عنب بلدي – حسام المحمود
توجه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 10 من تشرين الثاني الحالي، إلى السعودية، للمشاركة في القمة العربية الطارئة حول التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، تاركًا في دمشق الملف السوري عالقًا أمام عدم تجاوبه مع الطروحات العربية والدولية للحل في سوريا.
وفي اليوم التالي، شارك الأسد في القمة التي تحولت إلى قمة عربية- إسلامية مشتركة، بعدما دمجت الرياض القمتين، بتنسيق مع الجامعة العربية من جهة، ومنظمة التعاون الإسلامي من جهة أخرى، ما جمع الأسد لأول مرة منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، في قاعة واحدة، مع رؤساء وقادة دول تتبادل مع نظامه الخصومة السياسية، إلى جانب كونها القمة الثانية التي يشارك بها منذ عام 2010 (قمة سرت الليبيية)، بعد قمة جدة في 19 من أيار الماضي.
ألقى الأسد كلمة متأخرة قدمه لها وزير الخارجية السعودي، واستمرت لأقل من سبع دقائق، انتقد فيها سلام العرب مع إسرائيل، واعتبره سلامًا فاشلًا، معتبرًا أن التصعيد الإسرائيلي على غزة استمرار لسياق عمره 75 عامًا، و32 عامًا من “سلام فاشل” نتيجته الوحيدة المطلقة، غير القابلة للنقض والتفنيد، هي أن “الكيان ازداد ظلمًا، والوضع الفلسطيني ازاد ظلمًا وقهرًا وبؤسًا”.
“لا الأرض عادت ولا الحق رجع، لا في فلسطين، ولا الجولان”، أضاف الأسد، وتابع أن “هذه الحالة أنتجت حالة سياسية مفادها أن المزيد من الوداعة العربية تساوي المزيد من الشراسة الصهوينة تجاهنا، والمزيد من اليد الممدودة من قبلنا تساوي المزيد من المجازر بحقنا”.
وقدّم الأسد خلال القمة ملخص موقفه من التطورات الميدانية التي تحصل في غزة منذ أكثر من خمسة أسابيع، متسببة بمقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، ليقتصر الموقف على التصريحات، وتحميل اللوم للآخر، رغم دعوات قادة “حماس” وانتقاداتهم “الخجولة” لضآلة موقف “محور المقاومة” أمام حجم التصعيد، فصواريخ قليلة تتجاوز الحدود من لبنان نحو الأراضي المحتلة لم تغير المعادلة على الأرض، والنظام السوري يكرّس رده على القصف الإسرائيلي بقصف الشمال السوري، والحديث عن عودة الأرض لم يحمل مؤشرًا على من يمكن أن يعيدها، والدعوة لوقف أي مسار سياسي مع إسرائيل تعني أطرافًا أخرى، منها من يجمعها “سلام” مع إسرائيل، وأخرى ماضية باتجاهه.
حضور روتيني بلا إضافة
أمام حالة عدم التوافق السياسي على وضع الأسد سياسيًا، جاءت القمة العربية الإسلامية لتضع الأسد كـ”رئيس” بين قادة عشرات الدول، دون الالتفات إلى الحالة السياسية في سوريا، بما يتيح استغلال الحالة الفلسطينية أكثر من المساعدة في رتق هذه المعاناة.
الخبير الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي أن مشاركة الأسد في القمة العربية- الإسلامية مشاركة روتينية بعد العودة للجامعة العربية، وهي فرصة للظهور وإبداء الرأي لا أكثر، إذ لا يمكن التعويل اليوم على مشاركة سوريا في أي حل يقدم، ولا يخرج هذا الحضور عن كونه إجراء روتينيًا، وليس لدعوة النظام أي علاقة بما يجري على الأرض، ولو لم يشارك في قمة جدة، لما حضر في القمة الحالية.
من جانبه، استبعد الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد، في حديث لعنب بلدي، أن يكون النظام السوري جزءًا من حل لقضية بحجم ما يجري في غزة، معتبرًا حضوره بروتوكوليًا، تحت رغبة الرياض بإظهار التضامن والحضور السياسي الكبير، والدليل مشاركة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بعد الحديث عن دفع طهران وتوريطها لـ”حماس” بالعملية التي شنتها في 7 من تشرين لأول الماضي، ضد المستوطنات الإسرائيلية.
“حضور النظام السوري لن يكون له أي فعل بقضية غزة أو وقف الحرب، لانحيازه المسبق تجاه الممانعة، والحضور الدولي لسوريا اليوم غير فعال، والأسد يطالب العرب بمواقف في وقت لا يستطيع به الرد على ضربات إسرائيلية متوالية ضد الجيش السوري، لا النقاط الإيرانية فقط”.
الخبير الأردني بالأمن الاستراتيجي عمر الرداد
واعتبر الرداد أن النظام السوري كالإيراني، حاول تقديم مقاربات حول الصهيونية والدعم الغربي والولايات المتحدة، وهي نقاط متقاطعة مع كلمة رئيسي، وتخدم النظام للخروج من العزلة السياسية التي يعيشها، وهو ما لن يتحقق، لأن القمة مشدودة ببعديها العربي والإسلامي نحو غزة، ولولا رغبة السعودية بإظهار مواقف موحدة لما دعت الأسد، فهو لم يقدم شيئًا، ولا دور له في غزة خارج الفضاءات الإيرانية.
سلام وتجاهل
أنتجت القمة العربية- الإسلامية للأسد سلامًا حارًا مع الملك الأردني، عبد الله الثاني، الذي بادر بمصافحة الأسد قبل التقاط الصورة التذكارية للمشاركين في القمة.
هذه التحية الأردنية سبقتها محاولات لا تتوقف لتهريب المخدرات من مناطق سيطرة النظام نحو الأردن ودول الخليح، إلى جانب تشكيك الملك الأردني نفسه في وقت سابق بقدرة الأسد على السيطرة على سوريا.
وفي 20 من أيلول الماضي، أوضح الملك الأردني أنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.
وكمعظم الدول العربية، لم يخطُ الأردن بعيدًا بعلاقته مع النظام، رغم إجراء وزير خارجيته، أيمن الصفدي، زيارتين إلى دمشق، خلال العام الحالي، حملت الأولى طابعًا تضامنيًا بعد زلزال 6 من شباط، والثانية لمتابعة مسار “المبادرة الأردنية” المدعومة والمدفوعة عربيًا.
ويواصل النظام السوري تعطيل “المبادرة الأردنية”، مع الحديث عن تعطيل عمل “لجنة الاتصال الوزارية العربية”، إذ قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، في 8 من تشرين الأول الماضي، إن “لجنة الاتصال العربية” بدأت بحماسة، لكن ثمة ضغوطًا غربية شديدة على اللجنة حتى لا تعطي أي شيء قبل النظام السوري، من منطلق “يكفي أنكم أعدتم الحكومة السورية إلى الجامعة العربية”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.
وقبل تحية الملك الأردني والأسد، وقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مقربة مع الأسد، وتبادل حديثًا قصيرًا مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل أن يعود إلى مكانه، بين الرئيسين، الفلسطيني والإيراني.
وفي الوقت الذي ألقى به الأسد كلمته، كان أردوغان غادر القاعة، ليتابع التمثيل التركي وزير الخارجية، هاكان فيدان، الذي نزع سماعات الترجمة، وانشغل بهاتفه المحمول، تعبيرًا عن عدم الاكتراث.
ومنذ أواخر 2022، افتتحت أنقرة مسار التقارب السياسي مع النظام السوري، وعقدت عدة لقاءات بهذا الصدد على مستويات استخباراتية ووزارية، برعاية موسكو ومشاركتها إلى جانب طهران، لكن هذه اللقاءات انحسرت بعد اندفاع سبق الانتخابات التركية في أيار الماضي، ليتبع الانتخابات لقاء يتيم، جاء متزامنًا مع اجتماعات اللجنة الدستورية في حزيران الماضي، في ظل تصريحات روسية متكررة تتناول ضرورة استمرار المسار السياسي، واللقاءات التي لم تصل بعد إلى جلوس أردوغان والأسد على طاولة واحدة، في ظل شروط متبادلة وثابتة لدى الطرفين، لم تتزحزح منذ بدء المسار.