ماذا حققت “التسويات” في دير الزور بعد عامين على إطلاقها
دخلت عمليات “التسوية” في مدينة دير الزور عامها الثالث، إذ انطلقت في 14 من تشرين الثاني 2021، في “الصالة الرياضية المدنية” وسط مدينة دير الزور.
وشملت “التسوية” الخاصة بأبناء محافظة دير الزور المدنيين المطلوبين للنظام السوري والعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، “من لم تتلطخ أيديهم بالدماء”.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، فإن قرار “التسوية” ينص على أن تكون الخدمة العسكرية للعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية ضمن محافظات المنطقة الشرقية.
وبعد دخول “التسوية” شهرها الثالث، نقلت الوكالة في خبر منفصل عن انضمام أكثر من 26 ألفًا ممن شملتهم التسوية الخاصة بالمحافظة.
في حين نقل موقع “دير الزور 24” أن أعداد المنضمين كانت “قليلة” وأغلبهم من كبار السن وذوي الإعاقة.
واعتقلت قوات النظام عددًا ممن توجهوا لملء استمارات “التسوية”، التي يحصل بموجبها المتقدم على بطاقة تُسقط عنه التهم الموجهة له بحمل السلاح، أو الانشقاق عن قوات النظام، بحسب الموقع.
بدورها، أبدت “الإدارة الذاتية” (الهيئة المدنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) لشمال شرقي سوريا رد فعل احترازيًا تجاه “التسوية”، وأغلقت المعابر النهرية الواصلة بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة النظام، وأصدرت قرارًا هددت فيه موظفيها بالفصل في حال إجراء مصالحة أو “تسوية” مع النظام والمليشيات التابعة له، ضمن عملية “التسوية” التي يروج لها النظام في محافظة دير الزور شرقي سوريا.
تجارب مختلفة
تحدثت عنب بلدي مع عدة أشخاص ممن انضموا إلى “التسوية”، وكان منهم “أيمن”، وهو من أبناء مدينة دير الزور، ونزح إلى مدينة الحسكة بعد قصف المدينة من قبل قوات النظام.
وقال أيمن (اسم مستعار، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إنه على الرغم من القوى المختلفة (تنظيم “الدولة الإسلامية” و”قسد”)، التي سيطرت على المدينة، غير أنه لم يخرج منها.
وأوضح أن سبب انضمامه إلى “التسوية” المخصصة للمحافظة كان امتثالًا لطلب والدته، التي أقنعته بالقدوم خوفًا من تمدد النظام في مناطق سيطرة “قسد”، وبعد تسلمه بطاقة “التسوية”، عاد إلى مناطق سيطرة “قسد” في الحسكة.
وأصدر “المجلس التشريعي” في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” بدير الزور، في 17 من تشرين الثاني 2021، قرارًا اطلعت عليه عنب بلدي، ينص على الفصل النهائي بحق كل موظف يجري “التسوية” مع قوات النظام، ومنعه من العمل نهائيًا في كل مفاصل “الإدارة” والمنظمات العاملة في المنطقة.
وجاء القرار بعد “تسوية” أجراها العضو السابق في “المجلس التشريعي” التابع لـ”قسد” في محافظة دير الزور، خلف الأسعد، الذي شغل منصب عضو في مجلس الشعب السوري قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، ولاحقًا منصب مدير العلاقات العامة في تنظيم “الدولة الإسلامية”.
“نور” (اسم مستعار، تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، موظف في مديرية الكهرباء، وهو من أبناء مدينة دير الزور، نزح إلى ريف المحافظة بعد قصف النظام للمدينة.
وقال إنه عمل موظف كهرباء في مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية” بريف دير الزور خلال سيطرته على المنطقة، وبعد “تسوية” وضعه في “الصالة الرياضية”، عاد إلى وظيفته في المدينة، “دون أن يعترض طريقه أحد”.
وبالمقابل، قال حجاب (تحفظ على ذكر اسمه بالكامل لأسباب أمنية) لعنب بلدي، وهو شرطي من ريف دير الزور الشرقي انشق عن النظام عام 2012، إنه سمع عن “التسوية” من أصدقائه، وعند ذهابه إلى “الصالة الرياضية” حولته اللجنة التي حققت معه إلى فرع “الأمن السياسي”.
وبقي حجاب في السجن لمدة 45 يومًا، بتهمة فقدانه سلاحه عند انشقاقه في مدينة إدلب، ما أجبر عائلته على دفع مبالغ “طائلة” حسب قوله، خشية تصفيته داخل الفرع.
وقال حجاب، إنه اضطر لدفع غرامة مالية عند إخلاء سراحه لفقدانه السلاح، مع طرده من الشرطة المدنية دون تعويضات، على عكس ما حدثه أصدقاؤه عن “التسويات”.
أما خالد (تحفظ على ذكر اسمه بالكامل لأسباب أمنية) فقال لعنب بلدي، إن شقيقه عواد (33 عامًا) كان عنصرًا في صفوف “الجيش الحر”، وفي طريقه لإجراء “تسوية”، اعتقلته قوات النظام عند حاجز في بلدة المريعية، التي تبعد عن مدينة دير الزور حوالي 10 كيلومترات.
وأضاف خالد أن شقيقه في سجن “صيدنايا” منذ أيلول 2022 بتهمة “تلطخ يديه بالدماء”، دون السماح بزيارته أو معرفة مصيره، رغم كل المحاولات مع مسؤولين من جيش النظام.
علي الملحم، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي، إنه كان يعمل عضو استخبارات مع “قسد” منذ بداية سيطرتها على المنطقة في 2019، في سجن بـ”حقل العمر”.
وألقت “قسد” القبض على علي في 2022، بتهمة تهريب عناصر يتبعون لتنظيم “الدولة الإسلامية” من السجن.
وعقب خروج علي من السجن في العام الحالي، أجرى “تسوية” مع النظام في مدينة دير الزور.
وبعد ذلك ألقت قوات النظام القبض على علي عند مروره من حاجز “البانوراما”، الواقع على طريق دير الزور- دمشق، لأن بحقه مذكرة بحث من القضاء السوري، ولا يملك ورقة “كف بحث”، رغم امتلاكه بطاقة “التسوية”، حسب قوله.
وخرج علي من السجن بعد وساطة أقربائه ودفع مبلغ قدره 50 مليون ليرة سورية.
“غير مضمونة”
استطلعت عنب بلدي آراء عدد من الأشخاص غير المطلوبين للنظام السوري من مدينة دير الزور بشأن “التسوية”.
وقالوا إنهم غير مطلوبين ولكنهم على معرفة بأشخاص أجروا “تسوية” ولم يُعتقلوا وعادوا إلى عملهم، ومن كان فارًا من الخدمة العسكرية عاد لأدائها ضمن المدينة.
إلا أن الأهالي لا يضمنون أن كل من أجرى “تسوية” لن تلاحقه “الدولة”، وقالت إحدى السيدات (تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية)، إن هناك من تعرفهم يدفعون نقودًا كل شهر أو شهرين لضباط “التسوية”، بسبب تهديداتهم المستمرة بالاعتقال.
التسوية و”قسد”
أغلقت “قسد” معابرها المائية الرسمية التي تصل مناطق نفوذها بمناطق نفوذ قوات النظام السوري شمال شرقي سوريا والممتدة على نهر “الفرات”، بالتزامن مع عمليات “التسوية” التي تجريها الأخيرة في محافظة دير الزور.
وقالت وكالة “سبوتينك” الروسية، إن “قسد” أغلقت المعابر بعد “الإقبال الكبير لأبناء المحافظة وريفها، من الفارين من الجيش والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية والمطلوبين من رجال ونساء، لتسوية أوضاعهم الأمنية”.
وروج النظام لـ”التسوية” في دير الزور من خلال شيوخ عشائر معروفة في المنطقة، منهم شيخ قبيلة “البكارة” نواف البشير، وشيخ عشيرة “البوسرايا” مهنا الفياض.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ قال في حديث لعنب بلدي، إن “التسويات” التي أطلقها النظام في دير الزور عام 2021 كانت بالدرجة الأولى استجابة لمشروع “المصالحة الوطنية” الذي يتبناه الجانب الروسي.
وأضاف أن النظام حاول استخدام “التسوية” لاختراق مناطق سيطرة “قسد” عبر احتمالية تجنيد المصالحين من المدنيين المقيمين في تلك المناطق، كما روّج من خلالها لاستمرارية وجوده في المنطقة بعد انسحابه منها لسنوات، والتأكيد على قرب، أو على الأقل احتمالية عودته إلى المنطقة.
واعتقد النظام أن هذا سيشكل حالة من الخوف لدى سكان المنطقة، ما سيدفعهم للتراجع عن العمل والتعامل مع المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ”قسد” و”الإدارة الذاتية”، حسب شواخ.
اقرأ أيضًا: عبدي يطمئن أهالي دير الزور بشأن التفاوض مع النظام السوري
ويرى الباحث أن محدودية الأعداد التي استجابت لهذه المبادرة تؤشر على عدم نجاح النظام إلى “حد كبير” في تحقيق أهدافه من هذه العمليات، إذ لم يلاحَظ تزايد لأنشطة الخلايا التابعة للنظام في مناطق سيطرة “قسد” التي استهدفتها المصالحات وخاصة مناطق الرقة والطبقة ومنبج.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في دير الزور عبادة الشيخ.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :