عنب بلدي – يامن مغربي
دخل عناصر من ميليشيا “الإمام الحسين” الإيرانية في اشتباكات جنوبي لبنان ضد قوات إسرائيلية بعدما قدموا من سوريا، بحسب ما قاله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه في “إكس”، في 2 من تشرين الثاني الحالي.
الميليشيا التي أسستها إيران في سوريا، تتكون من قوات شيعية من سوريا والسودان، وقوات “لواء فاطميون” الأفغانية، و”زينبيون” الباكستانية، بالإضافة إلى ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية، و”أنصار الله” اليمنية.
تتمتع هذه الميليشيا (المعروفة أيضًا باسم “حزب الله”) بقدرات قتالية كبيرة، ومع تهديدات إيران وكذلك “حزب الله” وأمينه العام، حسن نصر الله، باحتمالية اتساع جبهة الاشتباكات وانضمام قوات من الحدود بين سوريا والجولان المحتل، وإعلان أدرعي الأخير، يبدو أن هناك استعدادات ممكنة بالفعل لإشعال جبهة جديدة، خاصة مع تزايد عنف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
وشهدت جبهة الجولان هدوءًا طويلًا منذ اتفاقية فك الاشتباك الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي في عام 1974، وباستثناء حوادث متفرقة طيلة 50 عامًا، لم تشكل الحدود السورية مع الجولان أي مخاطر تُذكر.
لكن الأوضاع الحالية قابلة للتحول من عملية عسكرية إسرائيلية ضد قطاع غزة، ومناوشات وقصف متبادل ضمن “قواعد الاشتباك” على الجبهة اللبنانية، إلى حرب إقليمية واسعة، تضم الجبهة السورية عبر ميليشيات إيرانية.
قصف “رفع عتب” من الجولان على إسرائيل
نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريرًا في تموز الماضي، قالت فيه إن إيران جمّعت وحدة مدججة بالسلاح في سوريا تضم آلاف المقاتلين من جميع أنحاء المنطقة، قادرة على شن هجمات على القوات الأمريكية والإسرائيلية المجاورة، وفقًا لوثيقة قالت المجلة إنها اطلعت عليها عبر عضو في وكالة استخبارات لدولة متحالفة مع إيران.
وبحسب “نيوزويك”، فإن الفرقة التي حملت اسم “فرقة الإمام الحسين” هي القوة المقاتلة “الأكثر نخبوية” لـ”فيلق القدس” في سوريا، وتتمتع بقدرات قتالية عالية.
وسُلح الفصيل بذخائر موجهة بدقة، وطائرات دون طيار هجومية وتجسسية، إلى جانب مجموعة واسعة من الأسلحة الخفيفة، وسبق أن نفذت الفرقة وابلًا مكثفًا من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي ضربت الحامية العسكرية الأمريكية في قاعدة “التنف” الأمريكية جنوب شرقي سوريا عام 2021، بحسب المجلة.
ورغم هذه الإمكانيات التي تمتلكها ميليشيا “الإمام الحسين”، واشتداد المعارك برًا وجوًا في قطاع غزة، فإن الجبهة اللبنانية لم تشهد حتى لحظة تحرير هذا التقرير تجاوزًا لقواعد الاشتباك.
وفي المقابل، وبرغم الاشتباكات المحدودة، فإن توسع الجبهة تبعًا للتغيرات العسكرية والسياسية في المنطقة أمر وارد الحدوث، ما يعني إمكانية استخدام إيران للجبهة السورية ولو بشكل محدود.
الكاتب والباحث السوري مروان فرزات، قال لعنب بلدي، إن إيران تسيطر بشكل كامل على المنطقة الحدودية بين سوريا وفلسطين المحتلة، والهدف الرئيس من وجود ميليشيا “الإمام الحسين” هو الإمساك بزمام القرار العسكري ببدء المعركة أو عدم الانخراط.
واستهدفت مدفعية جيش الاحتلال الإسرائيلي مواقع متفرقة جنوبي سوريا بين محافظتي درعا والقنيطرة، على خلفية قذائف انطلقت من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل في 11 من تشرين الأول الماضي.
كما قصفت، في 28 من تشرين الأول الماضي، منطقة محاذية لتل الجموع العسكري، وهو مصدر القصف الصاروخي الذي انطلق باتجاه الأراضي المحتلة خلال الفترة الماضية.
وفق فرزات، فإن القصف من الأراضي السورية عبارة عن مناوشات بسيطة، بإمكانية فتح الجبهة السورية.
القرار بيد إيران لا النظام
في تقرير نشره موقع “إيران إنترناشيونال” الإيراني المعارض لنظام الحكم في طهران، قال إن “لواء الإمام الحسين” يُعرف باسم “حزب الله السوري”، وهو أكبر ذراع تنفيذية للنظام الإيراني في سوريا.
ويعتبر هذا الفصيل واحدًا من أكبر الوحدات العسكرية متعددة الجنسيات في “الحرس الثوري الإيراني”، والتي أنشأها قائد “فيلق القدس” السابق، قاسم سليماني، عام 2016، بزعم محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، لكن هذه الميليشيات عملت كمظلة لتنفيذ أنشطة إيران في سوريا.
وتفتح الإمكانيات العسكرية لـ”الإمام الحسين”، ومناطق وجوده، إمكانية استفادة إيران من الظروف الحالية، عبر توسيع جبهات الاشتباكات مع إسرائيل، وذلك عبر نقطتين، الأولى إمساكها بالمنطقة الجنوبية لسوريا، والإمكانيات العسكرية الموجودة هناك.
وفق فرزات، فإن إيران أبلغت النظام السوري بعدم التدخل بالمعركة، ووصلت بالفعل قيادات من “الحرس الثوري الإيراني” إلى جنوبي سوريا.
المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة قال لعنب بلدي، إن إيران تستخدم الميليشيا لا لمهاجمة إسرائيل بقدر ما تسعى لتحقيق مكاسب بعيدة المدى في سوريا ولبنان والعراق تحت شعار “طريق القدس”، وهو طريق لم يفعّل بعد قرابة الشهر على معارك غزة، بحسب رأيه.
وشهدت المناطق الحدودية بين سوريا وفلسطين المحتلة منذ “حرب تشرين” عام 1973، ومن ثم اتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974، هدوءًا لعقود طويلة، لم يتخللها سوى حوادث متفرقة خلال السنوات الأخيرة، بعد الاضطرابات الأمنية في المنطقة عقب الثورة السورية في 2011.
الباحث مروان فرزات أشار، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن النظام السوري لا يعارض سيطرة إيران الحالية على المنطقة الحدودية ونشر ميليشياتها فيها، إلا أن خسارته لورقة الحدود تعني أن قرار الحرب والسلم لم يعد بيده، وهي نقطة مهمة للغاية على الصعيد الاستراتيجي والسياسي والعسكري على المدى الطويل.
يبلغ عدد المواقع العسكرية الإيرانية 44 موقعًا في درعا و33 في القنيطرة و15 في السويداء، وفق تحليل بحثي أجراه مركز “جسور للدراسات” بالتعاون مع مؤسسة “إنفورماجين لتحليل البيانات”.
ومنذ بداية الثورة السورية في 2011، سعت إيران إلى تشكيل كيانات عسكرية محلية، لتكوين مجموعات رديفة لقوات النظام، وتمكنت من تجنيد الشبان، ومن أبرز التشكيلات في الجنوب السوري “فوج الجولان” المرتبط بـ”حزب الله”، وانتشرت هذه المجموعات في المناطق القريبة من الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل.
موسكو بين المعارضة والقبول
في 1 من تشرين الثاني الحالي، أفاد مراسل عنب بلدي في القنيطرة بعودة دوريات روسية إلى الجنوب السوري بعد غياب استمر لأكثر من عام، وتجولت الدوريات جنوبي القنيطرة، بين بلدة المعلقة وغدير البستان بالقرب من سرية “الصفرة” التابعة لـ”اللواء 90″ التابع للنظام جنوبي المحافظة.
وغابت الدوريات الروسية عن المنطقة بشكل فاعل منذ أكثر من عام، إذ أخلت الشرطة العسكرية الروسية نقطة “التلول الحمر” شمالي المحافظة منتصف 2021، ولم تعد إلى المنطقة منذ ذلك الحين، في حين عادت وأجرت جولتين في المنطقة نفسها.
تشير عودة الدوريات إلى سعي روسي للوجود في منطقة الجنوب السوري، بالتوازي مع تصاعد عمليات العنف على قطاع غزة، واحتمالية توسع الجبهة اللبنانية، وفتح الجبهة السورية في وقت لاحق.
وتملك كل من روسيا وإسرائيل تفاهمات عسكرية وأمنية خاصة بالجنوب السوري، إلا أن تخلي روسيا عن مواقعها في المنطقة خلّف فراغًا أمنيًا استغلته إيران لاحقًا.
اتخذت روسيا موقفًا مخالفًا لمواقف الدول الغربية من الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، لكن هذه المواقف لا يعني أن تسمح بفتح جبهة موسعة من الجنوب السوري، حتى مع الوجود الكبير لميليشيا “الإمام الحسين”.
ووفق المحلل العسكري العقيد أحمد حمادة، فإن العلاقات القوية بين موسكو وتل أبيب، ستدفع روسيا لعدم السماح لميليشيا “الإمام الحسين” بضرب مواقع إسرائيلية.
في حين يرى الباحث مروان فرزات أن أي جبهة تُفتح تعني تخفيف الضغط على موسكو في حربها ضد أوكرانيا، كما يمكن أن تستثمر هذه التحركات مستقبلًا لتحسين ظروفها السياسية وعقد صفقات مع الدول الغربية.