في خطوة مفاجئة وبعد وعود قدمتها حكومة “الإنقاذ” بتحسين الواقع الخدمي في مدينة الأتارب غربي حلب، أصدرت وزارة التربية قرارًا (شفهيًا) يقضي بنقل شُعب السنة الأولى من معهد “إعداد المدرسين” من الأتارب إلى مدينة إدلب.
أعقب القرار حالة من الغضب الشعبي وتذمرًا من قبل فعاليات مدنية وناشطين في قطاع التعليم، ووصفوه بـ”الجائر”، مؤكدين استمرار حملتهم التي تهدف لإعادة الثقل الإداري والاقتصادي والاجتماعي للأتارب.
قرار “غير صائب”
مدرس في المدينة، تحفظ على ذكر اسمه خشية الفصل بعدما فصل مدرس ثانٍ اعترض على القرار، فسّر موقفه الرافض لقرار نقل المعهد، لأنه جرى نقل السنة الأولى فقط، والشُعب كلها إناث، ويبلغ عددهن نحو 70 طالبة، 60 منهن أبدين رغبتهن بترك المعهد وعدم المتابعة.
وأضاف المدرس أن ما شجع الطالبات على التسجيل في الأتارب هو قرب المعهد من المنطقة، كما أن المدينة قريبة على أغلب مناطق ريف حلب الغربي، وما شجعهن أيضًا الوعود من وزارة التربية بافتتاح شعب ثانية وعدم نقل المعهد إلى أي مكان.
وأوضح أن مفاضلة المعهد لهذا العام كانت في مدينة إدلب لأول مرة منذ تأسيس المعهد في 2014، حيث سجلت 11 طالبة في المعهد من أبناء منطقة الأتارب في مدينة إدلب.
وذكر أنه بعد جهود محلية تم فتح باب التسجيل المباشر في المعهد، وأخذ وعود بأن تكون الدراسة بالأتارب، لكن الأمر كان عكسيًا، فبعد أن سجلت 70 طالبة وداومن لمدة شهر و20 يومًا، صدر قرار بنقل المعهد.
المبرر كثرة القصف
أشار المدرس إلى أن القرار غير مفهوم من وزارة التربية، فمبررها القصف الذي تتعرض له المدينة، رغم أن مدينة إدلب وأريحا وسرمين تعرضت لقصف أكثر منها ولم تتوقف العملية التعليمية.
وبحسب طالبات في المعهد، فإن السنة الأولى في المعهد تحوي شعبتي إناث لقسم اللغة الإنجليزية وقسم معلم صف، وأغلب الطالبات سيتركن الدراسة بسبب هذا القرار، بسبب بعد المسافة ما يزيد من مصاريف الدراسة وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة.
وفي وقفة احتجاجية نفذتها طالبات المعهد، في 13 من تشرين الثاني، رفضن قرار نقل المعهد، وذكّرن بوعود رئيس “الإنقاذ”، منها عدم نقل المعهد إذا اكتمل العدد المطلوب.
ورفعت الطالبات المحتجات شعارات منها، “أين وعد الحكومة لنا؟، لا لقرار الفصل، نحتج جميعًا على نقل المعهد لإدلب، إلى إدلب ينتهي المستقبل، معًا ضد النقل، إلى هذه الدرجة مستقبلنا رخيص”.
مدير المعاهد في حكومة “الإنقاذ”، عبد الحفيظ جواد، قال لعنب بلدي إنه جرى نقل جميع معاهد السنة الأولى إلى إدلب، بغية مركزية المعاهد، وليس هنالك فكرة لفتح شعب للسنة الأولى في بقية المعاهد، دون أي توضيحات أخرى.
“حكومة الإنقاذ ضدنا”
أطلق ناشطون في 10 من آب الماضي، حملة مجتمعية تحت عنوان “لا لتهميش الأتارب” طالبوا فيها حكومة “الإنقاذ”، بإعادة المؤسسات الخدمية والثقل الاقتصادي والاجتماعي والإداري لمدينة الأتارب.
وجاءت الحملة بعد قيام حكومة “الإنقاذ” بنقل عدد من المؤسسات الخدمية من المدينة، وتردي الأوضاع الخدمية والحالة الاقتصادية والاجتماعية فيها.
وبعد الحملة عقد أهالي المدينة اجتماعًا مع رئيس حكومة “الإنقاذ” ومجلس “الشورى العام” وتضمن مجموعة قرارات ووعود.
وتمثلت المطالب بـ”إعادة السجل العقاري إلى مدينة الأتارب، إنشاء فرع لمعهد (إعداد المدرسين) في المدينة، تفعيل مكتب لإدارة المنطقة لمتابعة أمور المدينة والشكاوي، تفعيل مديرية الزراعة في المدينة وتقديم خدماتها للمزارعين، دعم أي عمل اجتماعي يخدم المدينة”.
وناقش الاجتماع إمكانية “فتح مركز لتجديد رخص السيارات، وصيانة المنصف والأرصفة والتشجير، وإعداد دراسة وضع نظام داخلي للمجالس المحلية، تتضمن مهام ووظائف وصلاحيات هذه المجالس وطرق تشكيلها”.
وفي حديثه مع عنب بلدي، أكد الناشط أحمد كنور وهو أحد منظمي الحملة، أن الحملة مستمرة بسبب عدم وفاء حكومة “الإنقاذ” بالتزاماتها، والأنشطة والفعاليات مستمرة حتى تحقيق جميع المطالب التي تقررت بالاجتماع مع الوفد الحكومي.
وقال إن القائمين على الحملة الأولى لجأوا إلى النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن حملة تحت عنوان حكومة “الإنقاذ ضدنا ولا تلبي احتياج المجتمع”، بهدف إيصال صوت الأتارب إلى دوائر صنع القرار.
“سلب مكتسبات”
وعن قرار نقل معهد “إعداد المدرسين” إلى إدلب، قال أحمد كنور إنه يأتي ضمن سياق “سلب المكتسبات” في الأتارب، منها عدم إعادة السجل العقاري، وإصدار قرارات تزيد من متاعب الحياة على المواطن، وسط تهرب من الأعباء العامة.
وأشار إلى أن المدينة شهدت في الفترة الماضية إقامة عدة مشاريع “تعافي مبكر” عقب الزلزال، من قبل منظمات دولية، دون تقدم على مستوى الخدمات من قبل حكومة “الإنقاذ”، سواء في موضوع الشكاوى ومتابعتها، أو السجل العقاري، أو حل كامل لموضوع معهد “إعداد المدرسين”، كما لم تصدر أي قرارات بما يخص المواصلات والسجل المدني وإصدار الهويات الشخصية بالمنطقة.
وختم أحمد كنور بأن أهالي الأتارب مصرون على إعادة الثقل الإداري والاقتصادي والاجتماعي للمدينة، ومؤكدين تحقيق مطالبهم بجميع الطرق السلمية والشرعية، والضغط على الحكومة من خلال عدة أنشطة ومبادرات مدنية لتحقيق هذه المطالب.
“إبر مخدر”
بحسب الناشط المدني وليد بكور، فإنه يوجد في مدينة الأتارب ما يقارب 70 ألف نسمة، بينما توجد نواحٍ وقرى تابعة لها تم تفعيل دورها وتهميش منطقة الأتارب، معتبرًا أن الوعود التي تلقاها الأهالي “إبر مخدر”، وليس هدفها الدعم الحقيقي للمدينة.
وفي حديث سابق قال محمد الشافعي، وهو ناشط مدني وأحد منسقي حملة “لا لتهميش الأتارب”، إن الحملة انطلقت وفق أنشطة أساسية، وهي الحشد والمناصرة محليًا ووطنيًا، لتحقيق المطالب، وتنظيم الوقفات الاحتجاجية، إضافة لإيصال الرأي العام بقضايا الأتارب إلى وسائل الإعلام، وتشكيل لجنة تمثيلية عن الحملة.
ونوَه الشافعي إلى أن هذه الحملة خدمية بحتة، لتحسين الخدمات في مدينة الأتارب، التي كانت قبل 2011 منطقة تتبع لها 25 بلدة وقرية، وحاليًا لا يتبع لها سوى 14 قرية ومجمع سكاني، فمن الضروري أن يكون فيها أفرع للمؤسسات الخدمية للسلطة الموجودة في الوقت الحالي.
وتعرضت مدينة الأتارب لدمار في بنيتها التحتية، نتيجة الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، وبحسب “الدفاع المدني السوري“، فإن مدينة الأتارب خسرت 155 شخصًا فضلًا عن إصابة 255 آخرين، وهي ذات بنية تحتية هشة، بفعل عمليات القصف والتدمير في السنوات السابقة.