جريدة عنب بلدي – العدد 53 – الأحد – 24-2-2013
عنب بلدي – عمان
ثلاث طلقات حملها أبو محمد من داريا إلى عمان ليسجل بذلك رقمًا جديدًا في سجل المصابين السوريين الذين يصلون بشكل يومي إلى الأردن لتلقي العلاج.
أصيب أبو محمد أثناء اشتباكات دارت بين الجيش الحر (الذي كان يقود أحد مجموعاته) في داريا، وبين جيش النظام، وذلك عندما حاول الترجل من سيارته لسحب أحد الشهداء ففوجئ بقدوم دبابة باتجاهه أجبرته على الدخول في إحدى الحارات ليفاجئ بقناص ورشاش بي كي سي قبالته أطلقوا عليه زخات من الرصاص أصابته ثلاثة منها في ظهره، فاصطدمت سيارته بإحدى المحلات وانهار عليها «البلوك» ليفتح «بالون» السيارة وينقذ حياته مما هو أسوأ، ليعلم فيما بعد أن الرصاصات استقرت في نخاعه الشوكي وتسببت له بالشلل.
أبو محمد أب لثلاثة شبان، تعرضوا جميعًا للاعتقال على أيدي النظام قبل خروجهم وانضمامهم للجيش الحر. أحد أبنائه استشهد قبل شهرين وهو يدافع عن المدينة، كما أخبرنا أن الإثنين الآخرين يقودان الآن مجموعات في كتائب الجيش الحر المقاتلة في داريا.
يتابع أبو محمد حديثه وفي عينيه تحدٍ كبير ممزوج بحزن عميق «طالعوني ولادي من السيارة والقناص عم يضرب عليهم، حطو سيارة كبيرة حتى قدرو يسحبوني… بعدين فقدت الوعي وما صحيت إلا بالمشفى الميداني»، ثم يبتسم والدموع تغرغر في عينيه «اجى ابني الشهيد رحمة الله عليه قلي بابا وحياة عيونك أخدتلكبالتارقتلتلك خمس قناصيين إيرانيين وأكتر من 30 شبيح»
استطاع أبو محمد الوصول إلى أحد المشافي خارج المدينة، حيث أجريت له عدة فحوصات تقرر على أثرها إجراء عمل جراحي له، ولسوء حظه فقد قرر الطبيب المعالج كتابة ضبط شرطة نظامي ما أدى إلى كشف أمره، لكنه استطاع بمساعدة بعض «أولاد الحلال» الفرار من المشفى والتنقل بين عدة أمكنة ثم الوصول إلى مشفى ميداني آخر.
بدون علاج أو رعاية طبية نُقل أبو محمد في رحلة معاناة استمرت أيامًا عبر نقاط كثيرة قبل أن يصل إلى الحدود الأردنية اضطر فيها للتنقل بين سبعة سيارات كما يقول، وذلك بمساعدة وحماية الجيش الحر، الذي استطاع إقناع الجيش الأردني بالسماح له ولشخصين آخرين بعبور الحدود من بين ثلاثين جريح ينتظرون دورهم، وكانت صحة أبو محمد قد تدهورت خلال ذلك الوقت، وزادت الأمر سوءًا عملية العبور الشاقة عبر الوادي الوعر والمنحدرات الضيقة وهو محمول في بطانية ومرفوع على الأكتاف.
هنا التفت أبو محمد إلى زوجته ليطلب منها أن ترينا صورًا من هاتفها النقال لجسده المتفتح جراء نقله مسافة 150 متر حملًا على الأكتاف عبر الوادي وقع خلالها عدة مرات.
زوجته قالت أنه عند وصوله إلى المشفى في عمان لم يلق أبو محمد اهتمام أحد من الأطباء على الرغم من كونهم سوريين. كما قال أبو محمد أن أحدًا لم يكترث بتكاليف علاجه من الجهات التي تدعي أنها تقدم التبرعات أو الرعاية للسوريين بمن فيهم التنسيقيات المحلية.
لكن لسان أبو محمد لم يتوقف عن حمد الله وشكره طيلة الوقت وهو يتحدث عن مأساته وعن أبنائه الذين تركهم في داريا وجهًا لوجه مع قوات الأسد، وقدا بدا فخورًا ببطولات ابنه الثالث الذي استشهد حديثًا.
وقبل أن ينهي اللقاء معنا عبر أبو محمد عن نيته العودة إلى داريا فور شفائه رغم أنها «تدمرت» ولم بيق فيها مكانًا ملائمًا للعيش..
«أنا عندي بيتين بدارياراحو … وقبل ما اتصيب بخمس تيام نزل عنا 5 صواريخ بالبناي.. الحمد لله .. بس ياريت راح كلشي ولا راح أبني… هي مشيئة رب العالمين الحمد لله»