النظام السوري وأزمة الدولار.. سياسات اقتصادية لا تعوض النقص
عنب بلدي – يامن مغربي
تدهورت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي تدريجيًا، منذ اندلاع المظاهرات التي طالبت برحيل نظام بشار الأسد عن سدة الحكم في سوريا، عام 2011.
من الطبيعي أن تنخفض قيمة العملات المحلية، وأن يشهد الاقتصاد تراجعًا خلال فترة الاضطرابات السياسية أو مراحل عدم الاستقرار، لكن اتباع النظام السوري للحل الأمني، ونزول الجيش إلى الشوارع، ثم خسارته مساحات جغرافية واسعة من الأراضي السورية لمصلحة المعارضة، وتوقف الصناعات والتصدير وحركة السياحة الداخلية والخارجية، ولجوء مئات الآلاف من السوريين إلى خارج سوريا، كلها عوامل أدت إلى تراجع حاد في قيمة الليرة، وانخفاض حاد في احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف سوريا المركزي.
واتبع النظام خلال السنوات الماضية عدة خطوات في محاولة للحصول على موارد من القطع الأجنبي، وحاول مرارًا ضبط سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، بما في ذلك إلزام الراغبين بزيارة سوريا عبر المعابر الحدودية التي يسيطر عليها بتصريف مبلغ 100 دولار أمريكي وفق سعر المصرف المركزي، ورفع الرسوم القنصلية للسوريين في الخارج، وتحديد أسعار صرف مختلفة للحوالات والاستيراد وسعر الصرف، وسحب الدعم الحكومي عن السلع الأساسية والخدمات.
كيف تعامل النظام مع الانهيار
رغم إصدار النظام السوري عشرات المراسيم والقرارات التي حاول من خلالها التحكم بأسعار الصرف، ومحاولة الحفاظ على قيمة الليرة السورية من التراجع، فإن القوانين بقيت دون فائدة في ظل الظروف القاسية التي تعيشها البلاد، خاصة مع سعي النظام المتكرر لتبديل طبقة رجال الأعمال بآخرين يعملون كواجهة له، وإنتاج اقتصاد لا ملامح له، مع هجرة واسعة لليد العاملة السورية.
وتؤثر الهجرة المتزايدة، بشكل مباشر، على الاقتصاد السوري المنهك بفعل استمرار العمليات العسكرية لأكثر من عشر سنوات.
ووفق دراسة أصدرها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات“ في 2022، فإن سلوك حكومة النظام السوري خلال السنوات الماضية يظهر تخبطًا في القرارات، ومن الصعب الوقوف على سياسة واضحة.
وإحدى أبرز المشكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري والنظام، الدولار الأمريكي وسعر الصرف.
ويصدر النظام بشكل دوري نشرات جديدة لأسعار الصرف، وهو ما يعكس محاولات لضبط سعر الليرة.
الباحث الاقتصادي مرشد النايف ربط في حديث لعنب بلدي مشكلة النظام مع الدولار الأمريكي بنقطتين، الأولى عدم ترشيد النظام عمليات إنفاق الأموال الاحتياطية في المصرف المركزي، وتوجيهها لمصلحة العمليات العسكرية.
أما النقطة الثانية فتتعلق بغياب المصادر الخارجية لتأمين الدولار الأمريكي، عبر الصادرات والاستثمارات الخارجية وقطاع السياحة ونسبة تحويلات المغتربين، مع لجوء مئات الآلاف من السوريين إلى خارج سوريا، وفق النايف.
وأضاف أن النظام السوري لا قدرة لديه على تعويض هذه المصادر، لذا حاول من خلال قراراته المتعددة إيجاد مصادر جديدة للتعويض.
وأصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قانون الاستثمار رقم “18” لعام 2021، بغرض الحفاظ على رؤوس الأموال المحلية وحمايتها من الهجرة.
دراسة “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، أشارت إلى أن الواقع عاكس تمامًا الغاية من القانون بسبب ممارسات حكومة النظام والأجهزة الأمنية.
ومع فشل النظام بتطبيق القوانين التي أصدرها لأغراض الاستثمار، والعوامل التي ذكرها النايف ودراسة “المركز العربي”، سعى النظام لتعويض مصادر القطع الأجنبي بطرق أخرى.
المحلل الاقتصادي يونس كريم، قال لعنب بلدي، إن لدى النظام السوري ثلاثة أسباب لتحصيل رسوم بالدولار الأمريكي.
الأول هو محاولة تعويض تضاؤل موارده المالية الخارجية بأخرى داخلية، عبر فرض الضرائب والرسوم بالدولار الأمريكي.
وأوضح أن السبب الثاني يتعلق بتغيير النمط الاقتصادي للمجتمع، ومحاولة خلق “نيو رأسمالية اقتصادية” (تعرف أيضًا برأسمالية ميلتون)، أما السبب الثالث فهو اعتقاد النظام بأن الحل المقبل في سوريا هو حل اقتصادي لا سياسي، ومن يملك المال هو من يتحكم بالمصير، وفق كريم.
وأدى هذا التراجع، إلى جانب عوامل أخرى، لانخفاض القوة الشرائية لدى السوريين، وتزايد معدلات البطالة مع وجود 15.3 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية في سوريا، وفق أرقام الأمم المتحدة، كما أن 90% من السوريين باتوا تحت خط الفقر، مع وجود 5.3 مليون لاجئ سوري في البلدان المجاورة لسوريا، فيما لا توجد أعداد دقيقة للسوريين المغادرين ولم يسجلوا كلاجئين، وتحديدًا في البلاد التي يرحل إليها السوريون للبحث عن فرص عمل، كالعراق ومصر والإمارات.
سياسات غير مجدية
لا يبدو أن خطوات النظام لضبط سعر الصرف، بما في ذلك فرض تسديد رسوم خدمات حكومية بالدولار الأمريكي، تساعد كثيرًا في تأمين النقد الأجنبي لسوريا أو ضبط سعر الصرف.
وذكرت دراسة نشرها مركز “ميدل إيست دايركشن” في 2020، أن المصرف المركزي السوري أخفق في سياسته المختلفة للحد من تراجع قيمة الليرة السورية، وتسبب هذا التراجع بعواقب وخيمة على الاقتصاد السوري.
الدراسة أشارت أيضًا إلى أن انكماش الاقتصاد أدى إلى انخفاض إيرادات الضرائب المباشرة وغير المباشرة من 325 مليار ليرة سورية (سبعة مليارات دولار في 2011 بسعر صرف 50 ليرة للدولار الواحد)، إلى 409 مليارات ليرة سورية في 2018 (حوالي 942 مليون دولار أمريكي فقط بسعر صرف 434 ليرة للدولار الأمريكي وفق سعر الصرف الرسمي).
وترى الدراسة أن انخفاض قيمة الليرة شجع التعامل بالدولار مع فقدان الثقة بالأولى، وأسهم ذلك بتمويل خزينة النظام السوري، عبر استغلال سعر الصرف.
ومن خلال الدراسة، يمكن فهم الطريقة التي اتبعها النظام السوري للاستفادة قدر الإمكان من فوارق سعر الصرف، والحصول على أكبر قدر ممكن من القطع الأجنبي، بما في ذلك إصدار قوانين خاصة لأسعار صرف الحوالات، وتشديد قبضته على الأخيرة.
الباحث الاقتصادي مرشد النايف، لا يرى أن النظام السوري يحقق فائدة حقيقية من محاولاته الحصول على القطع الأجنبي عبر فرض دفع بعض الرسوم بالدولار الأمريكي، على اعتبار أن هذه الخطوة لا تحقق له الإيرادات الكافية للسوق المحلية.
ووفق النايف، لا تحقق السياسات النقدية التي يستخدمها النظام فوارق على صعيد إحراز التكافؤ بين العرض والطلب محليًا، خاصة مع توقف مصادر النقد الأجنبي.
في حين يرى المحلل الاقتصادي يونس كريم، أن فائدة النظام تأتي من باب “إدارته لشؤون الدولة”، وهي إدارة يتماهى معها ويحرص على عدم انهيارها لكيلا ينهار هو أيضًا.
وأشار كريم إلى أن محاولات النظام المتكررة لرفع سعر الصرف الرسمي في مقابل سعر صرف السوق السوداء، هي وسيلة للصمود وجذب الحوالات إليه بدلًا عن السوق.
يبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية 13750 ليرة سورية، وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار العملات.
فيما يبلغ وفق نشرة السوق الرسمية الصادرة عن ““مصرف سوريا المركزي 11500 ليرة سورية للدولار الواحد.
توجد في سوريا عدة نشرات لأسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة، ثلاث منها يعلَن عنها بشكل يومي، هي السعر الرسمي، ونشرة المصارف، ونشرة الحوالات، بالإضافة إلى سعر إضافي غير رسمي هو سعر “السوق السوداء”.
تستخدم نشرة “السوق الرسمية” في عمليات القطاع العام (حساب قيمة الموازنة العامة)، وتقييم بيانات المصارف، ودفع بدل الخدمة الإلزامية للمقيمين داخل سوريا والمغتربين.
فيما تختص نشرة “الحوالات والصرافة” بالتصريف النقدي، وشراء الحوالات الخارجية التجارية، وجزء من الحوالات الواردة إلى الأشخاص الطبيعيين أو “الاعتباريين”، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية، وأي شركة لديها حسابات بالقطع الأجنبي، بالإضافة إلى استفادة الأشخاص الملزمين بتصريف الـ100 دولار أمريكي منها عند دخولهم إلى سوريا عبر المعابر الرسمية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :