عنب بلدي – فاطمة المحمد
عبر منصات التواصل الاجتماعي، تنشط أمهات مع أطفالهن في تقديم نصائح واستشارات حول طرق التربية الصحيحة والتعامل مع فترة الحمل والولادة، تحت اسم “ماما” فلانة.
ويستندن في معلوماتهن واستشاراتهن التربوية إلى كتب في التربية، أو معلومات مفيدة قرأنها على الإنترنت، وتحظى تلك النساء بشهرة واسعة، ويتابعهن عشرات الآلاف عبر الشبكة وغالبيتهم من الأمهات.
وعبر منصات “إنستجرام” و”فيس بوك” و”تيك توك”، تشرح تلك الأمهات المواقف التي تحصل مع أطفالهن، وكيف يقمن بمعالجتها بطريقة سليمة.
تحت ضغط المثالية
استمعت فريال الصليبي (26 عامًا) إلى أمهات ومرشدين تربويين، منذ بداية حملها بطفلها الأول، ولم تكن في البداية على دراية كافية للتمييز بين المتخصصين وغير المتخصصين، ومن أين يجب أن تأخذ المعلومة الصحيحة.
وحينما وضعت فريال، الأم لطفلين، طفلها الأول، بدأت تحاول تطبيق كل ما قرأته وشاهدته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت فريال لعنب بلدي، إنه لم يكن من السهل تطبيق كل هذا الكم من النصائح، وهذا ما وضعها تحت تأثير “ضغط كبير”، وبأن الصورة التي تصدّرها هذه الصفحات مليئة بـ”المثالية” وبعيدة عن الواقع، وتثقل كاهل الأم دون مراعاة لحالتها أو وضعها.
وأضافت أن لكل أم وضعًا خاصًا بها وبطفلها لا يعلم أحد به، وأنها صادفت على مواقع التواصل الاجتماعي عديدًا من الأشخاص الذين خصصوا محتواهم لإعطاء نصائح واستشارات تربوية، دون أن تكون لديهم مؤهلات علمية، وهذا ما جعلها أكثر حذرًا في تحديد من يجب أن تستمع إليه.
من جانب آخر، تحدثت فريال عن الدور الإيجابي الذي لعبه وجود بعض التربويين المتخصصين النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، والأثر الجيد التي تركته نصائحهم في مشوار أمومتها.
“كل طفل هو حالة خاصة”
قالت الاختصاصية التربوية في مركز “أوسوم” (اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة) ماجدة اليوسف، في حديث إلى عنب بلدي، إن الأشخاص غير المختصين لا يكونون قادرين على تقديم معلومات دقيقة وموثوقة بشأن المواضيع التربوية وما يتصل بها.
وقد يكون المحتوى الذي يقدمه هؤلاء الأشخاص غير دقيق ويؤدي إلى فهم خاطئ للمعلومات المعطاة، وقد يحدث أيضًا تضارب في المعلومات التي يقدمونها، ما يزيد الارتباك لدى المتلقي من الوالدين.
وأضافت أن افتقار مصدري المحتوى التربوي من غير المختصين للتجربة العملية في هذا المجال يؤدي إلى نقل أفكار أو معتقدات خاطئة حول تربية الأطفال، ما يؤثر سلبًا على القرارات التي ستتخذها الأسر.
وأكدت الاختصاصية أهمية البحث عن مصادر موثوقة في مجال التربية عند الحاجة إلى معلومات تربوية، وأنه لا يمكن لغير المختصين تقديم هذه الاستشارات من دون معرفة عميقة بالتربية وعلم نفس الطفل، وعلى دراية كافية بجميع خطوات التقييم والتشخيص والعلاج.
ولا تكفي فقط الثقافة التربوية لتقديم استشارات ونصائح، إذ سيعتمد الشخص على آرائه وتجاربه الشخصية لإعطاء الحل أو العلاج، ما يفتح المجال أمام الانحيازات والبعد عن الموضوعية والمنهج العلمي الدقيق والمستند إلى البحث والمراجعة، بحسب الاختصاصية.
وتنعكس هذه النصائح غير المدروسة، والتي تطبق وتعمم على عدد كبير، سلبًا على الأطفال، لأن كل طفل هو حالة خاصة بحد ذاتها، ويحتاج الاختصاصي إلى عدة جلسات ليفهم طبيعة الحالة وعلاجها.
ويعتمد في إعطاء الاستشارات التربوية على منهج علمي واضح ومعرفة واسعة بالمجال، بدءًا من دراسة حالة الطفل وتقييمها، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل والظروف التي يمكن أن تؤثر بالحالة، بحسب اليوسف.
ومن الجانب الآخر، لفتت الاختصاصية التربوية ماجدة اليوسف إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي فتحت الباب أمام اختصاصيي التربية لنشر المعرفة، ورفع الوعي، وإعطاء توجيهات لزيادة الثقافة لدى الوالدين لبناء طفل سليم من النواحي النفسية والتربوية.
التأثير السلبي
قامت الجمعية الأكاديمية لطب الأطفال في الولايات المتحدة بالبحث في قواعد بيانات وتضمين الدراسات التي فحصت استخدام الوالدين ومقدمي الرعاية لوسائل التواصل الاجتماعي، كمصدر للمعلومات الصحية لأطفالهم (الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا).
وبحسب البيانات، سُجلت 42 دراسة في الفترة بين عامي 2011 و2020.
وتبين، بحسب الجمعية، أن الآباء يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات حول مخاوف صحية محددة قبل وبعد التشخيص الطبي لطفلهم.
ويشعر الآباء بالتحفيز للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يبحثون عن معلومات واسعة النطاق بناء على الخبرة الحياتية من الآباء الآخرين.
أخذ الآراء كمعلومات من آباء آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقها ربما يعطي نتائج متناقضة، ويؤخر الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، ويزيد استخدام العلاجات دون إشراف طبي، ما قد يؤثر سلبًا على صحة الأطفال، بحسب الدراسة الصادرة عن الجمعية الأكاديمية لطب الأطفال.
تدخل الوراثة والبيئة المحيطة
المرشدة النفسية إيلاف الشحرور، من مركز “أوسوم” في مدينة غازي عينتاب التركية، قالت لعنب بلدي، إن الأطفال يمكن أن يكونوا مختلفين بسبب تأثيرات متعددة، مثل الوراثة والبيئة.
والاختلافات تشمل الطابع الشخصي، والاستجابة للمحفزات، وأسلوب التعامل مع التحديات، لذلك قد لا تكون النصائح العامة فعالة بنفس القدر على جميع الأطفال.
وأضافت أنه يفضّل توجيه الاهتمام بناء على فهم فردي لكل طفل وبيئته وما يؤثر به.
ونصحت الشحرور، وهي أم لطفلة أيضًا، الآباء بمتابعة اختصاصيي التربية، وأن تكون لديهم خلفية علمية وأكاديمية، إضافة إلى وجود مراجع موثوقة يعتمدون عليها عند طرح المعلومات أو تقديم النصائح والاستشارات.
وأشارت الشحرور إلى أنها استفادت من وجود الاختصاصيين على مواقع التواصل الاجتماعي عند خوضها تجربة الأمومة، بمواضيع مثل تنظيم النوم وطرق التعليم والتعبير السليم للطفل عن نفسه، وساعدتها نصائح اختصاصيي التغذية أيضًا في مرحلة الطعام.
طلب المشورة من شبكات التواصل
يُنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر واسع للمعلومات المفيدة، وكأداة من مجموعة أدوات للتربية.
وذكرت دراسة منشورة لمركز “بيو“ للأبحاث على عينة بلغت 336 من أولياء أمور، أن الأمهات يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي كمورد للتربية أكثر من الآباء.
واتفقت غالبية العينة على أن وسائل التواصل الاجتماعي هي مصدر للمعلومات المفيدة.
وقال 79% من الآباء الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي إنهم حصلوا على معلومات مفيدة من شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم.
وتحصل الأمهات، بشكل خاص اللاتي يستخدمن وسائل التواصل الاجتماعي، على معلومات تربوية مفيدة بنسبة وصلت إلى 66%.