لم تنجح وئام (38 عامًا) في تدريس طفليها بالمنزل، رغم أنهما لا يزالان في المرحلة الابتدائية، ما اضطرها للجوء إلى معلمة تحضر إلى المنزل مقابل 400 ألف ليرة سورية (الدولار نحو 14000 ليرة) شهريًا مقابل تعليم عن الطفلين.
وئام موظفة حكومية تعمل “سكرتيرة” عن بعد في شركة عربية، وتصل ساعات عملها يوميًا لأكثر من عشر ساعات أحيانًا، كذلك الحال مع زوجها الذي يعمل بعملين بهدف تأمين مستلزمات الحياة.
قالت وئام المقيمة في اللاذقية، إنها لم تستطع وضع طفليها في مدرسة خاصة لأن هذا سيكلفها 15 مليون ليرة سنويًا، على الأقل، لذلك فضّلت تركهما في مدرسة حكومية ومتابعة دروسهما عبر معلمة خاصة.
وترى السيدة أن المناهج التعليمية صعبة وضخمة جدًا، ومن المستحيل على الطلاب الصغار دراستها بمفردهم، خصوصًا أن الشرح في المدرسة ليس كافيًا على الإطلاق، حسب قولها.
وأوضحت أن طفلها وهو في الصف الثالث الابتدائي يدرس في قاعة صفية تضم نحو 45 تلميذًا، وبالكاد تتمكن المعلمة من ضبط الصف، لافتة إلى أن الرواتب القليلة لا تشكل أي حافز للمعلمات لمتابعة الدروس بضمير وغالبيتهن يلجأن لإعطاء الدروس الخصوصية لتحصيل دخل إضافي.
وأضافت وئام أن غالبية الأمهات في محيطها يلجأن للطريقة ذاتها، ولأسباب متنوعة، رافضة أن يكون السبب تخاذلًا من الأم أو رغبة منها بالتنصل من مسؤولياتها تجاه أبنائها.
“الإنجليزي فوق طاقتي”
رغم أن لميس (36 عامًا) متفرغة تمامًا لتدريس أبنائها، فهي من عائلة الأب فيها هو المعيل الوحيد، فإنها تشعر بالعجز إزاء الكثير من التفاصيل، خصوصًا في مادة اللغة الإنجليزية، التي لا تستطيع فهم حرف واحد منها.
وقالت السيدة المقيمة في اللاذقية، إنها أكملت تعليمها الثانوي وتوقفت عند هذا الحد لتتزوج، ولم تطور نفسها بهذه المادة، واكتفت بما تعلمته سابقًا باللغة العربية والرياضيات، وتدرس دروس المادتين جيدًا وتحضر لهما لتنجح بتدريس أبنائها أو على الأقل لتتمكن من التسميع لهم والتأكد من حفظهم.
واضطرت لميس للاستعانة بمعلمة مختصة باللغة الإنجليزية تدرس الطلاب ضمن مجموعات، وتتقاضى القليل من الأموال قياسًا بغيرها، ولا تتجاوز قيمة ما تتقاضاه شهريًا الـ30 ألف ليرة سورية من كل طالب مقابل ثلاث حصص أسبوعيًا، مدة كل حصة ساعة.
ورغم المبلغ القليل الذي تدفعه لميس فإنه يشكل عبئًا على العائلة، ويستنزف نحو 30% من الراتب الشهري للزوج وهو موظف حكومي، والذي كما غالبية الأهالي يعمل بما يجده من أعمال لسد احتياجات العائلة.
ومن حسن حظ لميس أنها تعيش في منطقة سقوبين إحدى ضواحي مدينة اللاذقية، إذ تعتبر أجور تلك الخدمات فيها أقل بكثير من الأحياء الأخرى في المدينة، التي يمكن أن يصل أجر الدرس الخصوصي الواحد للغة الإنجليزية إلى 30 ألف ليرة.
فرص عمل للخريجين
هبة خريجة قسم الترجمة من جامعة “تشرين” باللاذقية، لم تنجح بالحصول على وظيفة حكومية منذ تخرجها قبل نحو خمس سنوات، عملت كبائعة في أحد محال الألبسة ثم تركت العمل بسبب أزمة النقل.
وجدت لاحقًا عملًا في ترجمة المحتوى، ومرة ثانية تركته بسبب سوء خدمات الإنترنت والتقنين الكهربائي في منطقتها سقوبين، وعدم قدرتها على الالتزام ما دفعها للبحث عن عمل بديل، حتى قررت افتتاح دورات خاصة باللغة الإنجليزية.
يدرس لدى هبة اليوم نحو 70 طالبًا، تتقاضى من كل واحد منهم 30 ألف ليرة شهريًا، وكلهم من طلاب المرحلة الابتدائية، بدءًا من الصف الأول وحتى السادس، ما يوفر لها دخلًا جيدًا لا يقارن براتب المعلم في المدارس الحكومية، وقالت إنها تتساهل مع الطلاب الذين تعلم بفقر أحوال ذويهم، وتتغاضى عن تقاضي أي أجرة منهم.
ويستمر الجدل بما يخص صوابية وضع معلمين خاصين لطلاب المرحلة الابتدائية، بين فئة ترى بأنه أمر خاطئ ويجب على الأهل تعويد أطفالهم الالتزام وعدم الاتكالية، وبين فئة أخرى ترى أن المناهج ضخمة وتحتاج لشرح مطول، كما أن البنية التحتية للمدارس لا تسمح للطلاب بالحصول على الشرح الوافي، ما يفرض وجود معلم بديل.
تكاليف مرتفعة
بدأ العام الدراسي مطلع أيلول الماضي وسط ظروف اقتصادية صعبة يعيشها السوريون، وبلغت تكلفة تجهيز طالب ابتدائي للمدرسة أكثر من 300 ألف ليرة في أسواق شعبية باللاذقية، من البضائع القليلة الجودة نسبيًا مقارنة ببقية أسواق المدينة، التي تزيد تكلفة التجهيز فيها على نصف مليون ليرة، وفق تقرير سابق أعدّته عنب بلدي.
ووزعت المدارس كتبًا تالفة وممزقة ومحلولة الأسئلة على الطلاب، ووضعت الأهالي أمام خيارين إما شراء كتب جديدة وإما تجليد الكتب القديمة وتزيينها بلواصق ألعاب محببة، وإزالة كل الحلول المكتوبة على الكتب المدوّرة.
وطلب معلمون في مدارس حكومية من الطلاب جلب بعض المستلزمات التي من الواجب على المدرسة تأمينها، مرجعين السبب إلى عدم الحصول على مخصصات المدراس من مديريات التربية نتيجة تراجع المخصصات المالية.
اقرأ أيضًا: مدارس اللاذقية تحرج طلابها بطلب شراء مستلزمات الدراسة
–