنجليزية لكن قرار النقل منعها من تحقيقه، وقالت، “ظروفي صعبة، لا يمكنني التسجيل في جامعة أو الذهاب لإدلب، لقد دمروا مستقبلنا”.
ديون وصعوبة التأقلم
بعد إغلاق المعهد اتجهت قلة من الطالبات لإكمال الدراسة، بعضهن ذهبن لـ”جامعة إدلب” في منطقة الدانا، والأخريات تماشين مع القرار وبدأن الدوام في “معهد إعداد المدرسين” في مدينة إدلب.
ألمى، وهي متزوجة ولديها صبي وفتاة، قالت إنها بدأت تخاف وقد يكون الفصل السبب بذلك، وأكملت “خرجنا في احتجاجات لكن لم يسمعنا أحد، ليس بالأمر الجديد، كنا هكذا من قبل الثورة”.
وتحدثت ألمى عن الصعوبات بما يخص المواصلات والمسافة البعيدة وقالت إن المواصلات كانت تكلفها 80 ليرة تركية في الأسبوع أثناء دوامها في معهد الأتارب، لكن الآن تكلفها 200 ليرة (يقابل الدولار 28 ليرة تركية).
ألمى ومجموعة من الطلاب تعاقدوا مع سائق حافلة صغيرة (سرفيس)، لينقلهم للجامعة، لعدم توافر مواصلات، لذا تضطر المجموعة للخروج منذ السابعة صباحًا، حتى وإن كانت المحاضرات تبدأ متأخرة، كون الحافلة تأتي مرة واحدة لتقلها مع الطلاب التي تتفاوت أوقات محاضراتهم، وكذلك الأمر نهاية الدوام.
وتشتكي ألمى من هذا الوضع بقولها، “إن كان قرار النقل لابد منه، إذًا ليؤمنوا مواصلات”، فقد بدأ الشتاء ويفتقد المعهد الجديد لوسائل التدفئة”، حسب قولها.
أما نغم، وهي منفصلة ولديها طفل عمره خمسة أشهر وتعيش حاليًا مع عائلتها، سجلت بـ”جامعة إدلب” في مدينة الدانا بفرع التربية، وتقول إنها استدانت رسوم الجماعة وقدرها 250 دولارًا من أقاربها، وهذا السعر لطلاب الموازي، إذ لا يحق لطلاب الشهادات القديمة التسجيل إلا عليه.
وقالت إنها لم ترد أن تكمل تعليمها كون دراستها ستزيد من مصاريف عائلتها، لكن العائلة دعمتها لتواصل تعليمها، على أن تكمل في الدانا وليس في إدلب كونها دائمة التعرض للقصف.
وتواجه نغم صعوبة بالتأقلم كونها غيرت الفرع من الأدب الإنجليزي إلى التربية، إضافة لكونها قدِمت متأخرة وتحاول اللحاق بزميلاتها، والامتحانات باتت قريبة.
لا فرصة لاستمرارية التعليم
السبب الرئيسي لتسجيل أغلب الطالبات في معهد الأتارب، حسب حديث سابق لأحد الأساتذة في المعهد لعنب بلدي، هو قرب المعهد من المنطقة، كما أن المدينة قريبة على أغلب مناطق ريف حلب الغربي، وما شجع الطالبات أيضًا الوعود من وزارة التربية بافتتاح شعب ثانية وعدم نقل المعهد إلى أي مكان.
وبعد قرار النقل بقيت أغلب الطالبات دون تعليم، والقلة اللاتي استمرت تعاني من صعوبة التنقل والمسافات الطويلة.
أمينة، بدأت بالدوام في معهد إدلب لكنها تغيبت كثيرًا، بينما أرسل المعهد قرارًا موقعًا للطالبات ينص على أن غياب 14 يومًا يؤدي للفصل.
وتجد أمينة صعوبة بالذهاب للمعهد من الصباح حتى المساء، وعند ذهابها لا يمكنها العناية بأطفالها الثلاثة ومنزلها والدراسة، إضافة لرفض زوجها الذهاب لإدلب.
كانت أمينة تدرس في جامعة حلب، لكن بعد سيطرة النظام على المدينة وبقاء المنطقة التي تسكن فيها تحت سيطرة المعارضة، لم تعد قادرة على استكمال دراستها، وفُتحت لاحقًا جامعة في الأتارب سجلت فيها لكن نقلت أيضًا إلى اعزاز.
وقالت الشابة إنها كانت سعيدة جدًا بخبر افتتاح “معهد إعداد المدرسين”، والآن سينقل أيضًا لمكان بعيد عنها، “لقد سئمت من المحاولة، إن لم أتمكن من المواصلة هذه المرة، لن أحاول أكثر”.
مبررات “الإنقاذ” لنقل المعهد
بررت وزارة تربية “الإنقاذ”، قرار النقل، بتعرض المدينة للقصف، بينما تجد الطالبات صعوبة بالذهاب لإدلب كونها دائمة التعرض للقصف من جهة النظام السوري.
مدير المعاهد في حكومة “الإنقاذ”، عبد الحفيظ جواد، قال لعنب بلدي في حديث سابق إنه جرى نقل جميع معاهد السنة الأولى إلى إدلب، بغية مركزية المعاهد، وليس هنالك فكرة لفتح شعب للسنة الأولى في بقية المعاهد، دون أي توضيحات أخرى.
وفي وقفة احتجاجية نفذتها طالبات المعهد، في 13 من تشرين الثاني، رفضن قرار نقل المعهد، وذكّرن بوعود رئيس “الإنقاذ”، منها عدم نقل المعهد إذا اكتمل العدد المطلوب.
ورفعت الطالبات المحتجات شعارات منها، “أين وعد الحكومة لنا؟، لا لقرار الفصل، نحتج جميعًا على نقل المعهد لإدلب، إلى إدلب ينتهي المستقبل، معًا ضد النقل، إلى هذه الدرجة مستقبلنا رخيص”.
اقرأ أيضًا: “الإنقاذ” تتجاهل مطالب الأتارب وتنقل معهدًا إلى إدلب
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :