حصار النظام يفاقم الوضع الإنساني بمناطق شمالي حلب
يعيش سكان حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب ومناطق أخرى بريف المدينة الشمالي ظروفًا معيشية صعبة، نتيجة لحصار يفرضه النظام السوري عليها عبر إغلاق الطرق المؤدية إليها، إذ يمنع دخول المحروقات ومواد أولية نحو المنطقة التي تديرها “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” قسد).
ونتيجة للحصار، أغلقت “الإدارة الذاتية” المدارس التي تديرها في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، ومناطق أخرى من شمالي محافظة حلب، بسبب ما أسمته “الحصار الحكومي” المفروض على المنطقة.
وفي 26 من تشرين الثاني الحالي، نقلت “وكالة هاوار” الكردية قرار “هيئة البلديات في مقاطعة عفرين والشهباء” وتشمل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية ومدينة تل رفعت ومحيطها، وجاء فيه: “نتيجة للأوضاع التي تمر بها مقاطعة عفرين والشهباء وعدم توفر المحروقات ووقود المواصلات، تقرر تعليق الدوام في جميع المدارس ومعاهد الشهيدة فيان امارة في المقاطعة حتى إشعار آخر”.
معلمة في إحدى منشآت “الإدارة الذاتية” بحي الشيخ مقصود، تحفظت على اسمها لأسباب أمنية، قالت إن إغلاق المدارس أصبح لا مفر منه بسبب نقص المحروقات اللازمة لنقل الطلاب.
وأضافت أن الإغلاق بات الخيار الوحيد في ظل استمرار الحصار الذي يزداد شدة يومًا بعد يوم، وتنعكس تداعياته على الأهالي والمدارس في المنطقة.
الرئيس المشارك لهيئة التربية والتعليم في ريف حلب الشمالي، فاضل جاويش، أرجع خلال حديثة لوكالة “نورث برس” أسباب الإغلاق إلى أن الطلاب والمدرسين يتنقلون من أماكن سكنهم إلى مدارسهم عبر سيارات كانت تقلهم على حساب “الهيئة”، ولكن انقطاع مادة المازوت أدى إلى توقف جميع وسائل النقل، بالتالي لن يكون بمقدور هؤلاء الطلاب والمدرسين الذهاب إلى مدارسهم.
حصار مستمر
إبراهيم شيخو، من سكان مدينة تل رفعت شمالي حلب، قال لعنب بلدي إن الوضع في المدينة والقرى المحيطة بها صار “مأساويًا”، إذ تفرض “الفرقة الرابعة” التابعة لجيش النظام حصارًا على مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” منذ عام 2020، ما يزيد من معاناة السكان، خاصة مع وجود العديد من الأطفال وكبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية طبية.
وأضاف الشاب الذي يعمل في منظمة حقوقية بالمنطقة نفسها، أن مناطق سيطرة “الإدارة” تعاني في الوقت الحالي من نقص حاد في المحروقات، علمًا أن الحصار الحالي ليس الأول من نوعه ويتكرر سنويًا.
“وكالة هاوار” نقلت عن نائبة المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية، آرين حنان، أن إدارة المنطقة بذلت “جهدًا كبيرًا” لتوفير كمية من المحروقات وتوزيعها على السكان، لكن الحصار والقصف الذي تتعرض له المنطقة في شمال شرقي سوريا يعتبران عائقًا كبيرًا، وهذا الواقع تسبب في توفير كميات محدودة تقدر بحوالي 100 ليتر فقط لكل عائلة.
وأشارت حنان إلى عدم القدرة على تأكيد مرحلة توزيع أخرى حاليًا، إلا بعد تغطية جميع العائلات الحالية بالكمية المحددة سابقًا.
إبراهيم شيخو أشار إلى أنه بالإضافة إلى نقص المحروقات، تعاني المنطقة أيضًا من نقص حاد في الأدوية، إذ لا تتوفر بالكميات الكافية في الصيدليات والمراكز الطبية، ما يضطر شريحة واسعة من النازحين وأبناء المنطقة إلى شراء الأدوية بأسعار مرتفعة جدًا.
الخدمات تتلاشى
المعلمة العاملة في حي الشيخ مقصود قالت لعنب بلدي، إن الحصار المتواصل الذي يفرضه النظام على المنطقة منذ عام 2020 تفاقم مؤخرًا، إذ زادت ساعات انقطاع الكهرباء بسبب النقص الشديد في المحروقات.
وأضافت أن الكهرباء تنقطع بشكل متواصل، بسبب نقص المحروقات، ما رفع من أسعار الأمبيرات “بشكل مفرط”، إذ بلغ سعر الأمبير واحد 22500 ليرة سورية في الأسبوع، بحسب المعلمة، إلى جانب زيادة ساعات القطع للحفاظ على المحروقات المتوفرة لدى أصحاب المولدات.
بالنظر إلى استمرار الحصار لفترة طويلة، يُعتبر المستشفى الوحيد والمركز الطبي في بلدة فافين من الأماكن الحيوية الوحيدة لتقديم الخدمات الصحية، بحسب إبراهيم، إذ قال إن هناك نقاطًا طبية في المخيمات، ومع ذلك، تعاني هذه النقاط من نقص الأدوية وتأثير عدم دخول المنظمات الإنسانية إلى المنطقة.
وبالنظر إلى أن المستشفى الوحيد في المنطقة صار على وشك الإغلاق بسبب نقص الإمدادات، بات السكان يشعرون أن الخدمات بدأت تتلاشى وسط حاجة ماسة لها.
الأفران وشبكات المياه لا تزال تعمل في المنطقة، لكن توقفها عن العمل سيلقي بظلاله على الصعيد الإنساني في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، بحسب إبراهيم.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال أحد العاملين في قطاع النفط التابع لـ”قسد” بمحافظة الحسكة، إن “قسد” والنظام السوري يعتمدان آلية المقايضة على إيصال النفط إلى المربعات الأمنية التي يسيطر عليها النظام في الحسكة والقامشلي، وإلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية في حلب.
وتُدخل “قسد” بشكل شهري حوالي 35 طنًا من النفط الخام إلى مناطق نفوذ النظام في الحسكة والقامشلي دون مقابل مادي، بينما يُدخل النظام الكمية نفسها إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية بشكل مجاني أيضًا.
الحصار بالحصار
في مطلع نيسان 2022، منع عناصر “الفرقة الرابعة” المتمركزون بمحيط حي الشيخ مقصود الخاضع لنفوذ “قسد” بحلب، دخول السيارات المحمّلة بمادة الطحين إلى أفران الحي، بالتزامن مع أزمة معيشية تعاني منها المنطقة.
وتعد تلك المنطقة الوحيدة التي تخضع لسيطرة “قسد” في مدينة حلب، بعد حملات عسكرية عدة شنتها تركيا باتجاه مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية” شمالي المحافظة، أفضت إلى حسر نفوذها إلى أحياء صغيرة من مدينة حلب، وعدد من قرى ريف حلب الشمالي.
الأمر الذي قابلته “قسد” بحصار المربعين الأمنيين اللذين يسيطر عليهما النظام في الحسكة والقامشلي، كما سيطرت على عدد من المباني والدوائر الحكومية التابعة له في المنطقتين.
وسيطرت “أسايش” حينها على بعض ما وصفته بـ”النقاط المهمة” من المؤسسات الحكومية في شارع “المركز الثقافي” بمدينة القامشلي، لكن “قسد” نفت هذه المعلومات حينها.
وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي في وقت سابق من مصدر مطّلع في مطار “القامشلي”، اشترط عدم ذكر اسمه، فإن ضباطًا روسيين اجتمعوا مرتين مع “قسد” خلال بداية أيام الحصار المتبادل، بحضور قائد فوج “طرطب” التابع للنظام، للوصول إلى “تسوية” لفك الحصار عن المربعات الأمنية.
اقرأ أيضًا: شمالي سوريا.. “المربعات الأمنية” تدير المصالح بين “قسد” والنظام
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في الحسكة ريتا الأحمد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :