عروة قنواتي
كلاكيت مرة ثانية وثالثة… وثامنة، وعلى وقع أكبر و أضخم وأهم مواجهات الأرض كرويًا، سوبر كلاسيكو دموي فاشل تنظيميًا في تأكيد مستمر لإفلاس الاتحادات الكروية في قارة أمريكا الجنوبية، التي يظهر بها اتحاد السيلساو في صدارة الفاشلين المفلسين إداريًا وتنظيميًا وبروتوكوليًا وأمنيًا، إذ لا بد لنا بين كل مواجهة وأخرى تلاقي بها البرازيل الخصم التاريخي الأرجنتين من حفلة الدماء والضرب وشحن الأجواء حتى باتت الحكاية فلكلورًا لا يمكن أن تنطلق أو تختتم المباريات إلا بحضوره و ظهوره، فإلى متى؟
تحمل مواجهة الأرجنتين مع البرازيل وما يطلق عليها كلاسيكو الأرض إرثًا ثقيلًا من العداء والنزاع الذي بدأ قبل 100 عام تقريبًا عندما وصفت بعض الصحف الأرجنتينية لاعبي منتخب البرازيل بالقرود السوداء، ما أدى يومها لنزول السامبا إلى أرض الملعب بثمانية لاعبين بعد غضب بقية التشكيل من الأوصاف الجماهيرية والإعلامية بحقهم، ما اضطر التانغو الأرجنتيني حينها إلى إكمال المباراة بثمانية لاعبين حتى لا تذهب الأمور إلى حوادث أكبر.
هذا العداء تحول إلى المنصات الجماهيرية في كل مواجهة، أو بأغلبها حتى يكون الوصف دقيقًا، أيًا كانت المنافسة (كوبا أمريكا، مونديال، تصفيات، بطولات دولية/ودية) وعبر كل الأجيال التي مرت من بيليه إلى باساريلا، من فالكاو وسقراط وزيكو إلى مارادونا وكانيجيا، من باتيستوتا وفيرون وأورتيغا إلى روماريو ورنالدو وكافو وبيبيتو، وصولًا إلى ميسي ونيمار، دائمًا علينا توقع الأسوأ قبل الأفضل، وعلينا توقع المصيبة قبل بهجة الأداء الفني والمهاري واستفزازات النتيجة بين المعسكرين وبين الجمهورين على مدار تاريخ اللعبة حتى اليوم.
في المواجهات الأخيرة يسقط الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في إشكاليات وتصرفات لم نرَها لا في الشرق الأوسط ولا في اتحادات إفريقيا الناشئة، والسؤال هنا، كم مباراة يستضيفها الماراكانا الشهير في أرض البرازيل بمثل أهمية مواجهة البرازيل والأرجنتين؟
كل كم سنة أو كم مناسبة يجتمع المنتخبان حتى تكون لجان الاستقبال والتشريفات والبروتوكولات مشغولة بهذا الشكل بحيث تدب الفوضى في صفوف التنظيم للأماكن المخصصة للجماهير، وتترك اللجان الأمنية تضرب وتجرح وتكسر بهذا الشكل “البهائمي” أمام أكثر من 300 شاشة عالمية ناقلة للحدث؟
من الذي أفهم هؤلاء أن ضبط الأمور والتجاوزات داخل الملعب يكون بهذه التصرفات البعيدة كل البعد عن الحضارة، بهذه العشوائية غير السلمية التي تؤذي اسم البرازيل وعنفوانه الكروي عبر تاريخ كرة القدم؟
مشهد دموي سبق اللقاء الخاص بذهاب تصفيات المونديال سمح بتدخل اللاعبين ومحاولتهم الاشتراك في صد أمن الملعب الهائج لتخفيف الضغط على الجماهير التي تعرضت للضرب وسالت الدماء عند البعض ما جعل تدخل فرق الإسعاف ضروريًا، وأين؟ في ملعب الماراكانا الشهير. صور سريعة بعدها قبل اللقاء كانت إحداها انسحاب ميسي ورفاقه من الملعب إلى غرف الملابس لعل الأجواء تصبح أفضل قبل بداية المباراة.
والكل يذكر فوضى دخول موظفين من قطاع الصحة البرازيلي إلى مباراة البرازيل والأرجنتين قبل عام ونصف في تصفيات مونديال 2022، المباراة التي لم تقم ولم تكتمل ولم تُعرف نتيجتها بسبب سوء التنظيم، والحجة كانت يومها ضرورة اصطحاب بعض لاعبي المنتخب الأرجنتيني للفحوصات الخاصة بـ”كوفيد-19″، إذ إنهم اجتازوا الأمن والتفتيش في المطار دون إجراء الفحوصات اللازمة، فجاء جهابذة الصحة في البرازيل لإيقاف المباراة وسحب اللاعبين من أرض الملعب في مشهد “كاركوزاتي” مضحك لم نرَ مثله لا في زائير ولا في الكونغو ولا في شرق آسيا ولا في القطب المتجمد.
الحقيقة أن كل هذه الأمور المضحكة والمؤسفة ما كانت لتحدث أو كان يمكن ضبطها لو أن حكيمًا يوجد ضمن مجلس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، تصعب عليه رؤية هذه الصور الفاضحة وغير الناضجة لبلد رفع رجاله كأس العالم خمس مرات، ودوّن أبناؤه ومحترفوه أسطر كرة القدم بأحرف من ذهب باللون الأصفر، وبتوقيع السامبا الشهير.
فإلى متى تستمر اتحادات أمريكا الجنوبية بهذا التراجع الجنوني وبهذه التجاوزات التي أبعدت شاشات العالم ومتابعي الكرة عن مهد المهارة والفنون الكروية لسنوات وعقود طويلة؟