معابر دير الزور.. متاحة للتهريب ومغلقة أمام الأهالي
اشتهرت ضفتا الفرات شرقي محافظة دير الزور بكونهما تشكلان طريقًا لتهريب المحروقات والمواد الغذائية بين المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقًا، والنظام السوري والميليشيات الرديفة له غربًا.
وتنشط مجموعات في المنطقة تعمل بتهريب البضائع والسلع والمحروقات بين الضفتين، عبر قوارب خشبية صغيرة، أو جسور مؤقتة تصل بين ضفتي النهر، تغلقها “قسد” خلال عمليات أمنية متكررة.
ترتبط مناطق سيطرة “قسد” في دير الزور بنحو عشرة معابر نهرية مع مناطق نفوذ قوات النظام، كما تنتشر العديد من المعابر “غير الرسمية”، تنشط في عمليات التهريب منذ عدة سنوات.
ورغم حاجة سكان القرى والبلدات شرق الفرات إلى طريق مفتوح أمام تنقلهم نحو مناطق سيطرة النظام السوري لأغراض طبية غير متوفرة لدى “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قسد”)، لم تفتح هذه المعابر أمامهم إلا في إطار عمليات تهريب البشر.
ويضطر سكان المنطقة إلى التوجه نحو محافظة الرقة، حيث يقع معبر إنساني وحيد يصل منطقتي النفوذ ببعضهما، ويقطعون مئات الكيلومترات بهدف إكمال طريقهم نحو مناطق سيطرة النظام.
مسافة طويلة وتكاليف مجهدة
يجد عبادة العلي (60 عامًا) نفسه مضطرًا للسفر لمدة تزيد على 18 ساعة للوصول إلى دمشق عبر معبر “الطبقة”، بهدف علاج زوجته المصابة بمرض سرطان الثدي، نظرًا إلى إغلاق المعابر على ضفتي نهر الفرات حتى أمام الحالات الإنسانية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا بالنسبة لعبادة هو ارتفاع تكلفة وسائل النقل، إلى جانب معاناة الرحلة نفسها، إذ وصلت أجور وسائل النقل إلى 80 ألف ليرة سورية لكل راكب، وبالنظر إلى حاجته الماسة للسفر إلى دمشق مرة في الشهر برفقة زوجته وابنته يتكبد تكاليف مالية “كبيرة” بالنسبة له.
عبادة أضاف لعنب بلدي أن فتح معبر “الصالحية” الواقع شمال شرقي محافظة دير الزور، سيسهل حياة السكان وعودتهم إلى منازلهم وقراهم في المحافظة، خاصة أن القدرة على التنقل بين الجانبين الغربي والشرقي للقرية أمر بالغ الأهمية بالنسبة للسكان الذين يواجهون تحديات كبيرة في حياتهم اليومية.
وتكتسب الصالحية أهميتها من احتوائها على معبر يربط بين محافظتي دير الزور والحسكة، وتضم البلدة إدارتين مختلفتين في وقت واحد، إذ يسيطر النظام على الجزء الشرقي منها، بينما تتمركز “قسد” في الجزء الجنوبي.
أحمد المرعي، من سكان بلدة الطيانة شرقي دير الزور، قال لعنب بلدي، إنه اضطر لنقل جثة أحد أقربائه عبر معبر “الطبقة” عند وفاته، واستغرقت عملية نقل الجثة حوالي يومين للمسافة الطويلة والصعوبات في السفر بين المحافظات، بسبب رفض السماح له بالعبور من معبر “الصالحية” على نهر الفرات.
عائق أمام الطلاب
يوسف الأشرم، طالب جامعي في مدينة دير الزور، ويقيم شرق نهر الفرات، قال لعنب بلدي إنه يواجه صعوبات كبيرة في تحمل تكاليف النقل، إذ ينفق حوالي 200 ألف ليرة سورية ذهابًا وإيابًا أسبوعيًا من مناطق سيطرة “قسد” شرق النهر، نحو مدينة دير الزور، حيث لا يملك منزلًا للإقامة فيه، بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات، فيجبر على العودة نحو شرق النهر.
يوسف أوضح أنه يقطع مسافة تبلغ أكثر من 120 كيلومترًا في كل رحلة من بلدة الباغوز إلى بلدة حمار العلي ليستطيع العبور بين مناطق النفوذ، وأشار إلى أن فتح المعابر سيخفف من العبء المالي عليه وعلى جميع سكان المنطقة الذين يستخدمون تلك المعابر، وسيسهم في تخفيف الضغط الاقتصادي الذي يواجهونه.
وأبدى يوسف قلقه إزاء المعاناة التي يتعرض لها المرضى والحالات الإنسانية وطلاب الجامعات في المنطقة، موضحًا أن المنطقة تعاني من الإهمال الطبي والخدمي، في حين يضطر طلاب الجامعات لقطع مسافات طويلة للوصول إلى جامعاتهم.
وأشار إلى وجود معابر يمكن فتحها وإدارتها “بعيدًا عن الأمور السياسية”، مثل معبر “الصالحية” شمال شرقي دير الزور، ومعبر “البريد”، أو معبر “العشارة”، أو “هجين” و”الباغوز” شرقًا.
إغلاق المعابر غير النظامية في ريف دير الزور يعود إلى 21 من آب الماضي، على خلفية المواجهات المسلحة التي شهدتها محافظة دير الزور بين “قسد” ومقاتلين محليين من أبناء العشائر لا تزال تداعياتها مستمرة على المنطقة حتى اليوم.
سيطرت “قسد” مدعومة بالتحالف الدولي على الضفة الشرقية للنهر على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما تمكن النظام مدعومًا بروسيا وإيران من السيطرة على الضفة الغربية وسبع قرى شرق النهر على حساب التنظيم نفسه عام 2019.
أحداث أمنية
منذ مطلع تشرين الثاني الحالي، بدأت “قسد” بإنشاء نقاط عسكرية على ضفة نهر “الفرات” الشرقية المقابلة لمناطق سيطرة النظام شرقي محافظة دير الزور، تزامنًا مع ازدياد هجمات قالت “قسد” إنها مدعومة من النظام وقادمة من مناطق سيطرته.
موقع “نهر ميديا” المتخصص بنقل أخبار دير الزور بشكل رئيس قال، إن “قسد” أطلقت مشروعًا يهدف لنشر نقاط عسكرية بين بلدة الجزرات غربي دير الزور وصولًا إلى الباغوز في أقصى شرقي المحافظة.
عسكري في صفوف “الأمن الداخلي” (أسايش) التابع لـ”الإدارة الذاتية” قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن القيادة العامة تعمل جاهدة على تعزيز النقاط العسكرية في جميع أنحاء ريف دير الزور، استجابة لـ”التحديات الأمنية” خصوصًا مع الهجمات المتكررة التي تشنها قوات النظام على المنطقة بين الحين والآخر.
منذ الأيام الأولى للمواجهات التي بدأت في 28 من آب الماضي، خرجت بلدات شرقي دير الزور عن سيطرة “قسد” تحت ضربات مسلحي العشائر العربية من أبناء المنطقة، ومع استمرار المعارك وحالات الكر والفر التي شهدتها دير الزور، استعادت “قسد” السيطرة على المنطقة، لكنها لا تزال تتلقى الضربات فيها.
“قسد” اتهمت العشائر المنتفضة ضدها بالتبعية للنظام السوري، وتلقي التمويل منه ومن الميليشيات الإيرانية المتمركزة غرب النهر، منذ الأيام الأولى للمواجهات، واعتمدت هذه الرواية في بياناتها الإعلامية حول المواجهات.
ولم يخفِ النظام موقفه من هذه الأحداث، إذ أبدى وزير الخارجية بحكومة النظام، فيصل المقداد، دعم حكومة النظام للعشائر العربية في ريف دير الزور بمعركتها ضد “قسد”.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :