“نعيش هنا منذ أكثر من 10 سنوات، وما نقلته السلطات اللبنانية مغاير للحقيقة”، هذا ما ذكرته عائدة محمد (24 عامًا)، وهي شابة سورية، كانت تقيم في مخيم البرج الشمالي قبل توجه السلطات اللبنانية لإخلاء المخيم من العائلات السورية.
في 16 من تشرين الثاني، اتهمت المديرية العامة لأمن الدولة اللبنانية لاجئين سوريين ببناء مخيم من الإسمنت والحديد على “أملاك الدولة” في محافظة صور جنوبي لبنان، وفقًا للمديرية.
واعتبرت المديرية في تغريدة مصورة، أن اللاجئين استغلوا الوضع الأمني في الجنوب وترك المواطنين لمنازلهم بسبب القصف الذي تتعرض له المنطقة.
وذكرت المديرية أن أكثر من إنذار جرى توجيهه للسوريين من أجل ترك المخيم الذي شيدوه، إلا أنهم رفضوا الاستجابة للإنذار.
وأوضحت عائدة، الشابة السورية، أن السلطات اللبنانية لم توجه لهم أي إنذار سابق بهذا الخصوص.
وقالت، “فوجئنا في 1 من تشرين الثاني، بموظفين من البلدية يوجهون إنذار لنا مع نحو 13 عائلة تسكن في المخيم، للخروج خلال يومين فقط”.
أضافت الشابة، أن دورية أمنية وصلت في اليوم التالي وأخذت من كل عائلة رب المنزل، و ساقتهم إلى مكتب أمن الدولة، حيث أجبروا على توقيع أمر إخلاء المخيم.
وبعد عدة محاولات، حصلت العائلات على مهلة لنحو أسبوع، وخرجت بعدها من المخيم، لكن السلطات اللبنانية اكتفت بإخلاء السوريين فقط من المخيم الذي يضم لاجئين فلسطينيين أيضًا.
الحقيقة مغايرة
يواجه اللاجئون السوريون في لبنان ضغوطًا متواصلة، مقابل رغبة لبنانية رسمية وشعبية بالحد من وجودهم في البلاد.
فاطمة العبد الله (26 عامًا)، تعيش مع زوجها وطفليهما في خيمة مبنية من الخشب والزنك (توتياء) في المخيم منذ 2018، موضحة أنهم لم يستغلوا الظروف الأمنية الراهنة جنوبي لبنان، بما يتعارض مع الرواية التي قدمتها المديرية العامة لأمن الدولة.
وقالت لعنب بلدي، “هل من المعقول أن نبني منزلًا في هذه الظروف الغامضة وبهذه السرعة”، أضافت فاطمة، أن عائلتها بلا مأوى، وتقيم عند أقارب الزوج، إذ لم تتمكن من إيجاد منزل بسبب ارتفاع الإيجارات بعد القصف الإسرائيلي على الجنوب وحركة النزوح التي خلّفها.
وليست المرة الأولى التي تزيل السلطات اللبنانية فيها مخيمًا للاجئين السوريين، إذ أخلت، في 5 من تشرين الأول الماضي، مخيمًا في منطقة عين عرب النبطية جنوبي لبنان، زاعمة الاشتباه بانتماء لاجئين مقيمين فيه، إلى “منظمات إرهابية” وللحد من الفوضى.
وعلى مدار الأسابيع القليلة الماضية، تحول لبنان إلى بيئة غير مستقرة سواء بالنسبة للمواطنين اللبنانيين أو بالنسبة للاجئين السوريين، بسبب التوترات الأمنية والمناوشات العسكرية في الجنوب، على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
خطة غير واضحة
تتواصل إجراءات التقييد التي يتعرض لها اللاجئون السوريين في لبنان والانتهاكات المختلفة، ومنها هدم أو احراق مخيمات.
رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، قال لعنب بلدي، إن غالبية المخيمات في لبنان فلسطينية وهذا المخيم واحد منها، موضحًا أن المخيمات التي يعيش فيها اللاجئون السوريون تفتقر لجميع المقومات المعيشية.
وبيّن الأسمر أن الحكومة اللبنانية لا تفرض قوانين ومعايير، ولا قرار بيدها في ملف اللاجئين السوريين.
“عدم تنظيم الدولة لهذه المخيمات سببه الخوف من تكرار سيناريو المخيمات الفلسطينية، لكن سلبيات هذا الخوف أكبر إذ فتح بابًا للمافيات واستغلال اللاجئين”، وفق وديع الأسمر.
أشار وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، في وقت سابق، إلى مسألة تفكيك المخيمات، موضحًا أن لبنان قادر على البدء بالمخيمات التي تؤوي 600 ألف لاجئ، إذ يمكن تفكيكها على قاعدة إعداد استمارات للترحيل.
تفكيك المخيمات لن يجدي نفعًا برأي وديع الأسمر، كونها ستكون مدخلًا لتشكيل عشوائيات أخرى.
ويعاني البنان منذ سنوات أزمات سياسية واقتصادية، منها أزمة المصارف منذ عام 2019، وفراغًا رئاسيًا من أكثر من عام.
ولا تملك الحكومة اللبنانية إحصائية واضحة للاجئين لسوريين في لبنان، إذ سبق وقدّم مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، في تشرين الأول 2022، أضخم إحصائية لهذه الأعداد، قائلًا إنه يوجد في لبنان مليونان و80 ألف “نازح” سوري، وهو لا يتوافق مع تقديرات رسمية تتحدث عن نحو 1.5 مليون لاجئ، في حين يبلغ عدد المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حوالي 950 ألفًا فقط.
إقرأ المزيد: لبنان يقر بعدم إمكانية عودة اللاجئين.. توجه للبدائل