عنب بلدي – حسن إبراهيم
أعلنت ثلاثة فصائل عسكرية عن تشكيل جديد تحت مسمى “القوة الموحدة”، ضمن صفوف “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا شمالي سوريا، أحدها “تجمع الشهباء” المُتهم بتبعيته لـ”هيئة تحرير الشام” في إدلب.
ضم التشكيل كلًا من “فرقة المعتصم” و”الجبهة الشامية” و”تجمع الشهباء”، وورد في بيان إعلانه أنه جاء لدعم المؤسسات الثورية وتعزيز فاعليتها، ورفع الكفاءة العسكرية لعناصرها، والحفاظ على السلم الأهلي ومنع الاقتتال.
يضاف التشكيل إلى قائمة تحالفات وفصائل وغرف تنضوي تحت عباءة “الوطني”، ويزيد من مسميات عسكرية تعج بها المنطقة، ويتناقض مع خطة “الوطني” قبل عام في تفعيل دور المؤسسات وإنهاء حالة الفصائلية وتوحيد الرايات، وإخراج “تحرير الشام” من ريف حلب.
ثلاثة فصائل دون قيادة
كانت “الجبهة الشامية” تعد نواة “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني”، وهي أكبر الفصائل الثلاثة في التشكيل الجديد، ويقودها عزام غريب (أبو العز سراقب).
يعد “تجمع الشهباء” تشكيلًا عسكريًا حديث النشأة، ظهر في شباط الماضي، واعتبر نفسه تنسيق قوى عسكرية وثورية، لا يتبع لأي جهة، وشُكّل من فصائل منضوية ضمن “الفيلق الثالث”، ويقوده حسين عساف (أبو توفيق)، ونفى “الجيش الوطني” في وقت سابق تبعية التجمع له.
تنضوي “فرقة المعتصم” ضمن صفوف “الفيلق الثاني” في “الجيش الوطني”، ويقودها معتصم عباس.
ولم يحدد بيان إعلان تشكيل “القيادة الموحدة” قائدًا عامًا، كما جرت العادة في تشكيلات وتكتلات وغرف عسكرية سابقة، في حين قال التشكيل عبر بيان منفصل، في 10 من تشرين الثاني الحالي، إن لـ”القوة الموحدة” مجلس قيادة يدير شؤونها الداخلية ريثما تُستكمل بقية الخطوات المتعلقة بالفصائل والتشكيلات التي يمكن انضمامها إليها، بما يضمن لها المشاركة في التأسيس والبناء.
تحالفات في ظل “الوطني”
يسيطر “الجيش الوطني” على ريفي حلب الشمالي والشرقي، ومدينتي رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، وتعد “الحكومة السورية المؤقتة” مظلته السياسية.
يتكون “الوطني” من ثلاثة فيالق، ولا يوجد عدد ثابت لعناصره، إذ قال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، إن عددهم 80 ألف مقاتل في 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد “الشرق الأوسط”، في تشرين الأول 2022، أن التشكيل يجمع من 50 ألفًا إلى 70 ألف مقاتل.
ويشهد “الجيش الوطني” عمليات اندماج وانشقاق لتشكيلات عسكرية عديدة عنه، وتسود حالة من الفصائلية تتشكّل بمسميات متعددة رغم تبعيتها لـ”الجيش”، وتعتمد هذه التشكيلات بعد اندماجها رايات تحمل الاسم الجديد للجسم العسكري، ترفعها في مقارها وعلى حواجزها وآلياتها، ثم تزيلها في حالة الانشقاق.
حالة الفصائلية بين مكونات “الجيش الوطني” تعكسها كثرة الخلافات والاقتتالات، التي تخلق في كل مرة تحالفات جديدة بين بعضها، أو حتى مع “هيئة تحرير الشام” العاملة في إدلب، التي تربطها حالة عدم توافق مع “الوطني”.
“خطة تنظيم” تترنح أمام الواقع
في 27 من تشرين الأول 2022، أطلق رئيس “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، جملة من الوعود واصفًا إياها بـ”خطة حكومية جديدة”، بعد اقتتال فصائلي شهدته مناطق ريف حلب.
وذكر مصطفى حينها أن الوقت حان لتحقيق ما وصفها بـ”تطلعات الشعب”، والانتقال من حالة الفوضى إلى حالة الإصلاح على الصعيدين العسكري والمدني، من خلال تفعيل “المؤقتة” بجميع مؤسساتها، لكي تكون سلطة مركزية ومرجعية فعلية للجميع، حسب قوله.
ووعد مصطفى بأن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة تفعيل عمل المؤسسات العسكرية والمدنية، وفق خطة مركزية تشمل الإصلاح الإداري ودعم جميع القطاعات وتوفير ظروف أفضل، مطالبًا بضرورة وقوف الجميع أمام مسؤولياتهم والالتزام بتطبيق الخطط الحكومية.
وفي 25 من كانون الثاني الماضي، أعلن “الجيش الوطني” البدء بتنفيذ خطة تسليم جميع الحواجز الأمنية إلى إدارة “الشرطة العسكرية” في مناطق سيطرته.
وقال الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، العميد أيمن شرارة، إن الغاية من تسليم الحواجز أن تتبع إلى إدارة واحدة، ما يؤمّن سهولة التواصل فيما بينها، ويسهم بحفظ الأمن.
وعود مصطفى وحديث الناطق الرسمي لم تغير واقع الاشتباكات في المنطقة، وشهدت مناطق متفرقة من ريف حلب، في أيلول الماضي، اشتباكات بين “تجمع الشهباء” وفصائل من “الفيلق الثاني” على معبر “الحمران” الداخلي.
فوضى فصائلية
تواصلت عنب بلدي مع الناطق الرسمي باسم “الجيش الوطني”، العميد أيمن شرارة، لمعرفة موقف “الوطني” وتعليقه على ظهور التشكيل الجديد “القوة الموحدة” وتبعيته له، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.
المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد، اعتبر أن الإعلان عن تشكيل جسم ضمن “الجيش الوطني” بادرة غريبة، وأن ذلك لا يجوز من ناحية عسكرية لأن “الوطني” هيكل تنظيمي، وهذا الهيكل يتألف من هرم يتمثل بوزارة للدفاع ورئاسة أركان وإدارات وفيالق وفرق وألوية.
وقال الأسعد لعنب بلدي، إنه لا يجب أن تكون هناك تكتلات ضمن “الجيش الوطني”، واصفًا وجود تشكيلات جديدة بـ”التغريد خارج السرب”.
وذكر العميد المنشق عن قوات النظام أن وجود “تجمع الشهباء” الذي يكنّ ولاء لـ”تحرير الشام” ينعكس سلبيًا على “الجيش الوطني”، وأن وجوده غير محمود ويحمل انعكاسًا لا تحمد عقباه، لأنه يحمل الولاء لـ”الهيئة” التي تختلف مشاريعها عن “الوطني”، وتسود بينهما حالة عداء وخلاف وعدم توافق.
واعتبر الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن إعلان تشكيل “القوة الموحدة”، خارج القيادة الرسمية لـ”الجيش الوطني”، يؤكد عدم الاستقرار والفوضى التنظيمية التي تحكم فصائل المعارضة، ويعبر عن حالة فصائلية رافضة لتراتبية الفيالق الثلاثة ووزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”.
وأضاف علوان عبر تطبيق “إكس“، أن التشكيل الجديد يؤكد أن تحالفات الفصائل “مبنية على مصالحها الأمنية ومواردها الاقتصادية”، كما يشير إلى نهاية “الفيلق الثالث” وتفككه، وحضور نفوذ “هيئة تحرير الشام”، ويثبت أن “فيالق (الجيش الوطني) حبر على ورق”.
واستبعد الباحث استمرارية التشكيل الجديد لفترة طويلة، مرجحًا وجود تحركات أخرى من الفصائل، بحكم المصالح المشتركة والتحديات الواحدة.
“الهيئة” و”الوطني”
تسيطر “هيئة تحرير الشام” على إدلب وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي، ويقودها “أبو محمد الجولاني”، ويحمل الفصيل نيات السيطرة والتوسع في مناطق سيطرة “الوطني”.
وتشهد العلاقات بين فصائل “الجيش الوطني” حالة من عدم التوافق مع “تحرير الشام”، منذ أن انقسمت مناطق الشمال السوري بينهما عسكريًا وخدميًا عام 2017.
حالة العداء بدأت عام 2014 بخلاف بين “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” آنذاك) وعدة فصائل أخرى، حين عملت “تحرير الشام” على بسط نفوذها على المنطقة، لتكون الجسم العسكري الوحيد المسيطر وصاحب النفوذ، وشهدت محافظة إدلب عديدًا من الخلافات بين “الهيئة” وفصائل أخرى محسوبة على المعارضة السورية و”الجيش الحر”.
ودخلت أرتال تابعة لـ”الهيئة” إلى ريف حلب مرتين خلال 2022، واشتبكت مع فصائل في “الوطني” وتذرّعت “تحرير الشام” في كلا الهجومين بأسباب “رد البغي وحقن الدماء”، إلا أن دخولها أسفر عن اشتباكات خلّفت عشرات القتلى، وخلق حالة من الهلع والرعب بين المدنيين.