دير الزور – عبادة الشيخ
يواجه مزارعو ريف دير الزور الشرقي تحديات تعوق إنتاج محاصيلهم الزراعية المتنوعة لهذا العام، بسبب نقص المياه الذي تعاني منه المنطقة، وعدم تدخل “الإدارة الذاتية” لتزويد المزارعين بمياه الري.
وفي مدينة هجين شرقي المحافظة، لا تصل مياه الري إلى الأراضي الزراعية، في الوقت الذي تقف فيه “الإدارة” عاجزة عن تقديم الدعم للمضخات المسؤولة عن ري الأراضي الزراعية.
علي المنيف، مزارع يقيم شرقي محافظة دير الزور، قال لعنب بلدي، إن من أكبر التحديات التي يواجهها مزارعو المنطقة اليوم، سوء إدارة رؤساء الجمعيات الزراعية التابعة لهيئة الزراعة في “الإدارة الذاتية”.
وأضاف المزارع أنه كان شاهدًا على مغادرة مزارعين للمنطقة، بسبب قلة المياه فيها، وبالتالي احتمالية خسارة عالية بالنسبة للمزارع الذي يعتمد على محصوله كمصدر دخل رئيس.
ويعتبر المزارع جابر التركي أن تأخر دعم القطاع في دير الزور مرتبط بشكل كبير بتقاعس الجمعيات الزراعية، مشيرًا إلى أن معظم المزارعين يعتمدون على دعم تلك الجمعيات، ومع قلة الدعم في السنوات الماضية، بدأت مصالحهم بالتضرر.
جابر أضاف أنه ومزارعين آخرين يعانون مخاوف حقيقية بخصوص تراجع نشاط هذه الجمعيات، ناهيك بالخسائر التي يتكبدونها بمصاريف البذار والسماد.
وتعتبر الجمعيات الزراعية مسؤولة بشكل رئيس عن تأمين مياه الري بالنسبة للمزارعين بمقابل مادي رمزي، لكن هذه التكاليف قد تكون مرتفعة بالنسبة لمزارع يملك أرصًا زراعية مساحتها كبيرة.
وتسعى هذه الجمعيات أيضًا لتأمين الأسمدة والمحروقات بأسعار مقبولة ومدعومة للمزارعين، وهو النشاط الذي توقف خلال العام الحالي، بحسب مزارعين قابلتهم عنب بلدي في المنطقة.
مياه الآبار ليست حلًا
المزارع جابر التركي اعتبر أن السقاية بمياه الآبار ليست حلًا بالنسبة له، مشيرًا إلى أنها مكلفة، وزادت تكلفتها مؤخرًا مع ارتفاع سعر المحروقات المسؤولة عن تشغيل مزودات الطاقة (المولدات) لاستجرار المياه.
ووصل سعر الديزل (المازوت) إلى 3500 ليرة سورية لليتر الواحد في السوق السوداء بالمنطقة، في حين تعتبر أسعار قطع الغيار، وتكاليف صيانة المولدات المرتبطة بسعر صرف الدولار مرتفعة، كما أن انتشار تملح التربة بالمنطقة أضر بمياه الآبار.
وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية لحظة تحرير هذا التقرير إلى 13700 ليرة، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد حركة العملات.
مسؤول المجلس المدني في دير الزور التابع لـ”الإدارة الذاتية”، تحفظ على اسمه بسبب عدم حصوله على التفويض بالحديث لوسائل الإعلام، قال لعنب بلدي، إن سكان المنطقة الشرقية يواجهون مشكلات بسبب عدم توزيع المحروقات على المزارعين حتى اليوم، ما يهدد فعالية زراعة الأراضي في الموسم الحالي.
وأوضح أنه في السنوات السابقة كانت المحروقات تُوزّع في منتصف تشرين الثاني، لكن عمليات التوزيع لم تبدأ في المنطقة حتى اليوم.
وخلال الفترة الزمنية نفسها، كانت تعمل لجنة الزراعة في “الإدارة الذاتية” على توزيع الرخص الزراعية (مبلغ رمزي يقدم لدعم المزارع بناء على مساحة أرضه)، والرخص الخاصة (محروقات توزع للمزارعين بشكل فردي بناء على نقص المياه الذي تعاني منه أرضه)، ومخصصات الدعم التي توزعها الجمعيات الزراعية، لكن أيًا منها لم يقدّم خلال العام الحالي.
وأشار إلى أن توزيع محروقات التدفئة في آب الماضي كان أمرًا إيجابيًا للمزارعين، لكن في بلدة هجين على سبيل المثال، لم توزع هذه المخصصات.
وأبدى المسؤول في مجلس دير الزور المدني مخاوفه من أن عدم اعتماد “الإدارة الذاتية” على خطة لدعم المزارعين خلال الموسم الحالي، قد يحول دون زراعتهم لأراضيهم، خصوصًا التسهيلات المتعلقة بتأمين مياه الري.
نقص المحروقات أبرز المشكلات
خلال السنوات السابقة، كانت المحطات الزراعية تقدم دعمًا للمزارعين، ولكن الدعم لم يكن بالشكل المطلوب، وفقًا للمسؤول في مجلس دير الزور المدني.
وكانت الجمعيات الزراعية توفر ما بين أربع إلى خمس “ريات” بحسب الحالة وحاجة المزارع للسقاية، في حين أن بعض الأراضي تحتاج إلى ثماني “ريات”.
وأشار إلى أن المحروقات المدعومة التي تأتي من “الإدارة الذاتية” قد تكون ذات نوعية رديئة، خاصة المازوت الذي يشكل مصدرًا رئيسًا لتشغيل المعدات الزراعية.
المسؤول اعتبر من جانب آخر أن الزيت الزراعي مكلف بالنسبة للمزارعين، وغير متوفر بالقدر المطلوب، ما يرفع من سعره، ويزيد من تحمل المزارعين للتكاليف.
وأوضح أن عملية السقاية قد تكون باهظة التكلفة بالنسبة للمزارع، علمًا أن تكلفة الري لدى بعض الجمعيات الزراعية تصل إلى 40 ألف ليرة سورية للدونم الواحد، وفي بعض الحالات قد تصل إلى 70 أو 80 ألف ليرة، وهو مبلغ باهظ يتطلب إنفاقًا كبيرًا بالنسبة لمزارع يملك عشرة دونمات، وبالتالي يحتاج إلى نصف مليون ليرة سورية للريّة الواحدة.
ويعتقد المسؤول في المجلس المدني أن التحدي الرئيس الذي يواجهه أبناء دير الزور حاليًا هو مشكلة الوقود في المنطقة الشرقية بشكل عام، حيث يعاني السكان من غياب محطات الوقود التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، على عكس المناطق الأخرى مثل الرقة والحسكة التي تتوفر فيها هذه المحطات، وتبيع المحروقات بسعر معقول.
وينقل المستهلك المحروقات من “الحراقات” إلى المنازل عبر سيارات نقل صغيرة، ما تسبب بمشكلة جديدة متمثلة في مواجهة الجمارك التي تصادر المحروقات أو حتى السيارات، وتفرض مخالفات وغرامات مالية بدعوى أنها تعتبر عملية نقل غير شرعية، وتربطها بعمليات تهريب المحروقات.
وفيما يتعلق بدعم المنظمات، قال المسؤول في مجلس دير الزور المدني، إن “الإدارة الذاتية” وجهت دعم المنظمات نحو الجمعيات الزراعية التابعة لها بشكل رئيس.
ومن بين هذه الجمعيات كانت جمعية “الجعابي”، التي تدعم قطاعات زراعية واسعة في دير الزور، حيث قدمت محركات عمودية من نوع “سكانيا” لسحب المياه الجوفية، لكن هذه المحركات كانت تتعطل باستمرار نتيجة لرداءة المحروقات، ما دفع القائمين على الجمعية إلى استخدام الزيوت المحروقة المعاد تدويرها، لكنها تسببت أيضًا بتلف المحركات بشكل كامل.
ومنذ مطلع أيلول الماضي، توقفت جميع المحركات عن العمل بسبب عدم توفر المحروقات من قبل هيئات الزراعة والري والخدمات، ما انعكس على شكل أزمة بمياه الري بالنسبة للمزارعين.