يزور يحيى محل الخضراوات، ويشتري مثلًا ثلاث حبات بندورة، مع أربع حبات بطاطا بحجم متوسط، كذلك خيارتَين اثنتين وربطة بقدونس أو خسة، وفي حال توافر له المال الكافي، ربما قد يشتري ثمرتي فواكه أو أربعة لطفليه، وغالبًا ما يختار التفاح كونه الأرخص ثمنًا.
ويشتري يحيى (38 عامًا) طعام كل يوم بيومه، وهو موظف حكومي يعمل عملًا جزئيًا بعد الظهر، ليؤمن احتياجات عائلته المؤلفة من طفلين وزوجة موظفة.
كان يحيى يشعر بالحرج من أسلوبه الشرائي هذا، لدرجة أنه كان يختار المحال التجارية البعيدة عن مكان سكنه في شارع الفروة بمدينة جبلة في اللاذقية، لكنّه ومنذ شتاء العام الماضي، بات يتذرع بعدم وجود الكهرباء لحفظ الخضروات في الثلاجة، لذا يقوم بشرائها بتلك الطريقة.
أدت الظروف الاقتصادية السيئة والمتردية لعموم السوريين، إلى تغيّر كبير في أساليبهم الشرائية المعتادة، وصار كثير منهم يشترون البقوليات والخضار بالأوقية (200 غرامًا) أو بالحبة.
“طحين بـ3000”
كانت هدى (43 عامًا) صاحبة “بقالية” في قرية البهلولية، متفاجئة جدًا حين حضرت إليها جارتها لتشتري طحينًا بثلاثة آلاف ليرة سورية فقط، وتجادلت السيدتان قليلًا، قبل أن توافق هدى على مضض فتح كيس الطحين بوزن كيلوغرام لمنح جارتها الكمية التي تريدها لصنع أقراص العجة لعائلتها على الغداء.
وقالت هدى إنها ومنذ نحو عام ونصف بدأت بفتح أكياس البقوليات بوزن الكيلو، مثل العدس وعدس الشوربا والبرغل والأرز وغيرها، فكثير من زبائنها يشترون ليس بالوزن إنما بكمية النقود لديهم، مضيفة “مثلًا يقولون لي أعطينا بـ2000 أرز، أو بـ2000 برغل، وهكذا”.
وأوضحت أنها استغربت فقط من بيع الطحين بتلك الطريقة، لكونها أول مرة يطلب إليها شراء الطحين بتلك الكمية، وخشيت ألا تجد زبونًا آخر يشتري وتخسر الطحين بعد فتح الكيس.
وأجرت عنب بلدي جولة على خمس “بقاليّات” في مدينتي اللاذقية وجبلة، وقرية حميميم، وأكد أصحابها أنهم يتبعون الطريقة ذاتها، وغالبية الزبائن تشتري وفقًا لكمية المال التي يمتلكونها.
وقال بائع في حميميم، فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه يبيع الزيت النباتي بنفس الطريقة، حيث تحضر السيدة ومعها كأس متوسط وتطلب إليه أن يعبئه لها ومن ثم وزنه وتقدير ثمنه.
واستذكر البائع عادات السوريين بالشراء وزبائنه خاصة، وذكر أنهم كانوا يشترون منه الأرز بالشوال ومثله البرغل والسكر وسائر البقوليات لتكون متوفرة كمؤونة، قبل أن يقرروا الشراء بالكيلو، ليتحول الشراء مؤخرًا إلى الأوقية ونصف الأوقية.
ويدرك البائع أن السيدة التي تحضر لشراء أرز بقيمة ثلاثة آلاف ليرة، لن تكفي الكمية عائلتها أبدًا، فسعر الكيلو 14500 ليرة، ومبلغ ثلاثة آلاف لا يساوي حتى ربع كيلو، وبالكاد يكفي وجبة لشخص واحد، مرجعًا السبب لفقر الحال الذي اضطر معظم الناس للتقنين في طعامهم.
واختلفت عادات غالبية السوريين بشكل كبير، إذ لم يعودوا قادرين على شراء أو التمون بكميات كبيرة من الطعام كما في السابق، نتيجة الأحوال الاقتصادية السيئة.
ولم يستطع كثير من أهالي اللاذقية إعداد مؤونة لفصل الشتاء هذا العام، بسبب ارتفاع الأسعار، بينما لا يزال الدخل الشهري ضعيفًا لا يكاد يكفي طعام ثلاثة أيام بالحد الأعلى، ويبلغ الحد الأدنى لرواتب العاملين في القطاع العام حوالي 186 ألف ليرة سورية (نحو 13.2 دولار أمريكي).
وقال برنامج الأغذية العالمي، في آذار الماضي، إن نحو 12.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلها من بين الستة بلدان التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
اقرأ أيضًا: بعد الاستغناء عن اللحم والفروج.. اللاذقية تواجه الشتاء دون مؤونة