تتواصل الاشتباكات على الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تستهدف إسرائيل مقاتلين من “حزب الله” اللبناني، وآخرين من فصائل قالت إنها قدمت من سوريا.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفذ غارات واسعة النطاق لتدمير أهداف عسكرية تابعة لـ”حزب الله” اللبناني ردًا على صواريخ أطلقت من الأراضي اللبنانية مساء أمس.
ونشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، عبر “إكس” مساء أمس، الخميس 3 من تشرين الثاني، منشورًا قال فيه إن طائرات مقاتلة ومروحيات قتالية إسرائيلية هاجمت خلال الساعات الماضية أهدافًا تابعة لـ”حزب الله” تزامنًا مع قصف مدفعي ومن دبابات جيش الدفاع.
وأضاف أن من بين الأهداف التي ضُرت بنى تحتية ومقار قيادة عسكرية، ومواقع إطلاق القذائف الصاروخية، ومستودعات لتخزين الوسائل القتالية ومجمعات عسكرية يستخدمها الحزب.
ورصد جيش الاحتلال الإسرائيلي، إطلاق عدد من الصواريخ مصدرها الأراضي اللبنانية بحسب ما نشر عبر “إكس”.
أدرعي قال في منشور منفصل عبر “إكس” إن ميليشيا “لواء الإمام الحسين” الإيرانية بقيادة شخص يلقب بـ”ذي الفقار”، وصلت إلى لبنان لدعم “حزب الله”، مشيرًا إلى أنها أسست في الأصل في سوريا لتقديم المساعدة للمحور الايراني ومساعدة “حزب الله”.
وأضاف أن الميليشيا دخلت في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية في الأسابيع الماضية، وتشارك في العمليات الهجومية على الأراضي المحتلة في فلسطين.
ما “لواء الإمام الحسين”
في تقرير نشره موقع “إيران انترناشيونال” الإيراني المعارض لنظام الحكم في طهران، قال إن “لواء الإمام الحسين” يعرف باسم “حزب الله السوري”، وهو أكبر ذراع تنفيذية للنظام الإيراني في سوريا.
ويعتبر هذا الفصيل واحدًا من أكبر الوحدات العسكرية متعددة الجنسيات في “الحرس الثوري الإيراني”، والتي أنشأها قائد فيلق “القدس” السابق قاسم سليماني عام 2016، بزعم محاربة تنيظم “الدولة الإسلامية” في سوريا، لكن هذه الميليشيات عملت كمظلة لتنفيذ أنشطة إيران في سوريا.
وتتكون هذه الميليشيات، المعروفة أيضًا باسم “حزب الله السوري”، و”حزب الله-2″، من القوات الشيعية في سوريا، والسودان، وقوات “لواء فاطميون” الأفغانية، و”زينبيون” الباكستانية، بالإضافة إلى ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية، و”أنصار الله” اليمنية.
وفي تموز الماضي، نشرت مجلة “نيوزويك” تقريرًا قالت عبره إن إيران جمّعت وحدة مدججة بالسلاح في سوريا تضم آلاف المقاتلين من جميع أنحاء المنطقة، قادرة على شن هجمات على القوات الأمريكية والإسرائيلية المجاورة، وفقًا لوثيقة قالت المجلة إنها اطلعت عليها عبر عضو في وكالة استخبارات لدولة متحالفة مع إيران.
وبحسب “نيوزويك” فإن الفرقة التي حملت اسم “فرقة الإمام الحسين” هي القوة المقاتلة “الأكثر نخبوية” لـ”فيلق القدس” في سوريا، وتتمتع بقدرات قتالية عالية.
وسُلح الفصيل بذخائر موجهة بدقة، وطائرات دون طيار هجومية وتجسسية، إلى جانب مجموعة واسعة من الأسلحة الخفيفة، وسبق أن نفذت الفرقة وابلًا مكثفًا من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي ضربت الحامية العسكرية الأمريكية في قاعدة “التنف” الأمريكية جنوب شرقي سوريا عام 2021، بحسب المجلة.
وأضاف تقرير المجلة نقلًا عن المصدر الاستخباراتي، أن “فرقة الإمام الحسين” شنت ضد إسرائيل، هجومًا صاروخيًا أرض- أرض في كانون الثاني 2019، وهجومًا صاروخيًا في حزيران 2019، ومحاولة هجوم بطائرة دون طيار في آب 2019.
كيف أنشأت إيران “حزب الله” في سوريا
في تحليل موجز نشره الباحث الزميل في معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأوسط” فيليب سميث، فإن ميليشيات سورية مختلفة تعمل تحت اسم “حزب الله” في سوريا، وأسهم الوجود الجغرافي والعددي لـ “شيعة الإثنى عشرية” في البلاد بشكلٍ كبير في نموّ هذه الشبكة وتوسّعها.
و”شيعة الإثنى عشرية” هي مذهب إسلامي يمارس بشكل رئيس في إيران ولبنان والعراق، ولا يشكّل هذا المذهب الديني في سوريا سوى 1 أو 2% من السكان، لكنهم مركزون في مناطق استراتيجية مهمة استُخدمت لاعتراض خطوط التواصل والإمدادات التابعة للمعارضة، بحسب الدراسة.
ويرى الباحث في تحليله أن نجاح “حزب الله” في لبنان شكًل مثالًا تنظيميًا ومصدر إلهام لـ”حزب الله” في سوريا، لكن إيران اتّبعت النموذج الذي استخدمته في العراق في إنشائها لـ “حزب الله” بنسخته السورية.
ويقوم هذا النموذج على تطوير ميليشيات من أحجام مختلفة ومتعددة الأوجه، لتطبيق أهداف إيديولوجية وأخرى لنشر القوة الإقليمية، على غرار الجماعات اللبنانية والعراقية.
ويناشد عدد كبير من الميليشيات الشيعية في سوريا باعتناق إيديولوجية “ولاية الفقيه” الإيرانية الوفية للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني.
وغالبًا ما نقلت هذه الميليشيات تصريحات تتناسق مع تلك التي يدلي بها وكلاء إيران الآخرين في التوقيت والمضمون.
ولهذا التشكيل في سوريا نطاق إقليمي، بحسب التحليل الموجز، إذ لطالما كانت سوريا موضع ارتكاز معظم العمليات التي يقوم بها “حزب الله” السوري وأجهزته النامية، في حين أن الجماعات التابعة له قد اعتمدت نظرة إقليمية، شملت الدعوة إلى توحيد الجماعات الناشطة في العراق وسوريا.
واتّسمت المرحلة الأولى من هذه الجهود بتغيير أسماء المنظمات، وقامت بعض الميليشيات الشيعية المتمركزة في سوريا باستقطاب جنود من العراقيين الشيعة منهم من يقطن في سوريا أصلًا منذ سنوات، لتبني بذلك رابطًا عضويًا بين العراق وسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، نُقل بعض المقاتلين والقادة العراقيين الشيعة الناشطين في سوريا إلى العراق. واتّبع “لواء أبو الفضل العباس” الرائد والجماعات المنشقة عنه استراتيجية مماثلة في التجنيد والتغيرات في التبعية.
الأثر على سوريا
يرى الباحث فيليب سميث في تحليله أن استمرار الحرب في سوريا، سيبقى الجماعات الشيعية المسلحة في البلاد على ما هي، ويفسح المجال إيران بتعزيز موطئ قدمها في المشرق وفي المجتمع الشيعي، من خلال هذه الجماعات,
ويدل توجه الجماعات المسلحة الموالية لرئيس النظام السوري بشار الأسد في سوريا نحو إيران، أنها أحدثت تغييرًا في غاية الأهمية.
ويرى سميث أن سوريا كانت عبر التاريخ موقع تنافس لأشكالٍ إيديولوجية متعددة للمذهب الشيعي.
واستدل على كلامه بمقال نشر في آذار 2013 من صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، قال أحد اللاجئين السوريين الشيعة في لبنان المنتمين إلى أحد الميليشيات: “أنا وفي لـ(حزب الله)، لكنه لا يتحكم بي”.
وبعد مرور ثلاث سنوات، تغير الوضع بشكلٍ جذري، إذ يشكل تحويل هذه الجماعات إلى نسخة مشابهة من “حزب الله” بالاسم والبنية والولاء إنجازًا كبيرًا لطهران، الأمر الذي يسمح لإيران بالحفاظ على نفوذ أكثر صلابة وإبراز القوة بصورة أكثر فعالية داخل سوريا.