خطيب بدلة
الحديدة، في لبنان، حامية، فالجبهة مع إسرائيل متوترة، واحتمال أن تندلع الحرب وارد بين لحظة وأخرى. أصوات عالية تحذر “حزب الله” من أخذ لبنان إلى الحرب، مثلما فعل في 2006. المتحدث باسم القوات اللبنانية، شارل جبور، قال: ممنوع يأخذونا إلى حرب تدمر لبنان وبناه التحتية.
القراءة الأقرب إلى المنطق تسير باتجاه أن القرار النهائي في فتح هذه الجبهة لن يكون لـ”حزب الله”، بل لإيران.
معضلة الوجود الإيراني مستمرة منذ انتصار “الثورة الإسلامية الإيرانية”، وظهور فكرة “تصدير الثورة” التي لم تكن مجرد شعار، بل نص عليها الدستور الإيراني صراحة، وهو ليس تصديرًا عقائديًا، دعويًا، بل يجب أن يقترن، كما نص الدستور نفسه، بالسلاح، هذا يعني، ببساطة، ألا نستغرب وجود قوات إيرانية مباشرة في اليمن والعراق وسوريا، بالإضافة إلى جماعات ميليشياوية تأتمر بأمر إيران، وبدعم مالي، ولوجستي، جبار، أبرزها، بلا شك، “حزب الله”، الذي صرحه أمينه العام، ذات يوم، أن كل قرش يُصرف عليه، يأتي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تحاول التدخلات الإيرانية في منطقتنا الاختباء خلف شعار غريب، وغير صحيح البتة، هو: تحرير القدس، والمسجد الأقصى! مَن يدقق في هذا الشعار لن يعثر على أي مسوغ منطقي، أو عقائدي، أو تاريخي، لاهتمام إيران بمدينة القدس، ومسجدها، فهناك سردية يتبناها عدد من الباحثين، تُرجع بناء المسجد الأقصى إلى سنة 72 هجرية، بيد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ويرى المفتي الإسلامي في أستراليا، الشيخ مصطفى راشد، أن المسجد الأقصى الوارد ذكره في سورة الإسراء، موجود في قرية الجعرانة، القريبة من مكة، وليس في القدس، بينما يعرض الباحث ماهر حميد أدلة على أن المسجد الأقصى مذكور في عهود متتالية، وأن عبد الملك بن مروان رممه، ووضع اسمه عليه.
وفي كل الأحوال، يجد المرء صعوبة في تصديق الزعم الإيراني، فلا هم يتعاطفون مع مسجد بناه أو رممه الخليفة “الأموي”، ولا مع مدينة فتحها أمير المؤمنين “الراشدي” عمر بن الخطاب. لأجل ذلك، ضخ الإيرانيون هذا الشعار بقوة، لكي يقنعوا ملايين المسلمين السنة بأن دولتهم القائمة على العقيدة الشيعية ذات مشروعية إسلامية، بدليل تبنيها الشعار الذي تتبناه الدول العربية والإسلامية “السنية”، وهو أن فلسطين، وعاصمتها القدس، هي قضيتهم المركزية، والدلالة الأولى لتحرير القدس هي الصلاة في المسجد الأقصى المحرر. وقد نجحوا في تمرير هذا الزعم، بالفعل، فاتحدت، حول إيران، مجموعة من الدول والفصائل المسلحة، تحت تسمية ابتكرها الإعلام الإيراني نفسه: محور الممانعة.
الأقرب إلى العقل، حقيقة، أن مشروع إيران التوسعي الاستيطاني يصطدم بالمشروع الإسرائيلي، وهو الآخر توسعي استيطاني، وإيران لا تجرؤ على مواجهة إسرائيل مباشرة، بل تتغاضى عن الاعتداءات الإسرائيلية اليومية في الأراضي السورية، وذات مرة هاجمتها إسرائيل في أرضها.
من هنا يمكننا ملاحظة الحرج الإيراني الكبير في فتح جبهة “حزب الله”، لأن ذلك يعني الانجرار إلى حرب مباشرة، ستؤدي، على الأرجح، إلى إنهاء هذا الحزب الذي يلزم لإيران أكثر في السيطرة على لبنان وسوريا.