تشهد سوريا أزمة اقتصادية ومعيشية وانهيارًا في المؤسسات في ظل مستقبل اقتصادي غير واضح، وغياب لأي حلول من قبل النظام السوري لتحسين الظروف المعيشية.
ورغم هذه الأزمة الاقتصادية والمناخ الاستثماري غير المشجع للمستثمرين غير السوريين، وفق تقارير صادرة عن مراكز أبحاث مختصة، فإن الحكومة الإيرانية تحاول توسيع استثماراتها في سوريا.
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، في 23 من تشرين الأول الماضي، عن مدير عام هيئة الإشراف على التأمين في سوريا، رافد محمد، قوله إن اتفاقًا بين شركات إيرانية وأخرى تابعة لحكومة النظام السوري عُقد لتأسيس شركات تأمين في سوريا.
ويأتي الاهتمام الإيراني بتوسيع استثمارات طهران في سوريا رغم المخاطر الاقتصادية، وضعف القوة الشرائية لليرة السورية، وتراجع قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
ووفقًا لتقرير البنك الدولي في 2023، من المتوقع انكماش الاقتصاد السوري 3.2%، بالإضافة إلى ازدياد معدل التضخم بنسبة عالية.
الاستثمار في التأمين.. ما وراءه؟
ساعدت إيران النظام السوري بعد اندلاع الثورة السورية في 2011 ماليًا وعسكريًا، وذكرت وكالة “إرنا” الإيرانية، في 3 من أيار الماضي، أن طهران قدمت دعمًا ماليًا واقتصاديًا للنظام السوري، كما أرسلت مستشارين عسكريين.
ويعد اهتمام إيران بقطاع التأمين في سوريا استكمالًا لاستثمارات أخرى حصلت عليها خلال السنوات الماضية.
وسمح النظام السوري للشركات الإيرانية بالعمل في مجالات عديدة كالتجارة والمواد الغذائية والكهربائية عبر عقود تشاركية لأصول الدولة المالية وشركاتها، وتمكنت إيران من الحصول على تسهيلات كان أبرزها إلغاء الرسوم الجمركية بين الدولتين بعد أن كانت بنحو 4% لفترة طويلة، بالإضافة إلى العديد من التوصيات التي كان أهمها توسيع السياحة، وحل مشكلة التحويل المالي.
تعزيز النفوذ لمرحلة لاحقة
الاستثمارات الإيرانية في الشق التجاري والاقتصادي، تهدف لتعزيز نفوذ غيران إيران في مختلف القطاعات.
وذكر المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، أن هدف وجود مثل هذه الشركات هو التغلغل الإيراني في عمق الاقتصاد السوري، وما بعد شركات التأمين هذه، يأتي الاستحواذ على الشركة العامة للتأمين، وبالتالي أي حالة تأمين من قبل إي جهة ستكون من خلالها.
وأضاف القاضي لعنب بلدي، أن التعويل الإيراني هو على مستقبل إعادة الاعمار في سوريا، وبهذا تكون إيران موجودة في كل مفاصل الاقتصاد السوري.
وقال الكاتب والباحث المختص في الشأن الإيراني ضياء قدور، لعنب بلدي، إن الاستثمارات الإيرانية في قطاع التأمين، والقطاعات الاقتصادية الأخرى، تشكل تغطية لأهداف أبعد مما تعلن عنه إيران.
وأوضح أن الهدف من هذه التحركات هو تعزيز سياسة إيران في تصدير الأزمات والحروب، عبر دعم حلفائها في المنطقة.
ويضاف قطاع التأمين إلى قطاعات أخرى سيطرت عليها إيران، هي الفوسفات والموانئ والنفط والكهرباء والنقل، وفق قدور.
ووفق دراسة نشرها مركز “جسور” للدراسات في 2022، تسعى إيران لتحقيق نفوذ اقتصادي في سوريا وتوقيع اتفاقيات استراتيجية، وتأسيس شركات خاصة.
ووفق الدراسة، تهدف إيران للاستعداد لمرحلة ما بعد بشار الأسد، عبر تعميق نفوذها في المؤسسات العامة والخاصة.
من جهته، قال الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي لعنب بلدي، إن إيران ترى أن تعثر الحل السياسي فرصة سانحة لتبسط نفوذها على الصعيد الاقتصادي، بعد بسطه سياسيًا وعسكريًا.
مناخ استثماري غير آمن
تسعى الدول لتطوير مواردها الاقتصادية عبر طرق متنوعة، منها الاستثمار في دول أخرى.
وتخضع عملية الاستثمار لشروط، أبرزها توفر الاستقرار السياسي والاقتصاد القوي، ووجود موارد مالية مستقرة وموثوقة وشفافية حكومية، وفق موقع “investopedia” المتخصص بالأمور المالية والاستثمار.
في أيار الماضي، قال نائب وزير الخارجية الإيراني، مهدي شوشتري، لوكالة أنباء “فارس” الإيرانية، إن “سوريا ليست بلدًا فقيرًا بل لديها موارد وقدرات كثيرة”، مؤكدًا أنه “لم يكن أي نوع من التعاون الذي حددناه في المجال التجاري والاقتصادي بين البلدين مجانيًا أو بلا مقابل في أي فترة من الفترات”.
قبل عام 2011، قُدّرت الاستثمارات الإيرانية في سوريا بنحو 400 مليون دولار، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.88 مليار دولار خلال عام 2022، كما بلغت صادرات إيران إلى سوريا من السلع غير النفطية عام 2021 قرابة 218 مليون دولار، و243 مليون دولار عام 2022، وفقًا للملحق التجاري بالسفارة الإيرانية في دمشق.
ورغم المناخ الاستثماري “غير الآمن”، فإن الاهتمام الإيراني بالاستثمار في مناطق النظام السوري مستمر.
وقال الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، إن إيران أنشأت تلك المشاريع من أجل التحرك في هذه المناطق عن طريقها، حتى وإن كانت عائداتها أقل مقارنة بما تقوم بصرفه على هذه المشاريع على المدى التكتيكي.
وأوضح أنه وعلى المدى الاستراتيجي، هنالك مشاريع وحقول غاز ونفط لم تُكتشف بعد، والمشروع الحقيقي لها هو الاستيلاء على هذه الحقول.
الباحث في الشأن الإيراني ضياء قدور، قال لعنب بلدي، إن الشركات الإيرانية المستثمرة في سوريا هي شركات حكومية وليست خاصة.
وأضاف أن بيئة الاستثمار غير الآمن التي اكتشفتها الشركات الإيرانية الخاصة، دفتعها للانسحاب بعد أن شعرت بالخداع من الدعاية الحكومية للاستثمار في سوريا.
فيما بيّن المستشار الاقتصادي أسامة القاضي، أن إيران قد تستحوذ على مؤسسات خاسرة في بعض الأحيان ليس لرغبتها في الحصول على مكاسب في الوقت القريب، إنما سعيها الأكبر هو الحصول على المزيد من الأصول السيادية وأي نشاط اقتصادي، وذلك لاستيفاء ما تستطيع تحصيله من ديون.