بالقرب من “كراج الفاروس” في اللاذقية تصطف عربات بيع الخضار، ويبلغ سعر كيلو البندورة في العربة الأولى 4300 ليرة سورية، أما في العربة التي تليها بفارق أمتار لا تتجاوز 20 مترًا، فلم يتجاوز سعر الكيلو ذاته 3900 ليرة، أي بفارق 400 ليرة بكل كيلو.
مشكلة تفاوت الأسعار في محافظة اللاذقية ليست جديدة، لكنها تتفاقم وتزداد بحسب السلعة دون التزام بأسعار التجارة الداخلية، وسط غياب لآلية التسعير، ما يعكس غياب الرقابة التموينية عن السوق بالكامل.
في شارع “الأكل” بحي الأوقاف، والذي سُمي بذلك لوجود مطاعم الوجبات السريعة على امتداده، قررت مايا (22 عامًا) طالبة جامعية، تغيير المطعم الذي اعتادت أن تشتري منه سندويشة البطاطا، لتتفاجأ بأن سعرها 7000 ليرة، وهي التي اعتادت أن تشتريها بـ9500 ليرة.
أخذت مايا طعامها، ومشت أقل من 30 مترًا باتجاه المطعم الذي اعتادت الشراء منه، وسألت إن كان هناك تغيير بأسعار السندويش، وكانت الإجابة لا.
وأشارت إلى أن المطعمين متشابهان من حيث نوعية الطعام، ومن ناحية الديكورات والدعاية، والمكونات، متسائلة لم الفارق؟
القاسم المشترك بين كلا المطعمين أن كلاهما طلبا منها الفاتورة، ولم يدعاها تحصل عليها، بحجة الجرد آخر النهار.
المحال التجارية أيضًا
في “بقالية” على زاوية دوار الزراعة باتجاه الحي الشهير في مدخل اللاذقية، سأل علي (45 عامًا) يعمل في القطاع الخاص، عن ثمن كيلو “المانجا” المصرية التي اعتاد شرائها بالحبة لوالدته المسنّة التي تحبها، فأخبره البائع أن ثمن الكيلو منها 65 ألف ليرة.
لم يشتر، وقرر السؤال عن ثمنها لدى صاحب “بسطة” يبعد أقل من 15 مترًا عن “البقالية”، وكان ثمن الكيلو 80 ألفًا، أي بفارق 15 ألف ليرة.
وذكر أنه استغرب من الفارق في السعر، فالعادة أن تكون أسعار المواد على “البسطة” أرخص من الأسعار في المحال.
ولفت علي إلى أن تفاوت الأسعار أمر يلاحظه باستمرار، خصوصًا حين يشتري سجائره، فسعر العلبة الواحدة نحو سبعة آلاف ليرة، لكنه يتفاجأ أحيانًا بأن البائع يطلب ثمانية أو تسعة آلاف ليرة.
وقال إنه خلال الأسبوع الأول من تشرين الثاني الحالي، سأل في ثلاث “بسطات” على خط واحد بفارق أقل من عشرة أمتار بينها، عن دخانه وكل بائع أعطاه سعرًا مختلفًا.
وأضاف أنه لم يتفاجأ فالدخان الذي يستخدمه “مُهرب”، وغير مسموح بتداوله، وبالتالي كما تم التغاضي عن وجوده علانية، يتم التغاضي عن تفاوت سعره.
1500 ليرة بكيلو السكر
أرادت لبابة (36 عامًا) بائعة في متجر ألبسة باللاذقية، أن تشتري كيلو سكر في طريق عودتها من عملها إلى منزلها، وأخبرها صاحب المحل الأول الذي زارته بالقرب من مكان عملها في الشيخ ضاهر أن ثمنه 15000 ليرة، لتعترض على السعر وتمشي باتجاه محل آخر طلب سعره 14500 ليرة، وفي النهاية حصلت عليه من المحل المعتاد الذي تشتريه منه بسعر 13500 ليرة.
وقالت الشابة إن تفاوت الأسعار لم يعد يزعجها، فهي ببساطة تسأل عن السعر أولًا ثم تقرر إن كانت تريد الشراء أو لا، مضيفة “الحال نفسه ينطبق على الأرز، فمحل يبيعه بـ14500 وآخر بـ16 ألفًا وثالث بـ13600، علمًا أنه النوع ذاته وحتى الماركة نفسها”.
الملابس ليست بمنأى
اشترت منى (47 عامًا) بيجامة شتوية لابنتها اليافعة من محل ألبسة شعبي في ضاحية بسنادا، ودفعت ثمنها 110 آلاف ليرة، ما يعادل أكثر من نصف راتبها الحكومي البالغ 215 ألف ليرة.
في اليوم التالي اضطرت للذهاب إلى السوق وسط المدينة لإتمام ورقة تحتاجها لمعاملة حصر الإرث في أحد الدوائر الرسمية، لتجد البيجامة ذاتها مُعلقة أمامها، بأحد المحال التجارية، بدافع الفضول اقتربت لتسأل عن السعر وتفاجأت أنه 90 ألف ليرة، مع وعد البائع بأنه لن يُخرجها “زعلانة”، بمعنى أنه سيخفض من السعر قليلًا بعد.
لم تتجرأ السيدة على مفاصلته، كما قالت ولم تكن تريد أن تعرف كم خسرت من مال ويكفي الفارق 20 ألف ليرة بالنسبة لها، وهو مبلغ على قلّته يكفي احتياجات العائلة من الخبز غير المدعوم لأكثر من أسبوع تقريبًا.
ولا يخشى أصحاب المحال في أسواق اللاذقية من الرقابة التموينية وغالبًا ما يكتفي مراقب التموين “بقبض إكرامية” (رشوة)، وترك الباعة يحددون أسعارهم كيفما يريدون.
وخلال عام 2020، أصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الأسبق، طلال البرازي، قرارًا يقضي بنقل ثمانية مراقبي تموين في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك باللاذقية، لمؤسسات أخرى تابعة للوزارة، بسبب ارتكابهم مخالفات خلال تأدية عملهم وضعف أدائهم.
ويعيش الأهالي في مناطق سيطرة النظام السوري واقعًا اقتصاديًا ومعيشيًا مترديًا، ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة (الدولار الواحد 13950 ليرة).
اقرأ أيضًا: غلاء الأسعار يخرج الخضار والبقوليات من حسابات أهالي اللاذقية