سوريا.. ما وراء إلزام أصحاب المهن بتسلم المدفوعات إلكترونيًا
أقر مجلس الشعب مشروع قانون يلزم أصحاب المهن المرخصة باستيفاء مطالباتهم المالية من قبل الزبائن عبر الحساب المصرفي، وهو ما يشكل خطوة نحو مراقبة حركة النقود في القطاع الخاص، وإثبات ما يفرض على أصحاب الفعاليات من ضرائب حكومية.
ويلزم القانون، الصادر في 31 من تشرين الأول الماضي، المكلف بناء على طلب الزبون باستيفاء مطالباته المالية مقابل السلع أو الخدمات أو الأنشطة المقدمة من قبله عبر حسابه المصرفي بإحدى أدوات الدفع الإلكترونية التي يختارها العميل، ويمكن السداد نقدًا في حال عدم توفر أداة دفع إلكترونية لديه.
كما ألزم القانون الجديد طالب الترخيص لأي مهنة وطالب الانتساب أو الاشتراك بالنقابات والاتحادات والجمعيات والمؤسسات الخاصة، وطالب الترخيص الإداري، وطالب تسجيل أو نقل أي نوع من أنواع الملكية المنقولة وغير المنقولة في السجلات الرسمية، بفتح حساب لدى أحد المصارف العاملة.
وتطبق إلزامية فتح حساب بنكي أيضًا في حال تجديد الترخيص أو التسجيل أو الاشتراك أو الانتساب الذي تم قبل نفاذ هذا القانون.
ووفقًا للقانون، تحدد القطاعات والمهن أو الأعمال التي تخضع لأحكامه بالتنسيق مع “الجهات المعنية” بقرار من رئيس مجلس الوزراء وفق خطة زمنية تدريجية بناء على اقتراح “مصرف سوريا المركزي”، الذي يحدد الحدين الأعلى والأدنى من المبالغ التي يمكن استيفاؤها باستخدام أدوات الدفع الإلكترونية.
من المستفيد
أوضح وزير المالية في حكومة النظام السوري، كنان ياغي، أن القانون يلزم أصحاب المهن والفعاليات بتقديم خدمة الدفع الإلكتروني للزبون عن طريق حيازتهم جهاز الدفع الإلكتروني (POS).
وبرر ياغي أسباب صدور هذا القانون بأنه يخفف إلى “حد كبير من أعباء طباعة النقد ويقلل تكاليفها، ويسهم في ضبط ومراقبة حركة النقود خارج القطاع المصرفي وتخفيف حالات الازدحام على الصرافات الآلية”.
الباحث الاقتصادي والمستشار في منظمة “تشاتام هاوس” زكي محشي، أوضح لعنب بلدي ميزات وفوائد الدفع الإلكتروني بالنسبة للاقتصاد، منها السيطرة أكثر على المعروض من الكتلة النقدية، وتوفير مصاريف استبدال المهترئ من النقود، ومصاريف طباعتها ونقلها وتخزينها، والتحكم أكثر بالسجل التجاري عند الأشخاص العاملين داخل الاقتصاد.
ويفيد الدفع الإلكتروني بالحد من التهرب الضريبي، والتخفيف من الأثر السلبي للعملة المزورة، بحسب الباحث السوري، الذي استدرك موضحًا أن هذه الفوائد يمكن أن يحققها أي اقتصاد معافى وسليم على عكس وضع الاقتصاد السوري.
أما بالنسبة للأسباب التي تدفع الحكومة لتطبيق هذا القانون فيرى الباحث أن النظام يمكن أن يحاول الاستفادة من الميزات المذكورة بالنسبة للدفع الإلكتروني، لكنه أضاف احتمال وجود أسباب أخرى تتعلق بـ”رأسمالية المحاسيب” أو شركات الدفع الإلكتروني التي ستكون مسيطرة على السوق بعد طرح قانون كهذا، وهو ما يمكن أي يجلب أرباحًا كبيرة ضمن هذا القطاع.
وكثيرًا ما ترتبط قرارات وقوانين حكومية متعلقة بخدمات محلية باستفادة رجال أعمال مقربين من حكومة النظام كواجهات لشركات خاصة، مثل قرارات وزارة التجارة وحماية المستهلك خلال الأشهر الماضية برفع أسعار المحروقات، وهو ما يصب في مصلحة شركة “البوابة الذهبية” المفوضة بشكل مشترك مع شركة “محروقات” ببيع المشتقات النفطية للمنشآت الصناعية.
وتمتلك عائلة قاطرجي التي تعد من أثرياء الحرب الجدد المقربين من النظام السوري شركة “البوابة الذهبية”، كما لها عدة استثمارات كبرى في الاقتصاد السوري.
الحاجة إلى بنية تحتية
صرح وزير المالية، كنان ياغي، تعليقًا على مشروع القانون أن البنية التحتية اللازمة لتطبيق الدفع الإلكتروني في حالة “جهوزية عالية” بالنسبة للمصارف العاملة، لناحية قابليتها فتح “أعداد كبيرة” من الحسابات المصرفية، وتقديم خدمات مصرفية “مستقرة وشاملة” ووسائل النفاذ المالي للحساب المصرفي، وتطوير أدواته الرقابية والأطر التنظيمية والتشغيلية لها.
الباحث الاقتصادي زكي محشي شكّك بمصداقية تصريحات وزير المالية بما يخص استعداد البنية التحتية للبنوك للدفع الإلكتروني لعدة أسباب، منها عدم وجود نظام حماية قوي للدفع الإلكتروني، مشيرًا إلى أن موضوع “الأمن الإلكتروني” المتصل بالدفع الإلكتروني هو موضوع عالمي، وأن الدول المتقدمة تضع مليارات الدولارات شهريًا لحماية منظومات الدفع الإلكتروني، مستبعدًا قدرة حكومة النظام على تأمين هذه المبالغ لحماية أو تلافي أي ثغرات أمنية تخص الدفع الإلكتروني.
وأفاد المستشار في منظمة “تشاتام هاوس” بأن لنجاح خطوة كهذه يجب وجود علاقة من الثقة بين السكان والمؤسسات الحاكمة من جهة، وبين السوريين والعملة الوطنية من جهة أخرى، لكنها غير موجودة.
واعتاد أصحاب الأعمال التهرب الضريبي لعدم ثقتهم بالمؤسسات الحاكمة، إذ إن أموال الضرائب تذهب إلى أماكن لا تفيد السكان، كما يخشى من يراقب تدهور قيمة العملة السورية والانهيار بسعر الصرف من وضع تجميد أمواله في البنك واستمرار نقصان قيمتها.
وانخفضت قيمة العملة المحلية للمرة الرابعة في عام 2023، ليصل السعر الرسمي في 1 من تشرين الأول الماضي إلى 11557 ليرة سورية للدولار الواحد من 8542 ليرة مطلع العام، بينما بلغت 13929 ليرة للدولار في السوق السوداء نهاية تشرين الأول الماضي، لتفقد 53% من قيمتها في عام 2023، و83% في ثلاث سنوات، وفق تقرير برنامج الغذاء العالمي.
ومن موانع نجاح التحول للدفع الالكتروني على نطاق واسع عدم وجود ثقافة الدفع الإلكتروني لدى السوريين، وفق الباحث السوري، الذي أشار إلى إمكانية بناء هذه الثقافة تدريجيًا لكنها تحتاج لوقت طويل.
ولا يزيد من دخل المواطن السوري الشهري المتواضع ما يمكن ادخاره في حساب بنكي أو غيره، إذ إنه بالكاد يكفي مصاريف الشهر الأساسية، وفق الباحث الاقتصادي، وهو يضيق من استخدام الدفع الالكتروني من الشريحة الأوسع من السكان للتعاملات البينية بين قطاعات الأعمال.
وقبل مشروع القانون الصادر نهاية تشرين الأول الماضي، عدّلت وزارة المالية معايير تصنيفها لكبار ومتوسطي المكلفين بالضريبة على الدخل بالاستناد إلى مبلغ العمل والأرباح الصافية، اعتبارًا من أعمال 2023 وما بعده.
مطلع عام 2021، أعلنت وزارة المالية عن تشكيل لجنة جديدة “لدراسة النظام الضريبي ومراجعة التشريعات الضريبية، واقتراح التعديلات التشريعية في السياسة الضريبية”.
وكان الهدف الأساسي من تشكيل هذه اللجنة، إعادة دراسة النظام الضريبي السوري بشكل كامل، والعمل على تحقيق العدالة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي، وتحقيق الإيراد المناسب لعمليات الإنفاق.
وفي تقرير نشرته صحيفة “البعث” الحكومية، في 3 من كانون الثاني 2022، بعنوان “بعد عام على تشكيلها.. هل حققت لجنة تطوير نظامنا الضريبي وتشريعاته أهدافها”، قال خبراء ماليون (لم تذكر أسماءهم)، إن النظام الضريبي في سوريا يفتقد لمقومات النظام الضريبي العادل التي من أهمها العدالة، والملاءمة، والوضوح، والاقتصاد في نفقات الجباية.
وأكّد التقرير أن الضرائب والرسوم المفروضة سابقًا والتي تُفرض حاليًا، تشكّل عبئًا كبيرًا على كثير من أصحاب الأعمال المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :