رغم مرور خمس سنوات على انتهاء الأعمال العسكرية في محافظة درعا جنوبي سوريا، لا يزال خطر الألغام مصدر قلق للسكان، ومن ضمنهم المزارعون الذين تعرضوا لخسائر بآلياتهم الزراعية بسبب الألغام، ومنهم من قُتل متأثرًا بإصابته بها، دون جهود ملموسة لإزالتها من المنطقة.
مطلع تشرين الثاني الحالي، انفجر لغم أرضي بسيارة زراعية جنوب مدينة طفس غربي درعا في أثناء جني محصول الرمان، ما أسفر عن أضرار مادية لمالك السيارة الزراعية التي يقدر سعرها بنحو 200 مليون ليرة سورية (نحو 14 ألف دولار أمريكي).
وسبق ذلك بيوم واحد انفجار لغم أرضي استهدف آلية زراعية (تركس) في أثناء العمل على تنظيف أرض زراعية في بلدة الكرك شرقي درعا ما أسفر عن تدميرها دون خسائر بشرية، بحسب ما أفاد مراسل عنب بلدي في درعا.
وتكررت حوادث انفجار الألغام خلال الخمس سنوات الماضية بعد سيطرة النظام على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز 2018، ولم تمشط قوات النظام السوري المناطق الملوثة بالألغام بحسب شهادات من السكان استطلعتها عنب بلدي.
وبحسب تقرير أصدره المركز “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان“، فإن سوريا تعرضت لتلوث شديد بالألغام الأرضية، “نتيجة الحرب التي بدأت في 2011″، قُتل فيها 2637 مدنيًا، بينهم 605 أطفال و277 امرأة، جراء انفجار الألغام بين آذار 2011 وآذار 2020.
محمد كيوان استأجر أرضًا زراعية في محيط بلدة جلين غربي درعا حيث كان يتمركز قبل سنوات تنظيم “الدولة” الذي نشر ألغامًا في أرجائها، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
وأضاف محمد (40 عامًا) أنه ما زال يتخوف من انفجار الألغام، خاصة خلال مرحلة الحراثة أو تحميل المحاصيل بسيارات زراعية، حين تدخل السيارات إلى الحقل الزراعي.
مالك الأرض نفسها استعان بوحدات هندسة تابعة لـ”الفرقة الرابعة” في قوات النظام قبل سنوات لتمشيط أرضه البالغة مساحتها 15 دونمًا مقابل أجر مالي، بحسب محمد، لكنه ما زال يتخوف من انفجار الألغام خلال عمله فيها.
المزارع قال لعنب بلدي، إن المعاناة بدأت عام 2018 عندما بدأ العاملون على جرارات الحراثة والحصادات برفض العمل في المناطق التي كانت خطوطًا للتماس بين الجهات العسكرية، خوفًا من انفجار ألغام خلال عملهم فيها.
على عاتق الأهالي
“أبو الفداء السكري” هو أحد وجهاء الريف الشرقي ومن سكان بلدة الكرك، قال لعنب بلدي، إنه منذ سيطرة النظام على الجنوب السوري في تموز 2018، لم تنشط أي جهة في إطار نزع الألغام، ولم تجرِ أي عملية تمشيط للمنطقة سواء من قبل وحدات الهندسة التابعة لجيش النظام السوري، أو من المنظمات الدولية المتخصصة.
واقتصرت مكافحة آثار المعارك هذه، بحسب السكري، على رصدها من قبل السكان المحليين، لكن خطرها يبقى مدفونًا تحت طبقة ترابية طالما لم يتمكن المدني أو المزارع من رصدها.
قيادي في فصيل محلي بمدينة طفس غربي درعا، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي إن التعامل مع الألغام لم يكن منظمًا عبر جهات مختصة، إنما تعمل بعض الفصائل المحلية على تفجير الألغام المرصودة إذا اكتشفها المزارعون أو الرعاة في حين يبقى الخطر مستمرًا بالنسبة للألغام المخفية.
عسكري منشق عن قوات النظام يقيم في ريف درعا الغربي قال لعنب بلدي، إن الخطورة تكمن بأن الألغام زرعت بطريقة عشوائية أي دون خرائط تحدد أماكن وجودها حتى تجري إزالتها لاحقًا.
وانخرطت العديد من الجهات بزرع الألغام في المنطقة، منها النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وفصائل المعارضة السورية التي كانت تسيطر على المنطقة قبل عام 2018، ولم تنظّم أي جهود من قبل وحدات الهندسة لتفكيكها إذ يحتاج التعامل والكشف عن الألغام لخبرات وأجهزة غير متوفرة لدى السكان، بحسب السكري.
العسكري الذي عمل سابقًا كمقاتل في فصائل المعارضة المحلية بالمنطقة، أضاف أن خطر الألغام سيبقى مستمرًا ما لم يحدث تمشيط منظم للمناطق التي شهدت معارك خلال السنوات الماضية.
وميّز العسكري المنشق الألغام بثلاثة أنواع، أولها الفردي المخصص لأفراد المشاة والآليات التي يتجاوز وزنها 15 كيلوغرامًا، ويتسبب بإعاقة دائمة ينتج عنها قطع الأطراف في معظم الأحيان.
والنوع الثاني ألغام مخصصة للآليات الثقيلة أو ما يعرف عسكريًا باسم (لغم دبابة)، ويحتاج هذا النوع إلى أوزان ثقيلة حتى ينفجر، وأضاف العسكري أن هذه النوعية من الألغام أسفرت عن تفجير جرارات وسيارات زراعية والإصابة بها تعتبر أخطر من سابقها بالنسبة للأفراد.
وإلى جانب النوعين السابقين، تنتشر في المنطقة مخلفات القنابل العنقودية غير المنفجرة التي خلفها قصف النظام وروسيا للجنوب السوري قبيل سيطرتهما على المنطقة، ويمثل هذا النوع خطورة وخاصة على الأطفال.
ألغام زرعت حديثًا
أرجع القيادي المحلي بمدينة طفس انفجار الآليتين الزراعيتين قبل أيام بريف درعا الغربي إلى ألغام زرعت حديثًا خلال المعارك التي شهدها جنوب مدينة طفس في آب الماضي بين قوات النظام وفصائل محلية اتهمت بالتستر على أشخاص مطلوبين بتهمة الانتماء لتنظيم “الدولة”.
القيادي المحلي أضاف أن محافظة درعا لم تستقر بعد سيطرة النظام عليها بدعم روسي- إيراني، وشهدت معارك جانبية بين الفصائل وقوات النظام وتنظيم “الدولة” كما حدث في مدينة جاسم في تشرين الأول 2022، ودرعا البلد في تشرين الثاني من العام نفسه.
وحاول النظام اقتحام مدن طفس وجاسم ودرعا البلد، ما خلق حالة من عدم الاستقرار وإعادة زرع ألغام جديدة في محيط هذه المدن.
ولم يقتصر خطر الألغام على المناطق الزراعية، إنما شملت المدن والمدارس، إذ سبق وسجلت المنطقة حالات لانفجار ألغام، أو قذائف من مخلفات القصف، أصابت عددًا من الأطفال.
وأصيب، في 1 من تشرين الثاني الحالي، الشاب وليد المسالمة بجروح وصفت بالخطيرة جراء انفجار لغم قرب منطقة الضاحية غربي مركز مدينة درعا.
وكانت الحادثة الأبرز هي مقتل أربعة أطفال بانفجار لغم في الحي الغربي من بلدة نصيب في كانون الأول من عام 2019.
وفي تشرين الثاني 2022، قتل طفل وأصيب خمسة آخرون بانفجار جسم من مخلفات الحرب كان يلعب فيه الأطفال بحي المنشية بمدينة درعا البلد.
ويتخوف السكان وخاصة في مناطق كانت خطوطًا للجبهات سابقًا من وجود ألغام، إذ يرفض بعضهم العمل فيها، في حين يجبر المزارعون على العمل في أراضيهم الزراعية، رغم مخاطر وجود ألغام لم تتعامل حكومة النظام السوري معها بشكل جدي.
–