تتحدى نساء في محافظة الحسكة الأعراف والعادات الاجتماعية السائدة، ويواجهن تحديات غياب المعيل بقوة وإصرار.
انتقلت مها العدنان (35 عامًا) من مدينة الرقة إلى القامشلي في نهاية عام 2017، بسبب الأوضاع الأمنية التي كانت تعاني منها المدينة، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
وبدأت رحلة البحث عن فرصة عمل لتلبية احتياجات عائلتها المؤلفة من خمسة أطفال بعد وفاة زوجها في انفجار لغم أرضي داخل منزلهم في الرقة، وقررت العمل في ورشة بناء، حيث عملت في تعبئة أكياس الرمل وصب “البلوك”.
لم تتمكن مها من الصمود لفترة طويلة في العمل بسبب الإجهاد الكبير والأجر المتدني الذي كانت تحصل عليه، حيث كانت تتقاضى حوالي 15 ألف ليرة سورية يوميًا.
وفي محاولة لتحسين وضعها، انتقلت لاحقًا للعمل في مجال تصنيع الأجبان كونه يحتاج إلى مجهود بدني أقل، بالرغم من تدني المردود.
تأقلم مع الظروف الصعبة
بجهد وإصرار كبير، تعمل غادة حمدان (22 عامًا) في مجال تحميل ونقل المواد الغذائية في شارع الكورنيش بمدينة القامشلي.
تسعى غادة، بحسب ما قالته لعنب بلدي، جاهدة لتوفير مصاريف إيجار منزلها الذي تعيش فيه مع والدتها وأخواتها الصغار.
وأجبرت على العمل بعد أن باع والدها منزل العائلة الذي كان ملكًا لهم، بغية السفر إلى أوروبا وإرسال الدعم المالي لعائلته، لكنه اختفى منذ ذلك الوقت.
حاولت العائلة أن تصل إلى أي معلومات حول مصير الأب لكنها لم تستطع، ورجحت غرقه في البحر أو وفاته في طرق التهريب.
هذا الانقطاع الغامض للمعيل أجبر غادة على العمل في مجال تحميل ونقل البضائع رغم صغر سنها، في محاولة جاهدة منها لإعالة عائلتها.
لم يتوقف الأمر على العمل الشاق ونقل حمولات ثقيلة، إذ تشتكي غادة من الأجور المتدنية التي لا تتناسب مع طبيعة وظروف العمل، فهي تتقاضى 20 ألف ليرة سورية يوميًا فقط.
وتظهر الصعوبات التي تواجهها النساء في مجال العمل، إذ يتعين عليهن التأقلم مع الظروف المناخية الصعبة، سواء كان ذلك في الشتاء مع الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، أو في الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة إلى حوالي 50 درجة.
حاولت غادة أن تتلقى تدريبًا من المنظمات بهدف تعلم مهنة تساعدها في إيجاد فرصة عمل دون جدوى، “لأن المنظمات تقوم على المحسوبيات والواسطات”، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
بدورها، قالت رئيسة هيئة المرأة في القامشلي، لعنب بلدي، إن الهيئة كجهة معنية بالمرأة افتتحت عدة مشاريع لتأمين فرص عمل للنساء.
وأضافت أن الأمر ليس سهلًا ويحتاج إلى جهود من جميع الجهات، “ولا يمكن توظيف كل النساء المحتاجات للعمل خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الحالية للبلاد”.
%90 يواجهون الفقر
قدّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تقرير أصدرته في 14 من حزيران الماضي، أن ما يقارب 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من 15 مليون سوري للمساعدات الإنسانية.
وفي بحث أجراه مركز المجتمع المدني والديمقراطية حول واقع المرأة في منظمات غير حكومية بالحسكة، تبين أن المرأة تواجه تحيزات في عمليات التوظيف، ويتجه الاختيار غالبًا نحو الرجال، ما يُسهم في استبعاد النساء من الفرص التنافسية بشكل متكرر.
هذا الإهمال يتسبب في نقص في كفاءة المرأة وفُرصها، ويمكن أن يكون ناتجًا عن عدم توفير الفرص للشباب لدخول سوق العمل واكتساب المهارات، وهو أمر لا يحدث بشكل كافٍ، بحسب البحث.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن المنظمات المدنية في محافظة الحسكة لا تبادر بمشاريع جديدة لتمكين وتأهيل المرأة في مجالات العمل، ما يعوق تطوير مهاراتها ومشاركتها الفعالة في مختلف المجالات.
ويشدد البحث على أهمية تعزيز المساواة في فرص العمل وتوفير الدعم اللازم لتمكين المرأة، خاصة في مجالات التأهيل المهني وتطوير المهارات.
ويُؤثر إهمال المرأة سلبًا على كفاءتها وفُرصها، وقد يكون هذا الواقع نتيجة لعدم منح الفرص للفئة الشابة من النساء للاندماج في سوق العمل واكتساب المهارات، وهو أمر يحدث بشكل محدود، بحسب البحث.
–