أزمة إعلام وليست مجرد “SEO”

  • 2023/11/05
  • 11:26 ص
الصحفي السوري علي عيد

الصحفي السوري علي عيد

علي عيد

تعترف وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم بتراجع نسبة المتابعة من قبل الجمهور، ما يطرح تساؤلًا حول الحلول، طالما أن الجميع يدرك الأسباب.

خلقت ثورة التكنولوجيا الرقمية تحديات كبيرة أمام وسائل الإعلام خلال العقدين الأخيرين من الألفية الثالثة، وزاد في التحديات الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي (artificial intelligence) واحتمالات موجة أخرى للذكاء الاصطناعي الفائق (Super artificial intelligence)، وما تحمله الأخيرة من تطور متوقع.

بدأت وسائل الإعلام والبحث الإعلامي بالتفكير في كيفية استثمار تحدي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتطوير الأدوات من جهة، وإعادة صياغة المضمون في عصر المشاع الإخباري والصحافة التفاعلية وصحافة المواطن التي مكّنت الناس من البث والتأثير والمشاركة في صناعة الأحداث والتاريخ.

تصرف كثير من وسائل الإعلام، خصوصًا العربية، قدرًا بالغًا من الجهود في “تحسين محرك البحث” (Search Engine Optimization)، ظنًا أن المنافسة هناك، وهي لا شك عملية مهمة للوصول، في حين أن الأهم يقع في مكان آخر، وهو كيف نعيد صياغة العملية الإعلامية، التي تحدث عنها جان شيفر (Jan Schaffer) في عرض أكاديمي تحت عنوان “إعادة تخيل الأخبار: من يعيد اختراع الصحافة؟”.

تحدث شيفر في عرضه التدريبي بجامعة “تشابمان” الأمريكية عن نماذج الصحافة الجديدة، والمبادرات، وتحديات الثورة الرقمية، معتبرًا أن الناس لم يعودوا ينظرون إلى المنتج الإعلامي لشرائه، بل يتطلعون إلى الحلول، ويعيشون حياتهم ويواجهون المشكلات، ما يعني أنهم يحتاجون إلى إعلام يتشارك معهم هذه الحياة والمشكلات.

أصبح الإعلام أشبه بأوتوستراد باتجاهين، يلعب فيه الجمهور دورًا لا يقل أهمية عن دور وسائل الإعلام، وعندما يشعر الجمهور أنه ليس جزءًا من هذه العملية سينصرف إلى خيارات أخرى يجد نفسه فيها.

كانت وسائل الإعلام التقليدية تعتمد على مؤسسات دراسات استطلاع الرأي لمعرفة مواطن الضعف والقوة، وتفسير رغبات الجمهور، وسيطرت إدارة التحرير خلال عقود طويلة على مضمون الرسالة والتغطيات، وأكثر ما كان متوفرًا من خيارات أمام الجمهور هو أن يشتري صحيفة بدل أخرى، أو أن يدير مفتاح محطة التلفزيون أو الإذاعة إلى محطة تلبي ولو أقل قدر من رغباته.

لعبت الصحافة لعقود دورًا بارزًا في تحديد التوجهات السياسية والاجتماعية، أما اليوم، فقد دخل العالم إلى البيوت، وهناك خمسة مليارات و400 مليون شخص يحملون هواتف ذكية، يمكنهم أن يبثوا صور الأحداث في جميع أنحاء العالم من كاميراتهم.

وساعدت التطبيقات الرقمية الجمهور في الحكم على المنتجات، فأي شخص يمكنه أن يعطي تقييمًا منخفضًا أو مرتفعًا لمطعم أو طبيب أو منتج يشتريه، كما أن بإمكانه إبداء رأيه السياسي إن لم يكن بشكل مباشر فعبر الانصراف عن متابعة الشأن العام والالتفات إلى من يهتم بقضاياه الشخصية ورفاهيته.

ما سبق يدفع للتفكير أكثر في جودة المحتوى وأساليب العرض، قبل الانشغال في تحسين محرك البحث، فالمنتج الفريد والمبتكر سيجد مكانه في السوق.

يشير تقرير “يونسكو”، “الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام” العالمي 2021- 2022، إلى أن نموذج الأعمال التقليدي لوسائل الإعلام الإخبارية على حافة الانهيار.

ويبرز القلق من ألا يتمكن مجتمع الإعلام الحر من الصمود أمام نماذج لا تراعي المعايير الأخلاقية والمهنية، وتستثمر في الرغبات الفردية والغريزية لعامة الناس لأغراض تجارية، وهو ما يشير إليه تقرير “يونسكو”، كاشفًا عن ضغوط متزايدة يتعرض لها قطاع الإعلام بسبب “فوضى الأصوات الجديدة في مساحة الإنترنت، وخوارزميات الوسطاء الرقميين”.

ويشير التقرير إلى أن ازدياد عدد وسائل الإعلام تسبب في تخفيض أعداد موظفيها أو إغلاق أبوابها بشكل دائم، وأن شركتي “جوجل” و”ميتا” تستحوذان على نحو نصف الإنفاق على الإعلان الرقمي العالمي.

هناك قلق على المستوى العام من تراجع دور الصحافة والإعلام المسؤول، وهو ما يؤثر على حق الناس في المعرفة، وكذلك على مستوى الحريات في العالم، وتبذل كثير من المنظمات والجماعات العاملة في حقل الإعلام جهودًا مضنية لابتكار حلول للتمويل عبر المانحين أو قوانين المنفعة العامة أو البيع بالقطعة، والتطوير التقني بمواجهة الخوارزميات، ما يعني أنها باتت تصرف معظم ميزانياتها ووقت عمل موظفيها للاستمرار على حساب الهدف.

هل يمكن أن يتوصل صانعو المحتوى والسياسات في قطاع الصحافة إلى حلول أكثر نجاعة، هل يمكن أن يبتكروا طرقًا تقربهم أكثر من الجمهور، أم أن الشركات الكبرى ستبقى أمامهم بعشر خطوات، وإذا سلّمنا بأن المنافسة غير عادلة مع قصور القوانين الحمائية، هل يتمكن المنتج الإعلامي المسؤول من استثمار الأدوات وإعادة صياغة الدور.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي