في جبال القوقاز المهيبة، وخلال الثورة في داغستان ضد الإمبراطورية الروسية، تدور أحداث رواية “حكاية جدي”.
تروي الكاتبة إلفة الإدلبي، في جلسات عائلية رمضانية، حكاية نفي عائلة جدها من داغستان إلى دمشق كما كان يرويها لهم الجد، فتقف حين كان يقف، وتكمل من حيث بدأ، محاولة بذلك الحفاظ على التراث القصصي.
كان والد “الجد صالح” يعيش في داغستان فترة اندلاع الثورة، وكان شيخًا وقورًا وذا سمعة حسنة ورأي سديد، توفيت زوجته وتزوج فيما بعد شابة حسناء اسمها “كُلْ” تصغره بحوالي 60 عامًا، وأنجب منها صالحًا.
ومع اشتداد بطش الروس واستمرار مقاومة الداغستانيين، قرر رجالات من البلد تشكيل وفد إلى القسطنطينية، وطلب المساعدة والدعم من السلطان محمود.
وتم الأمر كما خُطط له، وكتب السلطان “فرمانًا” بمنحهم ما يريدون، لكن أُلقي القبض عليهم قبل خروجهم من الأراضي العثمانية، ونفي كل واحد منهم إلى بلد بعيد عن الآخر.
وهكذا نُقض العهد ونُكث الميثاق، ونفي “أبو صالح” إلى دمشق، دون معرفة الأسباب، وبقي “الفرمان” بحوزته.
وسافرت عائلة “الجد أبو صالح” فيما بعد من داغستان إلى دمشق للعيش معه، إلا أن زوجته “كل” بقيت في الديار حيث أهلها.
يروي الرجل لولده صالح قصة طلاق أمه، مبررًا أن أيامه المتبقية بالحياة معدودة، و”أم صالح” ستعيش وحدها في بلاد غريبة، ومع بقية الأولاد، وأنه لا يأمن عليها من بعده مع أولاده مهما طاب خُلقهم، فهي بالنهاية امرأة حلّت مكان أمهم.
ويُسائل صالح والده في أحد محاور الرواية عن مصير الثورة في بلاده، ويجيب الأب المسن عن نظرته إلى ثورة غير متعادلة الأطراف، وأنه كان يرى نهايتها منذ البداية، لكنه خشي أن يظن الناس أن عمره الكبير وضعف قواه يتحكمان بنظرته إلى الأمور.
وافترق بذلك الابن عن أمه، وتتابعت الأيام ومات الأب وشبّ صالح ونما رزقه، وبقيت عودة صالح إلى داغستان ولقاء أمه هي شغله الشاغل وحلمه الذي يسعى إليه.
يستذكر صالح بدمشق طفولته في داغستان، وأيام الثلوج الكثيفة، وما يصاحبها من سهرات دافئة وليالٍ مقفرة موحشة، ويستطيع القارئ تخيل الأحداث والمناظر الطبيعية والعواصف الثلجية وسهرات العائلة وحميمية الأجواء حينًا، وقسوة الحياة حينًا آخر، وذلك من طريقة السرد القصصي الذي تستخدمه الكاتبة في روايتها “حكاية جدي” التي صدرت عام 1999.
وبعد 35 عامًا من غربة الابن عن أمه وانقطاع الأخبار، يسافر صالح إلى بلاده ليجد أمه فاقدة للبصر، وتدور في الديار أحداث وحوارات، كما تجري الأم عملًا جراحيًا تستعيد بعده النظر.
تموت “كل” في ديارها داغستان، بعد أن تزور دمشق ومكة، رافضة أن تترك بلدها حتى ولو كلفها الأمر أن تغترب عن ابنها الوحيد من جديد.
وتناقلت العائلة الداغستانية نسخة “الفرمان”، كإرث ورقي، ودليل على المحاولة.
إلفة الإدلبي، كاتبة وأديبة سورية من مواليد دمشق، يعود نسبها من أمها إلى أسرة داغستانية.
سجلت إلفة الأدلبي اسمها كواحدة من أكبر الأديبات السوريات والعرب، وكتبت أول قصة لها عام 1947 بعنوان “القرار الأخير”.
تُرجمت العديد من أعمال إدلبي إلى الإيطالية والإسبانية والألمانية والروسية والصينية والتركية والأوزباكستانية والروسية.