كلفة العلاج على المريض.. مستشفى “الأسد” في دير الزور بلا خدمات
لم ينقطع مستشفى “الأسد” في مدينة دير الزور، عن تقديم خدماته طوال فترة القصف والحصار التي مرت على المدينة، ولم تنقطع معه شكاوى أهالي دير الزور من الخدمات والنظافة وتوفر الأدوات والأجهزة.
ويعد المستشفى الوجهة الأولى لمرضى المنطقة، كونه المستشفى الحكومي الوحيد في المدينة بجانب مستشفى “العسكري”.
ولا يستطيع معظم أهالي المدينة التوجه إلى المستشفيات الخاصة جراء ارتفاع تكاليف العلاج فيها، مقارنة بمستوى الدخل.
لا بديل للأهالي
يشتكي أهالي دير الزور من عدم نظافة المستشفى، ووجود أعطال في أجهزة التنظير والرنين المغناطيسي والطبقي المحوري، إضافة إلى عدم توفر السيرومات والإبر، رغم توفرها في الصيدليات خارج المستشفى.
وتحدثت عنب بلدي مع ثلاثة مواطنين توجهوا إلى مستشفى “الأسد” مؤخرًا لأسباب مختلفة، وأجمعوا على أن المستشفى تفتقر إلى النظافة والتعقيم، والملابس المخصصة للعمليات، والحاضنات المخصصة للأطفال حديثي الولادة.
ويضطر المريض الذي يحتاج إلى تركيب مفصل اصطناعي أو برغي أو ما يماثلها، إلى شرائها من دمشق لعدم توفرها في المدينة أو في المستشفى بشكل خاص، إضافة إلى دفعه تكلفة العمليات والأدوية والإبر وغيرها في المستشفى، على الرغم من أن المستشفى حكومي.
ولا يمكن لأهالي المدينة تحمل تكاليف المستشفيات الخاصة، إذ يكلف المبيت في المستشفى الخاص لليلة واحدة حوالي الـ500 ألف ليرة سورية، بينما يكلف تنظير المعدة حوالي الـ150 ألف ليرة.
هيكل واحد يضم ثلاث مستشفيات
طبيب يعمل في مستشفى “الأسد”، أوضح لعنب بلدي أن بناء المستشفى يضم مستشفيين آخرين (“الفرات” و”الوطني”)، ولكل منهم إدارة مستقلة، إذ تتبع مستشفى “الأسد” لـ”وزارة الصحة” بينما تتبع “الفرات” و”الوطني” لـ”مديرية الصحة” بشكل مباشر.
وأغلب الشكاوى المقدمة تكون بحق مستشفيي “الفرات” و”الوطني”، لأن فيهما نقصًا في الكوادر الطبية والتمريضية والتجهيزات، وسط لا مبالاة من من المديرية بالدرجة الأولى، وخاصة قسمي النسائية والأطفال والداخلية، عكس مستشفى “الأسد”، إذ إن وضعه “أفضل” من ناحية الخدمات، بحسب الطبيب.
وبشكل عام غالبية الدعم المقدم للمستشفيات يكون عن طريق المنظمات، إذ يتبنون تأسيس قسم معين ويوفرون الأدوات اللازمة، أما “الصحة” فلا تقدم الكثير، وفق الطبيب.
وتعتبر مستشفى “الأسد” جراحية في المقام الأول، وتقوم بعمليات باردة ونوعية وإسعافية، حسبما قاله الطبيب.
وأضاف أن المستشفى بدأت تعاني من نقص في المعدات، مثل الشاش والأقنعة والإبر وأنواع الخيوط وحتى “البوفيدون” (مادة مطهرة تستخدم موضعيًا للعلاج والوقاية من التهابات الجروح)، من أربع سنوات، أي بعد تطبيق قانون العقوبات (قيصر) على المنطقة.
وردًا على وجود أعطال في الأجهزة قال الطبيب، إنه عند تعطّل قِطع الأجهزة تتواصل إدارة المستشفى مع المكتب الهندسي في وزارة الصحة، وبدوره يتواصل مع الشركة الأم للجهاز أو شركات مختصة أخرى.
إلا أن تأمين القطع ليس سهلًا، لكون القطع غالية وميزانية المستشفى من ميزانية الدولة التي تعاني بالأصل، وبسبب العقوبات لا يمكن إرسال القطع بسهولة، إذ تُرسل القطعة إما عن طريق الإمارات أو لبنان، والموضوع يأخذ أشهرًا “طويلة”.
نقص الكوادر وزيادة المرضى
قدمت مستشفى “الأسد” خدماتها لحيين في مدينة دير الزور، في أثناء الحصار الذي فرضه تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة، بين عام 2014 و2017، قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق المحيطة بمساعدة روسيا.
ويقول الطبيب، الذي تحدثت عنب بلدي إليه، إن العمل بدأ يزداد سنة بعد سنة بعد إعادة سيطرة النظام وفتح الطرق مع القرى والمدن في المحافظة، وبدأ الناس من البوكمال إلى معدان يأتون إلى مستشفى “الأسد”، كونه المستشفى الحكومي الوحيد الذي يغطي المنطقة كلها وليس فقط المدينة.
ولا يسمح الوضع المعيشي للناس بالتوجه إلى المستشفيات الخاص، إلا “قلة منهم”، مما يسبب ضغطًا على المستشفى سواء الحالات الإسعافية أو العمليات الباردة، وفق الطبيب.
مدير “الهيئة العامة لمستشفى الأسد” مأمون حيزة، قال إنه وصل عدد مراجعي قسم الإسعاف في المستشفى إلى أكثر من 24 ألف حالة ومراجعي قسم العيادات إلى 37 ألفًا، خلال عام 2019.
وذكر حيزة أن الهيئة أجرت في الفترة ذاتها 700 جراحة كبرى وخمسة آلاف جراحة صغرى و240 ألف تحليل طبي و29 ألف صورة أشعة وخمسة آلاف جلسة كلية و5500 جلسة معالجة فيزيائية و1100 جلسة تفتيت.
وقال الطبيب إن هناك نقصًا في الكادر الطبي والتمريضي، لأن الأطباء يحاولون التوجه إلى المكان الذي فيه فرص عمل أفضل وخدمات أفضل، بينما الأطباء هنا يجرون العديد من المعاينات، ولكنها كلها “دون قيمة فعليًا” بحكم أن الليرة السورية فقدت قيمتها.
الكثير من الأطباء، يغادرون عندما تتاح لهم فرصة عمل أفضل، إما في الخليج أو أوروبا، أو حتى في الصومال واليمن، ومنهم من يذهب إلى مناطق سيطرة “قسد” في دير الزور، بحسب الطبيب.
الحال ليس جديدًا
تحدثت عنب بلدي مع ممرضة متقاعدة مقيمة في مدينة دير الزور، وكانت تعمل في المستشفى “الوطني” قبل الثورة السورية، وقالت إن الوضع ليس جديدًا على المستشفيات العامة، والحرب ليست السبب الوحيد “لأن مستشفى الأسد سيئة السمعة من قبل”.
إلا أن الوضع لم يكن بهذا السوء، فقد كان هناك تنظيم ونظافة وتعقيم وترتيب، وأطباء يهتمون بمرضاهم، ورئيس شعبة ورئيسة تمريض أصحاب قرار، أما الآن فرئيس الأطباء لا يملك سلطة على أحد، ولا نراهم سوى في المناسبات والافتتاحات.
وقالت الممرضة، التي تحفظت على ذكر اسمها لأسباب أمنية، إنه من المفترض للشعوب أن تتقدم لا أن تعود للخلف، وأعطت مثالًا على غرف العمليات، حيث كانت معقمة ولا يدخلها الكادر الطبي دون ارتداء كمامة ومشاية في قدمه، وقبعة وقفازات طبية، بينما الآن يجري الطبيب العملية أحيانًا دون قفازات.
دير الزور بواقعين مختلفين
يقسم نهر الفرات محافظة دير الزور إلى منطقتين، “الشامية” و”الجزيرة”، ويسيطر النظام السوري على الضفة الغربية (الشامية)، في حين تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على الضفة الشرقية (الجزيرة).
يقارن أهالي منطقة “الشامية”، واقعهم الطبي مع أهالي “الجزيرة”، ويقول الطبيب في مستشفى “الأسد” إن الواقع الطبي في منطقة “الجزيرة” أفضل حالًا من “الشامية”.
وأرجع السبب إلى وجود آبار النفط في الضفة التي تسيطر عليها “قسد”، التي تغني المنطقة، إضافة إلى وجود منظمات عديدة تدعم القطاع الطبي عكس مناطق سيطرة النظام.
ويواجه القطاع الصحي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” ودير الزور خاصة عوزًا أيضًا، إذ تعد المرافق الصحية قليلة نسبة إلى عدد السكان، بالإضافة إلى افتقارها إلى الكوادر والخدمات من أجهزة وغرف عناية مركزة.
وذكرت الممرضة أن القطاع الطبي في مناطق “الجزيرة” لا يقارن مع مستشفيات الشامية، ففي مستشفيات “الجزيرة” يقدم الإسعاف والدواء والطعام بالمجان، بينما تضطر أن تدفع سعر الدواء والعمليات في مستشفيات مناطق سيطرة النظام.
وبنفس الوقت، قالت الممرضة إن الطبيب في النهاية إنسان وله احتياجاته، والرواتب في مناطق سيطرة النظام، لا تكفي المواطن إلا بضعة أيام، لذلك يضطر الأطباء في المستشفيات الحكومية لأخذ “مبلغ رمزي” من المرضى للعمليات.
وبعد أحدث زيادة في منتصف آب الماضي، وصل الحد الأدنى لرواتب العاملين بالقطاع العام في مناطق سيطرة النظام إلى 185940 ليرة سورية (13.3 دولار أمريكي).
وأوضح الطبيب العامل في مستشفى “الأسد”، أن هناك “بعض الأطباء” يأخذون من المرضى نقودًا في مستشفى “الأسد” بـ”سعر رمزي”، إذ تكلف العمليات مبالغ “كبيرة” في المستشفيات الخاص، بينما في مستشفى “الأسد” يأخذ الطبيب ربع أو أقل من ربع القيمة، بينما “الغالبية” يعالجون المرضى مجانًا.
وهناك خدمات مدفوعة على حساب المريض، مثل بعض الأدوية غير المتوفرة في المستشفى والصفائح والبراغي والمفاصل وجهاز الشنط (أنبوب صغير دقيق يوضع عند إجراء عملية الاستسقاء الدماغي)، إذ يطلبها المريض من شركات خاصة والمستشفى يجري العمليات مجانًا.
وأوضح الطبيب أن عمليات الدفع هذه غير نظامية، وإن حدثت فتكون دون علم من إدارة المستشفى.
اقرأ أيضًا: عوز في دير الزور يدفع المرضى إلى دمشق
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :