بدأ أواخر عام 2019، بالتعاون بين وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والنفط والثروة المعدنية في حكومة النظام السوري، العمل على تجهيز البنية التحتية لمشروع “البطاقة الذكية” والتي تهدف إلى تأمين السلع والمواد الأساسية بالسعر الذي تحدده الوزارة في صالات المؤسسة السورية للتجارة.
واعتبرت وزارة التجارة الداخلية أن العمل وفق منظومة “البطاقة الذكية” سيحد من التلاعب بالأسعار والاحتكار، ويخلق “سعرًا توازنيًا” في السوق.
وترعى شركة “تكامل” مشروع “البطاقة الذكية”، وتعود ملكية الشركة لمهند الدباغ، ابن خالة أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بحصة 30%، بينما يملك الحصة الكبرى فيها شقيق أسماء، فراس الأخرس.
مجتمع منقسم إلى “مدعوم” و”مستبعد”
أطلقت الحكومة نوعين من البطاقات، إحداها “بطاقة آلية” لبيع مادة البنزين لأصحاب السيارات الذين تنطبق عليهن الشروط المطلوبة، و”بطاقة عائلة” تتضمن بعض المواد الغذائية كالأرز والسكر والزيت وغيرها، بكميات محددة ومحدودة وبأسعار أقل من سعر السوق.
ورفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدعم عن مادة البنزين لعدد من مستخدمي “البطاقات الذكية” مطلع عام 2022، تلاه رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات ضمن “البطاقة”، مما يعني خروج فئة من المجتمع من قائمة الأسعار المخفضة، باعتبارهم قادرين على تأمين احتياجاتهم بالأسعار المرتفعة، بحسب رؤية الوزارة.
وخرج من “الدعم” كل من الشركاء في المشافي الخاصة وأصحاب المدارس الخاصة، والمصارف وشركات الصرافة، والمصانع، وبعض أصحاب المهن الحرة كالصاغة، والمساهمون في سوق الأوراق المالية، وكذلك المسافرون الذين لم يدخلوا البلد منذ نحو عام.
الأمر الذي خلق فئتين من المجتمع، الفئة “المدعومة”، و”المستبعدة من الدعم”، وانقسمت أسعار المواد ضمن “البطاقة” للسعر “المدعوم” أي المخفض، والسعر “غير المدعوم”.
وتتراوح كمية المخصصات للمواد الغذائية ضمن “البطاقة الذكية” بين كيلوجرام وكيلوجرامين بحسب كل مادة.
وتحصل العائلة على مواد غذائية مجموع أسعارها 43 ألف ليرة سورية، بفترات تتفاوت بين شهرين إلى ستة أشهر، وبالمقابل تبلغ تكلفة السلة الغذائية المرجعية في سوريا 938 ألف ليرة، مايعادل 64 دولارًا أمريكيًا، بحسب موقع “الليرة اليوم”.
“البطاقة الذكية” فتحت الباب أمام السوق السوداء
أدى التعامل مع “البطاقة الذكية” إلى خلق ثلاثة أسعار مختلفة في السوق السوري، سعر المواد للفئة “المدعومة” ضمن “البطاقة” وسعر المواد للفئة “غير مدعومة” ضمن “البطاقة” أيضًا، والسعر “الحر” أو ما يقال عنه “السوق السوداء” أو الاقتصاد التحتي.
وهذه ليست أسواقًا ممنوعة أو متهربة من الضرائب، إنما هي الأسواق التي تنشأ في حالة عدم قدرة الإنتاج الوطني والاستيراد على تغطية الطلب الداخلي، وبالتالي زيادة نسبة الطلب عن العرض.
وفي هذه الحالة تُباع البضائع والسلع بأسعار أعلى من أسعارها الحقيقية لمن هم على استعداد لدفع السعر المرتفع نظرًا لشح توفر المادة، وتُخرق بذلك القوانين الاقتصادية والمالية السائدة.
وللمقاربة فإن سعر أسطوانة الغاز ضمن “البطاقة الذكية” للفئة “المدعومة” 18 ألف ليرة سورية، وسعرها للفئة المستبعدة من الدعم 80 ألف، أما السعر الحر 150 ألف (10.75 دولار أمريكي).
ويقدِم الناس على الشراء بالسعر الحر بسبب انخفاض كمية المخصصات ضمن “البطاقة”، وتفاوت الفترات الزمنية التي تتوفر فيها ضمن المؤسسة.
يقول جهاد، صاحب محل بيع وصيانة هواتف في منطقة “الميدان” في دمشق، أن “البطاقة الذكية” ذكية بالنسبة للحكومة، أما بالنسبة لنا كمواطنين فتحت أمامنا أسعارًا مختلفة في السوق، أسعار “البطاقة”، وسعر السوق (السعر الحر).
وذكر أن كبار السن الذين لا يملكون هواتف ذكية يلجؤون إليه في محله لتسجيل طلبهم عن طريق تطبيق “وين”، المرتبط بالبطاقة، بعد أن تصلهم رسالة بأن دورهم حان للتسجيل على المادة.
آلية التسجيل وعمل البطاقة
تستطيع كل عائلة التسجيل على “البطاقة الذكية” بعد تسليم الأوراق الثبوتية المطلوبة لأحد مكاتب شركة “تكامل”، ومن ثم تسجيل المعلومات الشخصية في تطبيق “وين” المرتبط بالبطاقة.
وبإمكان المطلق/ة أو الأرمل/ة التقديم على البطاقة عند توفر الإثباتات الرسمية اللازمة.
وتعتمد “تكامل” على إرسال رسائل نصية على رقم رقم هاتف المشترك في حال توفر مادة ما في المؤسسة، ويجري طلب المادة من قبل المشترك عن طريق التطبيق.
وبحسب مراسلة عنب بلدي في درعا، ألغت الشركة خدمة الرسائل النصية، الأمر الذي سيتطلب من السكان التأكد بشكل شخصي من المؤسسة ما إن كانت المواد “المدعومة” أو “غير المدعومة” تتوفر في الوقت الحالي.
الأمر الذي سيوفر على الشركة مصاريف باقات الرسائل، بحس خبير تقني، فضّل عدم ذكر اسمه.
ويعطي التطبيق لصاحب البطاقة بعد التسجيل على المادة المتوفرة، معلومات عن عدد الأشخاص الذين سيجري تسليمهم قبله.
وبعد أن أضافت وزارة التموين مادة الخبز إلى “البطاقة”، ورغم تأكيد الحكومة أن الخبز “خط أحمر” لا يمكن المساس به ولن يطرأ عليه إلغاء من الدعم أو زيادة بالسعر، أقرت الحكومة قرار إخراج مادة الخبز من الدعم.
وحددت الحكومة سعر ربطة الخبز ضمن ‘الدعم” 200 ليرة، إلا أن سعرها يختلف باختلاف المؤسسات والمحافظات ليصل إلى 800 ليرة في بعضها، أما الخبز “المستبعد من الدعم” يباع بسعر 3000، ويصل السعر “الحر” إلى 8 آلاف.
وتُباع ربطة الخبز اليوم بسعر 700 ليرة لمن هم ضمن “الدعم”، وبسعر 3000 للفئة “المستبعدة من الدعم”، ويصل سعرها بـ “الحر” إلى 8 آلاف.
ويستلم “معتمد توزيع الخبز” بشكل يومي كميات الخبز عن جميع البطاقات المسجلة لديه، وفي حال عدم شراء أحد المسجلين لمخصصاته يقوم ببيع المتبقي منها إلى أفراد أو مطاعم.
وذكرت وزارة التموين في أواخر عام 2022، خطتها لإضافة مادة المتة ضمن “البطاقة الذكية”، لينتهي عام 2023 دون إضافة تُذكر.
وتعتبر “البطاقة الذكية” الصورة الحديثة من “دفتر البونات”، الذي يتبع ذات الآلية دون العنصر الرقمي، حيث كان التوزيع يتم ضمن ما يسمى “المؤسسات الاستهلاكية”، دون رسائل تخبر الناس بوصول المواد الغذائية، وجرت العادة في بعض المناطق والقرى أن يذيع أحد الجوامع عن بدء المؤسسة ببيع المواد.