في يوم ذكراهم.. ضحايا الكيماوي بسوريا على مسار العدالة

  • 2023/11/30
  • 7:16 م
إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية 30 تشرين الثاني 2023 (تعديل عنب بلدي)

إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية 30 تشرين الثاني 2023 (تعديل عنب بلدي)

“لم تغب المشاهد من ذاكرتي حتى اليوم، أصوات الاختناق والصراخ والبكاء والاختلاج، مشاهد الأهالي الذين يهرولون من مستشفى إلى مقبرة لتفقد أحبائهم أما زالوا على قيد الحياة أم أصبحوا في عداد المفقودين، المسعفون الذين تخطت شجاعتهم تدابير الوقاية، وأصبحوا بعد ساعات بين الشهداء، كان المنظر أشبه بيوم القيامة”، بهذه الكلمات حاول الطبيب سليم نمور، الذي عايش مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، وصف أهوال ذلك اليوم.

في دورته الـ20 عام 2015، قرر مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية “حظر الأسلحة الكيماوية” أن يكون يوم الـ30 من تشرين الثاني هو “يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيماوية”.

وبموجب اتفاقية “حظر الأسلحة الكيماوية” (سوريا طرف فيها)، تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بعدم قيامها تحت أي ظرف باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيماوية أو حيازتها بأي طريقة، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقل الأسلحة الكيماوية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي مكان، كما يحظر استعمال الأسلحة الكيماوية للقيام بأي استعدادات عسكرية.

وأصبحت سوريا عضوًا في “اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية” في 14 من تشرين الأول عام 2013، بعد الهجوم الكيماوي الذي استهدف الغوطة الشرقية في ريف العاصمة السورية دمشق، في 21 من آب من العام نفسه، والذي أودى بحياة مئات المدنيين في المنطقة.

وكان من أهم مقتضيات الاتفاقية إنشاء لجنة تفتيش في الأمانة الفنية الخاصة بالاتفاقية، وإعطاؤها القدرة على القيام بالتحقيق في ادعاءات استخدام أسلحة كيماوية، وتعتبر اللجنة مستقلة وتقنية، وإذا ما وجدت لجنة التحقيق أن دولة طرفًا بالاتفاقية قد قامت بانتهاك بنودها فلها أن تقيّد أو تعلّق حقوق الدولة الطرف وامتيازاتها بموجب الاتفاقية بناء على توصية المجلس التنفيذي، إلى أن تتخذ الإجراءات اللازمة للوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية.

وترك شهر تشرين الثاني خلفه أملًا للسوريين نحو طريق العدالة، إذ أصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون مذكرات توقيف بحق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وفتح التحقيق بناء على شكوى جنائية قدمها “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” (SCM) وضحايا سوريون ومنظمات في آذار 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين من هجمات آب 2013، تحتوي على تحليل شامل لتسلسل القيادة العسكرية السورية، وبرنامج الأسلحة الكيماوية للحكومة السورية، ومئات الأدلة الموثقة بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ما لا يقل عن 222 هجومًا كيماويًا في سوريا، منذ 23 من كانون الأول 2012 حتى نهاية تشرين الثاني 2022، تتوزع بحسب الجهة الفاعلة إلى 217 هجومًا كيماويًا نفذها النظام السوري في مختلف المحافظات السورية، وخمس هجمات نفذها تنظيم “الدولة الإسلامية” في محافظة حلب.

وتسببت جميع الهجمات الكيماوية التي شنها النظام السوري، وفق “الشبكة”، بمقتل 1514 شخصًا يتوزعون إلى 1413 مدنيًا، بينهم 214 طفلًا و262 سيدة، و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، وسبعة أسرى من قوات النظام كانوا في سجون المعارضة، بالإضافة إلى إصابة 11 ألفًا و80 شخصًا في تلك الهجمات، مقابل 132 شخصًا أصيبوا في هجمات شنها التنظيم.

وفي ظل العجز الدولي عن تحقيق تقدم على مسار العدالة والمساءلة، بالإضافة إلى وجود “الفيتو” الروسي وغياب الإرادة السياسية الحقيقية عند الدول الكبرى بالمحاسبة، استغل السوريون والناجون، والمنظمات السورية التي تعمل في مجال التوثيق، الهوامش المتاحة في بعض الأنظمة القضائية العالمية (بند الولاية القضائية العالمية)، فيما يتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، للوصول إلى العدالة، بحسب ما قاله الطبيب سليم نمور، رئيس مجلس الإدارة في “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، لعنب بلدي. 

محدودية الفرص

يواجه السوريون صعوبات في سبيل الحصول على العدالة والمساءلة، مع وجود عدد كبير من الانتهاكات المرتكبة في سوريا وعدم وجود احتمال حقيقي للعدالة المستقلة والمساءلة، بالإضافة إلى وجود قيود على السبل القضائية المتاحة لتحقيق العدالة للسوريين، بحسب ما قاله نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، لعنب بلدي.

حجازي أصاف أنه بسبب عدة عوامل منها محدودية الفرص، مثل لجوء السوريين للقضاء للمشاركة في التحقيقات ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحقهم، ومحدودية الجهود لإنشاء أي محكمة دولية خاصة في سوريا، لا يوجد تقدم بمسار العدالة في سوريا.

وقال إنه في حال توفرت السبل تكون محدودة، بالإضافة إلى عقبات لوجستية تجعل من فرص المشاركة في التحقيقات ضئيلة، أما بالنسبة لخيار المحكمة الجنائية الدولية، فلم تصدّق سوريا على نظام روما الأساسي، ورغم محاولات الحصول على قرار من مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن استخدام روسيا والصين المتكرر لحق “الفيتو” منع المحكمة من فتح تحقيق بشأن سوريا.

ويمنح القانون السوري حصانات واسعة للمسؤولين الحكوميين وأفراد الاستخبارات والأفرع الأمنية، ما يعني أن إمكانية مقاضاة الذين ارتكبوا جرائم في سوريا عبر القوانين السورية معدومة، بحسب حجازي.

ومع انسداد الطريق إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعدم وجود احتمال حقيقي للعدالة المستقلة والمساءلة داخل سوريا، لجأ الضحايا إلى بلدان أخرى مثل ألمانيا والسويد وفرنسا للتحقيق في القضايا بناء على ما يعرف بالولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية أو الولاية القضائية العالمية، وبناء عليه، رفع محامون سوريون وأفراد ومنظمات وكذلك منظمات دولية لحقوق الإنسان قضايا في هذه البلدان لإجراء تحقيقات حول تهم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

وتتمتع المحاكم الفرنسية بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة ضد المواطنين الفرنسيين أو أولئك الذين يحملون جنسية مزدوجة، وكذلك الجرائم التي يرتكبها مواطنون فرنسيون أو مزدوجو الجنسية.

في 7 من تشرين الأول 2020، قدمت “مبادرة العدالة” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”مبادرة الأرشيف السوري” ضمن مشروع “Mnemonic” لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، شكوى جنائية إلى المدعي العام الاتحادي الألماني ضد مسؤولين سوريين، بشأن استخدام غاز السارين في عدة مدن سورية.

وعادت المنظمات الثلاث، في آذار 2021، لتقديم شكوى مماثلة أمام قضاة التحقيق في فرنسا، تضمنت شهادات مستفيضة لعديد من الناجين من هجمات الكيماوي التي شنها النظام السوري على مدينة دوما والغوطة الشرقية في آب عام 2013، لتكون الشكوى الجنائية الأولى التي تُقدم ضد بشار الأسد في فرنسا حول قضية الأسلحة الكيماوية.

أوضح حجازي أن القضية تحركت قانونيًا وفق الاختصاص القضائي للدولة الفرنسية خارج الإقليم لوجود ضحية تحمل الجنسية الفرنسية السورية في أثناء استهداف الغوطة الشرقية في 21 من آب 2013، ما منح الصلاحية للقضاء الفرنسي في فتح التحقيق.

وبحسب حجازي، فإن حجم الأدلة وتفصيلها أقنع القضاة بوجود أدلة جدية أو معززة ترجح تورط بشار الأسد بالجريمة، إلى جانب شقيقة ماهر الأسد، قائد “الفرقة الرابعة” في القوات المسلحة، والعميد غسان عباس مدير الفرع “450” في المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية، والعميد بسام الحسن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية، وضابط الارتباط بين القصر الرئاسي والمركز.

خطوة نحو العدالة

الدكتور سليم نمور الذي عايش مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، قال لعنب بلدي، إن مذكرات التوقيف بحق بشار الأسد تعد أول مذكرة توقيف في محكمة أوروبية بحق رئيس دولة خلال توليه السلطة، و”نعول على القرار بتشجيع الأنظمة القضائية الأخرى باتباع نفس الخطوات، كما نعول عليه بأن بشار الأسد لم يعد في نظر العالم رئيسًا بل مجرمًا مطلوبًا لمحكمة، ما يفيدنا في وجه حملات التطبيع أو محاولات منحه الشرعية”.

ويرى نمور أن مذكرات التوقيف بحق بشار الأسد خطوة على طريق العدالة، ويأمل أن تتحقق العدالة في محكمة وطنية سورية، “ولكن في غياب ذلك في سوريا نسعى وراء الوسائل المتاحة”.

ثائر حجازي قال لعنب بلدي، إن مبدأ الولاية العالمية أو الاختصاص القضائي العالمي يسعى إلى أن يكافح الجرائم الدولية مثل جرائم التعذيب، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، مضيفًا أن بعض الدول نصت بقوانينها وخاصة دول غرب أوروبا بقبول مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، “ورأينا حقيقة عدة محاكمات في ألمانيا وفي فرنسا تستخدم هذا الاختصاص”.

“وباعتبار فرنسا عضوًا في الإنتربول الدولي، من المتوقع أن تتوصل فرنسا مع الأمانة العامة للإنتربول الدولي لإصدار نشرة حمراء أن هؤلاء الأشخاص يجب إيقافهم بتهمة ارتكاب جريمة مثل استخدام السلاح الكيماوي”، بحسب ما قاله نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، لعنب بلدي.

بناء أدلة موثقة

تعتمد “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية” في جمع الأدلة المرتبطة بالهجمات الكيماوية بالأساس على إفادات الشهود من الضحايا الذين انضموا إلى الرابطة، وجمع الصور والمقاطع المسجلة من قبلهم في وقت ارتكاب الهجوم والآثار المترتبة عليه من حيث أسباب الوفاة والأضرار الصحية نتيجة الاختناق بالغاز السام.

كما توجد مشاركة وتعاون حقوقي بين الرابطة وعدة منظمات سورية معنية لإعداد ملف متكامل عن جميع الهجمات الكيماوية في سوريا، وتوثيق أي شيء من شأنه توفير المعلومات حول تلك الهجمات، بحيث يثبت كل دليل من الأدلة حقيقة ما، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا العمل بمنزلة المادة الأولية التي يستخدمها القضاة خلال مساعيهم الهادفة إلى التثبت من الحقيقة.

وتعد عملية توثيق مجزرة 21 من آب جهدًا مركبًا ومعقدًا، يهدف إلى تعزيز سردية الضحايا بشأن الهجوم، لذلك يجب أن تكون المعلومات مباشرة، ومفصلة، ومتكاملة، ومترابطة، ومدعومة بالأدلة، تمهيدًا لمساءلة ومحاسبة الضالعين وإنصاف الضحايا.

“لا تخنقونا مرتين”

“في المرة الأولى اختنقنا في غاز السارين بعد أن استهدف النظام السوري عدة مناطق منها الغوطة الشرقية ودوما، وفي الوقت الراهن نختنق لعدم محاسبة النظام ووجود قوة تردع استخدامه لهذه الأسلحة”، بحسب ما قاله نائب رئيس “رابطة ضحايا الأسلحة الكيماوية”، ثائر حجازي، لعنب بلدي.

وعن المعوقات التي تواجه الشكوى المقدمة في فرنسا، أوضح حجازي أنه يمكن للنائب العام إبطال المذكرة أمام غرفة التحقيق، ويمكن أيضًا أن يطلب سحبها وخاصة أنه من المحتمل أن يصدر استئناف للقرار أمام غرفة التحقيق.

“بالإضافة إلى وجود الحصانة، فالقانون الدولي يقر بوجود حصانة للرئيس في أثناء توليه السلطة، لكن قضاة التحقيق استندوا إلى عدد كبير من الآراء القواعد القانونية الدولية التي تقول إن مبدأ عدم الحصانة عن الجرائم الدولية يسقط بحال وجود أدلة دامغة سيئة تدل أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم خطيرة، كيف إن كنا نتحدث عن جريمة الكيماوي”، بحسب حجازي.

وأكد أن الرابطة ستستمر في دعم لقضية بالأدلة والشهود كما تسعى للمشاركة في الشكوى المرفوعة في ألمانيا التي تخص استهداف مدينة خان شيخون عام 2017، والشكوى الجنائية التي قُدمت إلى الشرطة السويدية عام 2021 لمحاسبة النظام السوري على استخدامه غاز السارين في هجومين، الأول على غوطة دمشق الشرقية عام 2013، والثاني على خان شيخون عام 2017.

وطالبت مجموعة من مؤسسات حقوقية وإنسانية ومدنية سورية، ومن روابط ومجموعات الضحايا وذويهم، ومن الشهود والناجين والناجيات من الهجمات الكيماوية في سوريا اليوم، الخميس 30 من تشرين الثاني، بإنشاء محكمة استثنائية للأسلحة الكيماوية لمحاكمة مستخدميها في الحالات التي لا يمكن اللجوء فيها إلى المحافل الجنائية القضائية الدولية القائمة، كما هي الحال في سوريا.

وأطلق اقتراح إنشاء المحكمة الاستثنائية للأسلحة الكيماوية بالتزامن مع إحياء ذكرى ضحايا الهجمات الكيماوية في جميع أنحاء العالم، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” اليوم.

مقالات متعلقة

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان