يشتكي أهالي مدينة دير الزور من أكوام النفايات المكدسة أمام منازلهم ومدارسهم، وحتى في الدوائر الرسمية.
ويتسبب تكدس النفايات بروائح كريهة تزعج السكان، إضافة إلى انتشار الحشرات التي تنقل الأمراض، والعقارب والفئران وحتى الأفاعي.
يتهم أهالي المدينة “مجلس دير الزور” والجهات المعنية بالتقصير في أداء واجبها في تنظيف المدينة وإهمال النفايات، ومن جهة أخرى يطلب “المجلس” من سكان المدينة الالتزام بأوقات رمي النفايات التي حددها سابقًا، إضافة إلى وضع القمامة في الحاويات.
وحدد “مجلس المدينة” سابقًا ساعات رمي النفايات المنزلية من الساعة الثامنة مساء إلى الثامنة صباحًا.
ولا تقتصر مشكلة النفايات على شوارع المدينة، إذ يشكل عدم فرز النفايات الصحية (مصدرها المرافق الطبية) وحرقها مع النفايات المنزلية خطرًا على السكان، لما تحمله من مواد سامة أو يمكن أن تنقل العدوى.
وتختلف طرق التخلص من النفايات حسب نوعها، إذ يسبب حرق النفايات الصحية مع بقية أنواع النفايات خطر التسمم والتلوث عن طريق مياه الصرف، وبعناصر أو مركبات مثل الزئبق أو الديوكسينات التي تُطلق في أثناء حرق المخلّفات.
القمامة تملأ المدينة
شكوى أهالي مدينة دير الزور حول تراكم النفايات ليست جديدة، إذ إن المشكلة بدأت منذ عودة الأهالي إلى المدينة بعد إعادة سيطرة النظام عليها بمساعدة روسيا، في 3 من تشرين الثاني 2017.
وقال عدد من أهالي المدينة، ممن تحدثت معهم عنب بلدي ورصدت تعليقاتهم، إنهم يعانون من وجود أكياس القمامة المجمعة أمام منازلهم وفي الشوارع، ولا تأتي سيارة “البلدية” إلا مرة واحدة في الأسبوع أو كل عشرة أيام، بحجة عدم توفر الوقود لتشغيل السيارات.
ولا تتكدس النفايات في الحارات والعشوائيات فحسب، بل وأيضًا أمام الدوائر الحكومية الرسمية، مثل “المحافظة” التي تعكس وجه المدينة وتستقبل وفود المنظمات والجمعيات والوزراء.
ويوجد في محافظة دير الزور 1161 مبنى مدمرًا كليًا، و2370 بشكل بالغ، و2874 بشكل جزئي، وبلغ مجموع المباني المتضررة في المحافظة 6405، بحسب بحث نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) في 2019، وترجمته عنب بلدي، يبين مدى الدمار الذي لحق بالمحافظات والمدن السورية.
وبعد إعادة تأهيل بعض المباني والمدارس، مثل مبنى “مديرية الشؤون الاجتماعية والعمال” ومدرسة “عدنان الويس”، في حي الحميدية، ترك الركام أمامها دون أن تقوم الجهات المعنية بإزالته، بحسب الأهالي.
واتخذ السكان من مواقع وجود الركام مكانًا لرمي النفايات المنزلية، إذ لا تتوفر حاويات القمامة في جميع الحارات، وتتشارك كل ست أو سبع حارات بحاوية واحدة، إضافة إلى عدم توفر سلال قمامة في زوايا الحدائق والمدارس وكراج الانطلاق، مما يدفع السكان لرمي القمامة في الشارع.
وذكر أحد سكان حي الحميدية، أن الكلاب الشاردة تنتشر في المدينة على شكل قطعان، وتتجمع بجانب حاويات القمامة، مما يخلق الخوف لدى سكان المدينة وخاصة الأطفال، ويضطرهم لرمي القمامة في الشوارع.
تبادل الاتهامات
يبرر “مجلس دير الزور” سبب تكوم القمامة في الشوارع، بوجود أربعة جرارات فقط مخصصة لإزالة النفايات، ويُعتبر عددها قليلًا نسبة لمساحة المدينة، إضافة إلى قلة الأيدي العاملة.
وحمل “المجلس” سكان المدينة مسؤولية الحفاظ على نظافتها، بالتزامهم بساعات إلقاء القمامة، وإحكام إغلاق أكياس القمامة، وعدم إلقائها بشكل عشوائي أو من الشرفات.
ويرى أهالي المدينة أن سبب تكوم القمامة يقع على عاتق ثلاثة أطراف، فئة من السكان، الذين يرمون أكياس القمامة بعيدًا عن الحاويات أو في البيوت المهجورة، معتبرين أن بعض الأهالي لا يملكون ثقافة النظافة، و”الحواجة”، الذين يرمون أكياس القمامة في الشوارع أثناء بحثهم في الحاويات عن البلاستيك.
ويحمّل الأهالي النسبة الأكبر من المسؤولية على البلدية، وتأخرها في جمع القمامة مما يؤدي إلى مفاقمة المشكلة، خاصة في حيي العمال والحميدية.
انتشار الحشرات والقوارض
التراكم غير المنضبط للقمامة، وتكدسها لأيام، أمر غير صحي، ويعزز الأمراض المنقولة عن طريق الحشرات والقوارض، وخاصة في فصل الصيف، إضافة لتسببه بروائح غير محببة للسكان.
وتتعرض أغطية حفر الصرف الصحي (ريغار) الحديدية للسرقة، ولا تضع “البلدية” أغطية جديدة، فتتجمع النفايات والقمامة داخلها، ما يتسبب أيضًا بروائح كريهة تزعج السكان، بحسب الأهالي.
ويشتكي السكان من عدم رش جميع الأحياء بالمبيدات الحشرية، مطالبين “شعبة المبيدات الحشرية” بتوزيعها على السكان في الأحياء المأهولة.
ونفذت “شعبة المبيدات الحشرية”، في 26 حزيران الماضي حملات رش ضبابية “مكثفة” في أحياء المدينة للحد من تكاثر الذباب والبعوض، إضافة إلى توزيع المبيدات للأهالي، وتعقيم حاويات القمامة والمكبات المؤقتة، حسب “مجلس المدينة“.
ومن جهة أخرى، يقول أهالي المدينة، إن حاويات القمامة لا تُنظف ولا تُعقم، وتبقى رائحة القمامة منتشرة حتى بعد إفراغ الحاويات من النفايات، وإن حدث تعقيم فهو يكون في أحياء معينة.
قلة اليد العاملة وضعف الرواتب
تبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في 2022، بالتعاون مع “مجلس دير الزور” مشروع إزالة وترحيل النفايات من أحياء مدينة دير الزور.
وشملت عملية التنظيف إزالة النفايات من أحياء القصور والجبيلة والموظفين والحميدية بما يقارب 13000 متر مكعب، ونقلها إلى مكبات مخصصة.
وأكد سكان المدينة، أن الأحياء شهدت تحسن النظافة خلال تلك الفترة، لكن عند انتهاء مدة العقد امتلأت الشوارع بالنفايات من جديد.
وأرجعت موظفة في “مديرية الخدمات الفنية” في دير الزور، السبب إلى أن عدد عاملي النظافة في المنظمات أكثر من عدد العاملين في “البلدية”، ودخل العامل في المنظمات أضعاف دخل عامل “البلدية”.
ويضطر عامل “البلدية” إلى البحث عن عمل إضافي، لأن دخله لا يكفي سوى لبضعة أيام، خاصة إذا كانت لديه أسرة يعيلها.
وبعد أحدث زيادة في منتصف آب الماضي، وصل الحد الأدنى لرواتب العاملين بالقطاع العام في مناطق سيطرة النظام إلى 185940 ليرة سورية (13.3 دولار أمريكي).
القمامة تتكدس.. لا فرز
أحد أعضاء “مجلس دير الزور”، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن النفايات في دير الزور تصل إلى 300 طن يوميًا، 70% منها عضوي و30% زجاج وورق.
وتمتزج النفايات مع بقايا الأنقاض، لأن السكان يرمون الركام في حاويات القمامة، وخصوصًا سكان حي الجبيلة، حسب العضو.
وتتجمع النفايات العضوية للمناطق غير المدمرة فقط في محطة التجميع والنقل في منطقة البانوراما، على المدخل الجنوبي لمدينة دير الزور، البالغة مساحتها تسعة كيلومترات مربعة.
وأرجع السبب إلى أن مكبس النفايات لا يعمل، ولا يمكن نقلها إلى مطمر النفايات في بادية الشّولا جنوب غربي دير الزور، والذي يمتد على مساحة 625 متر مربع، ويحتوي ثمان خلايا طمر، بسبب بعده عن البانوراما حوالي 20 كم.
وبالنسبة لنفايات الأنقاض، فهي تمتزج مع النفايات العضوية، وتأتي من المناطق التي تدمرت بيوتها، وتوضع بداخل حفرة في معسكر “طلائع البعث”.
من جهة أخرى، أكد رئيس “مجلس مدينة دير الزور” جرير كاكاخان، في آذار الماضي، أن “المجلس” باشر بنقل وترحيل النفايات من طريق المقابر ومن محطة تجميع النفايات في منطقة البانوراما، ونقلها إلى مطمر دير الزور، بموجب عقد أبرمه “المجلس” مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN HABITAT) بمدة 60 يومًا.
وقالت الموظفة في “دائرة الخدمات الفنية”، إن النفايات لا تمر بعملية الفرز، ويتم حرق النفايات الصحية مثل الإبر القادمة من المستشفيات والمستوصفات مع النفايات المنزلية.
ويشكل حرق النفايات الصحية مع بقية النفايات خطرًا على السكان، لما تحتويه من فيروسات وعوامل ممرضة لا تموت أثناء الحرق، وتمتزج عن طريق الأمطار بالتربة أو تخرج مع دخان الحرائق وتنتشر في الهواء، ويتعين وجود حراقات بمواصفات خاصة تمنع انتقال الأوبئة لمعالجة النفايات الطبية، حسب الموظفة.
وأشارت إلى وجود حديث عن خطط لبناء حراقة لمستشفى “الأسد”، بالتعاون مع إحدى المنظمات، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن.
اقرأ أيضًا: انتشار النفايات الطبية يهدد صحة الأهالي والبيئة في رأس العين
–