أدت الحرب في سوريا لأكبر أزمة نزوح في العالم، بنسبة 20 بالمئة من إجمالي اللاجئين عالميًا، منهم 6.9 مليون نازح داخلي، و 6.5 مليون لاجئ في 131 دولة في العالم.
ولا إحصائية دقيقة عن عدد المطلوبين والمطلوبات للنظام السوري، إلا أن عددًا من المهجرين داخليًا وخارجيًا مهددون بالاعتقال حال دخولهم البلاد لأسباب عديدة، منها حالة محمد، وهو شاب من ريف دمشق درس في كلية الكيمياء بجامعة البعث واعتقل فيها لمشاركته في أحد المظاهرات في الجامعة.
بعد إطلاق سراحه خرج محمد من سوريا واستقر مؤخرًا في تركيا، وهو أب لطفلة في الخامسة من العمر، ولا يستطيع دخول سوريا كونه معتقل سابق لدى النظام وغير ملتحق بالخدمة العسكرية أيضًا.
سافرت زوجته علا إلى حمص صيف هذا العام لزيارة أهلها، وكان الهدف الأكبر من زيارتها أن تتعرف ابنتها الصغيرة ذات الخمس أعوام على جديها، ولرغبتها بأن تكوّن الطفلة ذكريات معهم.
تحاول علا جمع مصاريف السفر إلى سوريا من مصروفها الشخصي، لأن العائلة هي ما تشدها للسفر، وليس حبًا بالدخول إلى البلد، بحسب تعبيرها.
وتتحدث عن واقع مدينة حمص، المكنّاة بـ “عاصمة الثورة السورية” بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب، وتقول، إن المناطق المدمرة كليًا شبه مهجورة وغير مخدمة بطبيعة الحال، أما المناطق المأهولة فهي أصلًا ذات خدمات ضعيفة، فانقطاع التيار الكهربائي يصل لـ12 ساعة مقابل نصف ساعة وصل، وكذلك الحال بالنسبة للمياه.
وتضيف، يشترك الشعب بانتظار الرسائل، رسالة المازوت والغاز والخبز، والتي تخبر الناس أن مخصصاتهم وصلت لمركز التوزيع، وتُشترى بسعر أقل من سعر السوق، إلا أنها قليلة جدًا، لذلك لا غنى عن شراء المواد الأولية بـ “الحر”.
وتقارن علا بين أسعار المنتجات والخدمات في سوريا وتركيا حيث تعيش اليوم، ولا فارق كبيرًا يذكر، لكن الفرق “الشاسع” هو في قدرة السكان على شراء هذه الخدمات، مع الإشارة إلى أن من لديهم موارد مالية من خارج البلاد، سواء من أهل أو أولاد أو حتى أصدقاء، يستطيعون العيش على الكفاف، مع وجود الكثير من الحالات المعدمة، إذ انقسم المجتمع لطبقتين، معدمة ومرتاحة، ولا وسطية في سوريا اليوم، على حد تعبيرها.
النظام أعاد بناء جدار الخوف
وبالنسبة لحرية التعبير أو حتى ذكر فترة الثورة السورية، تقول علا، إنه موضوع مطويّ، وحين الاضطرار للحديث عنه، تستخدم مفردات أخرى مثل أزمة أو حرب لا أكثر.
وتابعت، الناس متعبة، وشغلها الشاغل تأمين أساسيات الحياة لا أكثر.
ولاحظت علا ضمن محيطها، خلال الزيارة، عودة بناء جدار الخوف الذي تمكنت الثورة من تحطيمه، ورصدت زيادة في خوف المواطنين من رأس النظام السوري، بشار الأسد، ورجاله، ومن “الحيطان ذات الآذان” عما كان قبل اندلاع الثورة عام 2011، وتزامن انطلاق مظاهرات السويداء المنادية بإسقاط النظام والرافضة للتمييز الحزبي والطائفي، والمطالبة بتحقيق انتقال السلطة، مع زيارة علا لسوريا، إلا أن الحديث عن المظاهرات اقتصر على أحاديث خاصة وسريعة ضمن العائلة.
التكيّف للاستمرار بالحياة
تسنيم، وهي شابة سورية هُجرت وعائلتها عام 2013 من ريف دمشق واستقرت في السعودية لكون الأب يعمل هناك منذ ما قبل قبل الثورة، زارت سوريا في مطلع العام الحالي، وتحدثت لعنب بلدي عن التوقع الذي بنته عن الوضع قبل الزياة وعما رأته خلالها.
تسرد الشابة رحلتها إلى “دار الجد” في مدينة “النبك” بريف دمشق الشمالي، ابتداءً من رؤية الدمار على أرض الواقع وليس وراء الشاشات، وما تركه من مشاعر خوف وحزن لما آل إليه وضع البلاد والعباد.
بزيارة استمرت شهرين، وجدت تسنيم نفسها شيئا فشيئًا تغرق في دوامة لا نهاية لها من التفكير بتأمين أساسيات الحياة اليومية أو الشهرية رغم “بحبوحتها” المادية، بحسب تعبيرها، فالناس مشغولون عن السعي لبناء المستقبل بتأمين المستلزمات اليومية.
ومما لاحظته تسنيم، قدرة السكان على التأقلم بمختلف الظروف، قائلة، “ببساطة الناس بدا تعيش”، وتحاول ذلك بطرق عديدة وأحيانًا بدائية كتصنيع بطارية كهربائية منزليًا، وتحويل الثلاجة لـ”نملية” نظرًا لندرة الكهرباء، واستخدام الهواء الطلق في الشتاء كثلاجة، إذ ورغم انتشار ألواح الطاقة الشمسة في سوريا، ليس بمقدور جميع المواطنين تأمينها، وغيرها من الأساليب ومحاولات الاستمرار بالحياة.
بعد أحدث زيادة على الرواتب في مناطق سيطرة النظام منتصف آب الماضي، وصل الحد الأدنى لرواتب العاملين بالقطاع العام في مناطق سيطرة النظام إلى 185940 ليرة سورية (نحو 13 دولارًا أمريكيًا)، فيما يبلغ متوسط تكلفة المعيشة نحو 55 ضعف الحد الأدنى، وفق إحصائيات وتقارير متخصصة.
ويبلغ سعر مبيع الدولار الواحد في دمشق نحو 14 ألف ليرة سورية، لحظة تحرير هذا التقرير، بحسب موقع الليرة اليوم المتخصص بمتابعة أسعار الذهب والعملات الأجنبية.
ووصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد في نهاية شهر أيلول لهذا العام، تسعة ملايين و500 ألف ليرة سورية (حوالي 683 دولار)، وبحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة“.