ما الفرق بين حرب العصابات وحرب الجيوش النظامية
منذ عقود، نادرًا ما اندلعت حرب في منطقة الشرق الأوسط بين جيوش نظامية انتهت بانتصار أحدها على الآخر، وغالبًا ما كانت هذه الحروب بين جهتين عسكريتين غير نظاميتين، أو جهة تصنّف على أنها جيش نظامي، وأخرى يطلق عليها جماعة مسلحة، كتلك الحاصلة في غزة الفلسطينية اليوم.
وقد تختلف هذه الحروب من حيث الطبيعة الاستراتيجية وموازين القوى، لكن القوانين الدولية تفرض على أي جهة عسكرية يقودها شخص معين يلقي أوامر على مجموعة من الأفراد، أن يحملوا شارة يمكن أن تميزهم عن بعد، وأن يكونوا مسلحين بشكل علني، بحسب ما جاء في نص المادة الأولى من لائحة “لاهاي” لقوانين الحرب الموقعة عام 1899.
الجماعات المسلحة
عُرفت على مدار السنوات الماضية أنواع عديدة من الجماعات المسلحة، أو الميليشيا كما يطلق عليها اصطلاحًا، وانتشرت في دول عديدة من الشرق الأوسط وآسيا، وحتى القارتين الأمريكيتين.
وصارت الحروب التي تنخرط بها جماعات مسلحة تقليدية يطلق عليها اسم “حرب العصابات” التي تتسم بعمليات كر وفر على نطاق صغير من قبل مقاتلين مسلحين بأسلحة خفيفة يستغلون الخداع والمفاجأة والقدرة على الاندماج في السكان المحليين والتضاريس.
ومع ضلوع دول عديدة بدعم جماعات مسلحة، لتقاتل عنها بالوكالة في مناطق جغرافية بعيدة أو قريبة منها، تجمعها معها المصالح السياسية، أو الاقتصادية، أو ربما الجغرافية، أو جميعها، انتشر ما يعرف بـ”حرب الوكالة”، وتطور هذا الشكل حتى صار يحمل جانبًا قانونيًا كميليشيا “فاغنر” الروسية، أو “بلاك ووتر” الأمريكية.
في مجلة “الاستراتيجية العسكرية” كتب الضابط في قوات مشاة البحرية الأمريكية بريت فريدمان مقالًا، اتخذ فيه من “حزب الله” اللبناني مثالًا على حرب الجماعات، أو حرب العصابات.
ويرى الكاتب أن القوات المسلحة لهذا التنظيم استخدمت ضد القوات الإسرائيلية جنوبي لبنان عام 2006 تكتيكات حرب العصابات، وتحديدًا عمليات الاختطاف والهجمات الصاروخية.
وعندما رد الجيش الإسرائيلي، مفترضًا أن “حزب الله” لا يستطيع التعامل مع القوات التقليدية والهجمات المدرعة، كان مقاتلو “الحزب” مستعدين جيدًا في مواقع دفاعية قوية، ورفضوا التخلي عنها بدلًا من ذلك.
ويرى الكاتب أنه على سبيل المثال فإن “المناورة واسعة النطاق” لا معنى لها في ساحة المعركة الحديثة ضد جهة فاعلة غير نظامية، خلال ما يسمى حرب العصابات، إذ يمكن لأي جماعة مسلحة غير نظامية أن تتجنبها ببساطة.
حرب العصابات من المنظور الأمريكي
بحسب خلاصة دراسة وفرها موقع وزارة العدل الأمريكية حول حرب العصابات، فإنها تعتبر امتدادًا للسياسة، عن طريق الصراع المسلح، وهدفها هو الثورة. (رابط الدراسة كاملة من هنا)
ووصفت الدراسة مقاتلي حرب العصابات على أنهم “حزبيون، سياسيون، مدنيون مسلحون، أسلحتهم الرئيسة هي علاقاتهم بالمجتمعات التي يقاتلون من أجلها”.
ويعتقد مؤلف الدراسة التي صدرت في سبعينيات القرن الماضي، أن قوة المقاتلين في قدرتهم على الحركة، والمرونة، ومصادر القوى العاملة التي لا نهاية لها، وحقيقة أن الوقت يعمل لمصلحتهم، تجعل من هذا النمط من الحروب يشبه “البرغوث في هزيمة الكلب الأقوى من خلال المثابرة”.
وتوضح تحليلات الصراعات في كوبا والصين وفيتنام وأيرلندا وأماكن أخرى المفاهيم والاستخدامات السياسية لـ”الإرهاب” في حرب العصابات، والدور الرئيس الذي تلعبه التضاريس، واستراتيجية حرب العصابات في المناطق الحضرية.
وبناء على تجارب إخفاقات لحركات حرب عصابات سابقة في اليونان والفلبين ومناطق أخرى، فإن قطع الاتصال الشعبي والدعم يمكن أن يقضي عليها.
وخلصت الدراسة إلى أن حرب العصابات “سلاح طبيعي” يعمل على إفقار واستغلال الناس في جميع أنحاء العالم لتحقيق “الثورة”، وبالتالي تزايد الحركات المشابهة في إفريقيا وآسيا والدول العربية وأمريكا اللاتينية.
ضمور الجيوش التقليدية
يعتقد الضابط الأمريكي بريت فريدمان أن هناك الكثير من القلق بشأن “ضمور الجيوش التقليدية” التي تشارك في حملات مكافحة التمرد.
وأشار إلى أن البعض يحذر من أن مثل هذه الجيوش سوف تفقد المهارات الأساسية اللازمة لهزيمة التهديدات التقليدية لأنها تركز على قتال العصابات، لكن التكتيكات الجديدة التي تعلمتها الجيوش النظامية ضد المتمردين سوف تنتقل إلى ساحة المعركة ضد الجيوش المحترفة.
قائد قوات مشاة البحرية الأمريكية بين عامي 1920 و1929 وأحد قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى، الفريق جون ليجون، أرجع نجاح وحدات مشاة البحرية في أوروبا خلال تلك الحرب إلى المهارات التي تعلموها في قتال المتمردين في هاييتي وسانتو دومينغو في السنوات التي سبقت الحرب، بحسب ما أورده في مذكراته التي نشرها تخت عنوان “ذكريات أحد جنود البحرية”.
ويرى فريدمان أن الاعتقاد بأن مهارة الجيش في التكتيكات الجيدة ستضمر عندما ينخرط فعليًا في ممارسة التكتيكات الجيدة هو فكرة لا معنى لها، ويعتقد أن تفادي كمائن “طالبان” بالنسبة للجيش الأمريكي هو تدريب أفضل من المناورات المدرعة.
وتختلف الطرق لا الغايات بالنسبة للجماعات والجيوش التقليدية بحسب ما نشره فريدمان في مجلة “الاستراتيجية العسكرية”، إذ يرى أن التكتيكات التي يستخدمها الجنود والمتمردون هي في الأساس نفس الشيء، لكن الاختلاف الوحيد يكمن في الطرق التي يتم بها استخدام تلك التكتيكات.
وعلى سبيل المثال، عند استخدام التكتيكات في توظيف “استراتيجيات الاستنزاف أو الإبادة”، تتبع الجيوش التقليدية عادة استراتيجيات الإبادة بينما تتبع جيوش “حرب العصابات” استراتيجيات الاستنزاف أو الإرهاق، لكن الوسائل هي نفسها تقريبًا، فيما تختلف الطرق التي تحددها الغايات.
الحرب الخاصة
الكاتب الأمريكي شون ماكفيت، أشار في كتابه “المرتزقة والحرب: فهم الجيوش الخاصة اليوم”، إلى أن الشركات الأمنية الخاصة التي تحارب بالوكالة عن جهات حكومية صارت تشكل أيضًا تهديدًا ناشئًا في الحروب.
وذكر أن الحروب الجديدة باتت تشكلها الشركات الأمنية، وأطلق على هذه الحالة “خصخصة الحرب”، إذ يرى أن هذه الخصخصة تشوه الحرب “بطرق مروعة”.
ماكفيت يعتقد أن الحروب تحولت إلى سلعة، وصار منطق واستراتيجيات السوق تنطبق على الحرب، على شكل سوق مفتوحة، وهو تشبيه جيد لكيفية عمل الحروب الخاصة، بحسب الكاتب، ففي السوق، كل شيء معروض للبيع ويجب مقايضته، كل شيء مباح.
ويعتقد ماكفيت أن “خصخصة الحرب” تغير الحرب بطرق خطيرة، على اعتبار أن الحرب الخاصة لها منطقها الفريد، مستدلًا بذلك على أن المحاربين الذين يسعون إلى الربح ليسوا ملزمين بالاعتبارات السياسية أو الوطنية، وهي إحدى نقاط البيع الرئيسة لديهم.
ويرى الكاتب أن المحاربين الربحيين فاعلون في السوق، ومبدؤهم الرئيس ليس قوانين الحرب بل قوانين الاقتصاد، ولهذا الأمر آثار بعيدة المدى، ما يقدم إمكانيات استراتيجية جديدة معروفة للرؤساء التنفيذيين ولكنها غريبة على الجنرالات.
وينظر الكاتب إلى الجهات الفاعلة في الحروب الخاصة على أنها شركات أمنية تشبه “فاغنر” الروسية التي ظهرت في الشرق الأوسط وإفريقيا، أو “بلاك ووتر” التي ظهرت في العراق قبل نحو عقدين من الزمن.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :