عنب بلدي – اللاذقية
زيارة واحدة إلى أحد محال السجاد ذي النوعية المتوسطة في اللاذقية، كانت كافية لتمحو من ذهن عايدة (50 عامًا) فكرة شراء سجادة جديدة قبل بدء الشتاء، كبديل عن سجادة “صالون” منزلها التالفة، والتي تستخدمها منذ أكثر من عشر سنوات.
وقالت عايدة، إن أقل ثمن لسجادة بطول ثلاثة أمتار وعرض ثلاثة (يطلق عليها ستاوية) بلغ 800 ألف ليرة (56 دولارًا أمريكيًا)، مشيرة إلى أنها تحتاج إلى اثنتين على الأقل لتغطية مساحة “صالون” منزلها بالكامل، أي أنها مضطرة لدفع مليون و600 ألف ليرة، وهو ما يعادل راتبها لمدة ثمانية أشهر.
فكرت السيدة أن تستعيض عن السجاد بـ”الموكيت” الذي يفترض أنه أقل ثمنًا، إلا أن سعر المتر الواحد منه بلغ 160 ألف ليرة وهو أدنى سعر حصلت عليه خلال رحلة بحثها الطويلة التي شملت سوقي الصليبة والزراعة في المدينة.
وعادت السيدة إلى منزلها خائبة، وهي تنوي إمضاء هذا الشتاء مع سجادتها القديمة، ومحاولة إصلاح آثار الزمن عليها.
كارثة لمتضرري الزلزال
محمد (38 عامًا)، الذي خسر منزله مع كامل فرشه في زلزال شباط الماضي، بات بحاجة إلى فرش بيت كامل من السجاد، إذ إن لديه توأمًا صغيرًا لا يزال في مرحلة الحبو، وفرش المنزل بالسجاد ليس خيارًا بل ضرورة.
لم يستطع الشاب الذي يعمل موظفًا حكوميًا، وسائق سيارة أجرة (تاكسي) بعد الظهر، شراء سوى سجاد يكفي غرفة واحدة، وهو من نوع “الموكيت”، دفع ثمنه 700 ألف ليرة، على أمل أن يدخر لاحقًا مبلغًا آخر لشراء سجاد لغرفة المعيشة، بينما منحته والدته سجادة قديمة ليستخدمها، ريثما يستطيع شراء البديل.
أسعار السجاد ارتفعت كثيرًا عما كانت عليه العام الماضي، حين كان ثمن السجادة “الستاوية” لا يتجاوز الـ300 ألف ليرة، وسعر متر “الموكيت” يبدأ من 50 ألف ليرة.
وعادة ما كانت فترة آخر الموسم جاذبة للزبائن، إذ تكثر فيها العروض على المستلزمات الشتوية، لكن منذ عدة سنوات، وتحديدًا منذ عام 2019، اختفت هذه العادة، نتيجة استمرار التضخم، فالتاجر بات يدرك بحكم التجربة أن الأسعار سترتفع العام المقبل، لذا فإن ادخار ما يملكه من السجاد أو الملابس سيكون جيدًا لحفظ أمواله عوضًا عن بيعها بسعر أقل.
وتجاوز عدد المتضررين إثر الزلزال في اللاذقية 142 ألف شخص، وسُجلت في المحافظة 805 حالات وفاة، و1131 مصابًا، وعدد المباني المنهارة بشكل كامل وصل إلى 967، إضافة إلى 3833 بناء بحاجة إلى التدعيم والترميم.
غالبية الزبائن من متضرري الزلزال
وصف بائع سجاد في سوق الصليبة باللاذقية الوضع الحالي بالكارثة، وقال إن غالبية زبائنه من متضرري الزلزال، الذين خسروا كل ممتلكاتهم مع منازلهم، وباتوا بحاجة إلى تجهيزات جديدة، مضيفًا أنه يحاول قدر الإمكان مساعدتهم، لكن الأسعار لا ترحم أحدًا لا زبونًا ولا بائعًا، على حد تعبيره.
ويقدّر البائع، الذي رفض ذكر اسمه، تكلفة فرش منزل مساحته 80 مترًا بالسجاد، بنحو 5 ملايين ليرة للأنواع المنخفضة الجودة، وتنخفض التكلفة إلى نحو 3 ملايين و200 ألف ليرة تقريبًا بحال كان الفرش من “الموكيت”، لافتًا إلى أن السعر لا يشمل فرش كل الأرضية إنما تغطية الغالبية منها.
الحرامات أيضًا
لا يبدو أن الحرامات السميكة ستكون متاحة أمام غالبية أهالي اللاذقية، إذ سجلت ارتفاعًا قدّره صاحب محل لبيعها في سوق الصليبة بين 150 وحتى 200% عن الموسم الماضي.
ويبلغ ثمن الحرام الشتوي “المجوز” أي لتخت واسع بوجه مخمل، وآخر من الفرو، 500 ألف ليرة، ويرتفع إلى مليون ليرة بحسب نوعه وسُمكه، بينما يصل ثمن حرام “الديكرون” دون مخمل إلى 350 ألف ليرة.
ويبلغ ثمن الحرام “مفرد ونصف” 350 ألف ليرة للمخمل، و250 ألف ليرة لـ”الديكرون” العادي.
في حين تتراوح أسعار الحرامات الصوفية (البطانيات) بين 700 ألف ومليوني ليرة، بحسب نوعيتها وسُمكها.
وتتسبب هذه الأسعار بمعاناة لمتضرري الزلزال، وغالبيتهم من الموظفين الحكوميين، أو ممن يعملون بوظائف بالقطاع الخاص بأجر متدنٍ، لا يتجاوز الـ500 ألف ليرة بأحسن الأحوال، ما دفعهم إلى اللجوء لسوق المستعمل، كما حسام (45 عامًا)، وهو موظف حكومي.
وقال حسام لعنب بلدي، إنه زار سوق “الجمعة”، واشترى حرامي “معونة” بسعر 30 ألف ليرة للواحد.
وليس من الواضح مصدر حرامات “المعونة” الموجودة بكثافة في الأسواق، خصوصًا في سوق “الجمعة”، المعروف بأن كل موجوداته مستعملة أو مسروقة.
وأوضح حسام أنه اشترى من سوق “الجمعة” أيضًا ثلاث سجادات مستعملة بسعر 200 ألف ليرة للواحدة، إضافة إلى عدة أواني مطبخ من “الستانلس ستيل”، كونه خسر كل ما يملكه مع منزله في حي الدعتور إثر الزلزال.
وأضاف أنه حصل على مساعدة إغاثية عقب دمار منزله، مكونة من خمس إسفنجات وخمسة حرامات “معونة”، إلا أنها ليست كافية لأسرته، كما أن حرامات “المعونة” لا يمكن أن تفي بالغرض لوحدها دون وجود حرام آخر معها أكثر سُمكًا.
قرض مثير للسخرية
تمنح المؤسسة السورية للتجارة قرضًا بقيمة خمسة ملايين ليرة سورية للموظفين الذين يرغبون بشراء مستلزمات منزلية من صالاتها، مثل السجاد والحرامات وغيرهما، بفائدة سنوية تبلغ 12% من قيمة القرض.
ويعتبر مواطنون كُثر أن القرض مثير للسخرية، كون قسطه الشهري يصل إلى نحو 100 ألف ليرة ولمدة خمس سنوات، وهو مبلغ يعادل نصف راتب موظف حكومي اليوم.
وصار الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة تقريبًا (ما يعادل 13 دولارًا أمريكيًا)، بعد زيادتها 100% منتصف آب الماضي.
ورغم أن تلك الأسعار تعتبر غير منطقية بالنسبة لغالبية أهالي اللاذقية، فإن الوضع يزداد سوءًا لدى متضرري الزلزال، الذين يبدؤون حياتهم من الصفر تقريبًا، بعد أن خسروا كل ما يملكونه إثر الزلزال.