وصلت أسعار زيت الزيتون في إدلب شمالي غربي سوريا إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، متأثرة بانخفاض الإنتاج العالمي، وارتفاع الطلب على المنتج، ما انعكس على أسعاره محليًا.
ورغم بدء موسم قطاف الزيتون وعصره منذ شهر تقريبًا، تجاوز سعر صفيحة الزيت (التنكة) بوزن 16 كيلوغرامًا 92 دولارًا أمريكيًا (2660 ليرة تركية)، بينما كان سعرها في موسم الزيتون العام الماضي 45 دولارًا.
ارتفاع السعر في إدلب “بلد الزيتون” والتي تضم نحو 880 ألف شجرة زيتون، أبعد فرصة مؤونة الزيت عن عائلات كثيرة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، إذ لا تتجاوز أجرة العامل يوميًا في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (2.5 دولار).
أسباب الارتفاع
محمود الغفير (42 عامًا) يملك محلًا تجاريًا لبيع زيت الزيتون وتصديره، أرجع ارتفاع أسعار الزيت إلى ضعف الإنتاج هذا العام (معاومة)، وضعف الإنتاج العالمي وتأثر السوق المحلي بكثرة الطلب الخارجي.
وذكر لعنب بلدي، أن اقتلاع أشجار الزيتون بسبب “دودة ساق الزيتون” في تونس وإسبانيا (أكثر الدول إنتاجًا للزيت) أثرت على المنتج في باقي الدول.
وأوضح أن عدة تجار ودول توجهت إلى الزيت السوري في الشمال لجودته العالية وانخفاض نسبة الأسيد فيه، لافتًا إلى نسبة الأسيد في الزيت الذي تنتجه إدلب لا يتجاوز خمس درجات، بينما تصل نسبة الذي تنتجه تركيا أو تونس ثماني درجات.
وبحسب التاجر، فإن المزارعين احتفظوا بإنتاجهم من الزيت أملًا بتحقيق مزيد من الأرباح، ما أدى إلى قلة العرض، لافتًا إلى أنه اشترى الموسم الماضي أكثر من 50 ألف “تنكة” زيت، بينما لم يتمكن هذا العام من شراء أكثر من ألف “تنكة”.
وأشار التاجر إلى أن التجار غيروا سياستهم التجارية خلال الأيام القليلة الماضية، ولم يحتفظوا بكميات الزيت التي يشترونها وباتوا يبيعونها بأسرع وقت ممكن، خوفًا من انخفاض الأسعار أو وقف التصدير.
اقرأ أيضًا: “المعاومة” تضرب موسم الزيتون في سوريا.. ما أسبابها
بدوره، قال محمد المبيض (33 عامًا) صاحب معصرة لزيت الزيتون، إن تجار الزيت عادة يتوافدون إلى المعاصر للشراء من الفلاحين مباشرة، وكان المزارع يأخذ حاجته من الزيت ويبيع الباقي قبل الخروج من المعصرة.
وذكر لعنب بلدي أن نسبة قليلة من المزارعين باعوا زيوتهم هذا العام، خاصة المقتدرين ماليًا أو ميسوري الحال، والذين لديهم إنتاج وفير ولديهم القدرة على تخزين الزيت.
وبحسب صاحب المعصرة، فإن ازدياد الطلب وقلة العرض ورغبة المزارعين بالاحتفاظ بزيوتهم، ستؤدي إلى مزيد من ارتفاع الأسعار في الأيام المقبلة، متوقعًا وصول سعر تنكة الزيت لما يزيد عن 100 دولار أمريكي.
لا قدرة على الشراء
تضاعف أسعار الزيت مقارنة بالموسم الماضي، حال دون قدرة المواطنين في إدلب على شراء ما يحتاجونه من مؤونة، وأجبرهم عن البحث عن حلول بديلة اختلفت من عائلة لأخرى.
وفي عام 2021 بلغ سعر صفيحة زيت الزيتون 30 دولارًا أمريكيًا، وارتفع العام الماضي ليصل إلى 45 دولارًا، وبدأ يتراجع الطلب المحلي على الزيت بسبب ضعف قدرة المواطنين على الشراء، وفق تاجر الزيت محمود الغفير، في حين بدأ سعر الصفيحة هذا الموسم بـ77 دولارًا أمريكيًا.
عبد الله خضراوي (55 عامًا)، مهجر يقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي إنه يحتاج سنويًا إلى ثلاث “تنكات” زيت، لافتًا إلى أنه تمكن العام الماضي من شراء “تنكتين” عند الموسم مع محاولات تقليل المصروف، لكن ليس بمقدروه هذا العام شراء حتى “تنكة”.
ويأمل عبد الله أن ينخفض سعر الزيت في الأيام المقبلة، وفي حال عدم انخفاضه، لن يشتري زيت الزيتون سوى في الحالات الضرورية وبكميات قليلة جدًا تكفي الحالة اللازمة.
بدوره قال سامي اليوسف (42 عامًا) مواطن يقيم في مدينة إدلب، إنه اشترى صفيحة زيت بداية الموسم بـ80 دولارًا أمريكيًا، وما زال بحاجة لصفيحة أخرى، لكن ارتفاع الأسعار سيجبره على البحث عن حلول أخرى كاستعمال زيت نباتي أو خلطهما معًا.
تحليل الزيت ضروري
يُصدر زيت الزيتون المحلي إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى تركيا أو إلى لبنان ومنها إلى الأسواق العالمية، وتعتبر دول الخليج الوجهة الأولى لزيت إدلب، ويلزم التاجر بتحليل الزيت قبل التصدير للتأكد من جودته وخلوه من السموم.
محمد المبيض، صاحب معصرة في إدلب، قال إنه بعد عصر الزيتون يجب تحليل الزيت قبل تناوله للتأكد من نسبة الأسيد وخلوه من مادة البروكسيد السامة.
وذكر المبيض أنه سابقًا، كان هناك مكتب خاص لتحليل الزيت هو مكتب الزيتون في إدلب، أما اليوم فلا يتم تحليل الزيت إلا قبل التصدير حيث يجبر التجار على إرسال نتائج التحليل للدول المستوردة قبل التصدير.
وفي الأسواق المحلية يطرح الزيت من دون تحليله، وتفحص نسبة الأسيد فقط، أما نسبة البروكسيد فلا تفحص، لافتًا إلى أن البروكسيد هو عبارة عن وجود مادة سامة تكسب الزيت حموضة وفي حال وجودها يصبح الزيت غير قابلًا للاستهلاك البشري.
اقرأ أيضًا: تقديرات بإنتاج 115 ألف طن زيتون و22 ألف طن زيت بإدلب