لاحظ عبد الله ضعفًا في السمع وتأخرًا في النطق لدى ابنه (عمره عامان ونصف)، وعرضه على أخصائي ليتبين أن الطفل يعاني من نقص السمع الحسي العصبي العميق، ولا حل له إلا بإجراء عمل جراحي.
وقال عبد الله السلوم (31 عامًا) المقيم في إدلب، إن العادة جرت لدى الأطفال بأن يتعلموا بعض الكلمات مثل بابا وماما بعد عام ونصف من ولادتهم، لكن بعد مضي عامين لم يتعلم طفله أي كلمة وكانت تصرفاته شبيهة بالصم والبكم.
الطبيب أخبر عبد الله بأن ابنه بحاجة لإجراء جراحة من أجل زراعة الحلزون في الأذن، ويجب أن يتم العمل الجراحي قبل أن يبلغ الطفل الخامسة من عمره وإلا سيصبح أصمًا وأبكمًا.
حالة الطفل واحدة من مئات الحالات التي تحتاج إلى عمليات زراعة الحلزون في الشمال السوري، وسط صعوبات في إجرائها منها التكلفة المرتفعة، وقلة الخبرات والتقنيات الطبية اللازمة.
حالات تستدعي إجراء الجراحة
تعد عمليات زراعة الحزون في الأذن من الجراحات الدقيقة جدًا، وتحتاج إلى خبرات طبية عالية وأجهزة دقيقة ومتطورة، وتجري عادة لمن يعانون من نقص السمع الحسي الشديد أو العميق غير المستجيب للمعينات السمعية.
الطبيب الأخصائي بأمراض الأذن وجراحتها مصطفى الفرج، قال لعنب بلدي إن أكثر من 1000 طفل في الشمال السوري بحاجة إلى إجراء عملية زراعة حلزون السمع، مرجعًا بالدرجة الأولى أسباب هذه الحالات إلى زواج الأقارب والعوامل الوراثية بالإضافة للحوادث والأمراض.
وشدد الطبيب على ضرورة إجراء العملية خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة الأولى من عمر طفل كحد أقصى، وإلا لن يكون للتدخل الجراحي أي فوائد، بسبب تليّف العصب وضعف الجهة المخية المسؤولة عن النطق، ما يعني أن الطفل سيصبح أصمًا وأبكمًا لبقية عمره.
وذكر الطبيب أن هذه العمليات دقيقة جدًا وتحتاج لتقنيات طبية متطورة كمجهر حديث، وحفارة دقيقة، وهي تقنيات لا تتوفر في الشمال السوري، لذلك كانت تجري هذه الجراحات في مناطق سيطرة النظام وتركيا.
وتوقفت تركيا عن استقبال حالات زراعة الحلزون وإجرائها بشكل مجاني منذ عام 2019، وصارت هذه الجراحة تجري على حساب أهل المريض، وما يترتب عليها من مشكلات كبقاء الأسرة في تركيا مدة طويلة من الزمن، لإجراء الجراحة والمتابعة الطبية ومشكلات اللغة والتكاليف الباهظة، وفق الفرج.
ولفت الطبيب إلى أن ثمن الزراعة فقط دون تكاليف إجراء العمل الجراحي وتكاليف المتابعة الطبية يتراوح بين 15 إلى 20 ألف دولار أمريكي، وهذا مبلغ كبير جدًا لا يتحمله أهالي المرضى في الشمال السوري.
ويعاني عدد كبير من سكان شمال غربي سوريا الفقر المدقع وتراجعًا وعجزًا في القدرة الشرائية لديهم وقلة فرص العمل، وتضم المنطقة 4.5 مليون إنسان، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، ولا تتجاوز أجرة العامل في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات).
زراعة الحلزون شمالي سوريا
تجري كوادر طبية ومنظمات في الشمال السوري عمليات زرع حلزون سمعي في الأذن، منها “الجمعية الطبية السورية الأمريكية” (سامز)، وأجرت خلال عام 2022، خمس علميات لأطفال فاقدي سمع، بمستشفى “باب الهوى” شمالي إدلب.
وأوضح الطبيب مصطفى الفرج أن مستشفى “باب الهوى” شهد إجراء عمليات زراعة الحلزون لـ28 طفلًا، كما بدأ تسجيل المرضى لإجراء جراحات لهم في مستشفى “إدلب الجامعي”.
وفي 9 من أيلول الماضي، أعلن مستشفى “إدلب الجامعي” إطلاق مشروع لإجراء عمليات زراعة الحلزون للأشخاص الذين يعانون من نقص السمع العميق بالتعاون مع “الهيئة العامة للزكاة” في إدلب.
رئيس شعبة جراحة الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى “إدلب الجامعي”، الطبيب إبراهيم غنام، قال لعنب بلدي إن العمل جارٍ على تجهيز المعدات، واقترب البدء بالعمليات الجراحية، ومن المتوقع أن ينفذ المستشفى خمس عمليات زراعة حلزون شهريًا.
وبحسب الطبيب، لا توجد إحصائية لأعداد المرضى، لكن الأعداد زادت خلال السنوات السابقة، مرجعًا أسباب الزيادة إلى زواج الأقارب، وعدم توفر رعاية صحية مناسبة.
ويعاني سكان الشمال السوري من صعوبات في إجراء هذه الجراحة أهمها التكلفة العالية للزرعة الواحدة.
ويحتاج القطاع الصحي إلى دورات لرفع السوية العلمية، وإلى الكشف المبكر ما أمكن عن حالات نقص السمع وتأمين أجهزة مسح للسمع عند حديثي الولادة.
ونصح الأطباء ممن قابلتهم عنب بلدي الأهالي بالاهتمام بصحة أطفالهم وعدم إهمالهم في حال الشعور بوجود مشكلة سمعية أو نطقية، والاستشارة الطبية الدورية للأطفال لدى الأطباء المختصين.
اقرأ أيضًا: جهاز “طبقي محوري” يدخل الخدمة في حارم شمالي إدلب