فادي القاضي
بإعلان الأمم المتحدة، يوم الأربعاء 24 شباط، عن نجاحها، وللمرة الأولى بعد اتفاق ميونخ، في “إسقاط” 21 طنًا من المساعدات على مدينة دير الزور، يبدو أن مساحةً صغيرة للحراك غير المسلح قد انفتحت في الأجواء السورية.
وفي الوقت الذي أشارت فيه الأمم المتحدة ووكالاتها المتحدة إلى وجود ما لا يقل عن 400 ألف سوري خلف أسوار الحصار في عديد المدن والقرى السورية، تذهب مصادر المنظمات والهيئات غير الحكومية إلى حصار ما يُقارب المليونين من السوريين. وبرأيي أن الأرقام بحذ ذاتها لا تعكس تضاربًا، بل اختلافًا في مناهج الإحصاء، وتترجم كذلك مسائل من مثل تعذر الوصول إلى عدد واسع من المناطق التي تقبع تحت الحصار. وفي الحالتين، أثبتت الشهور الماضية أن “الجوع” والموت بسببه ليسا من باب المبالغة أو فرطًا في الشاعرية السياسية، بل حقائق واقعة، فرضها الاشتباك السياسي العسكري الذي ضرب بعرض الحائط كل قوانين الصراع العسكري التي عرفتها البشرية.
ويتساءل السوريون بمرارة، لماذا لم تلجأ الأمم المتحدة إلى استخدام مثل هذه الوسيلة حين مات الناس جوعًا وكانوا بأمس الحاجة إلى كل دواء وغذاء ممكن توفيره؟ لماذا تركتم مضايا وغيرها تموت جوعًا حين كان بالإمكان تجاوز عقبات حصار قوات الأسد وميليشيا حزب الله بإسقاط المساعدات جوًا؟
الجواب طبعًا بسيط.
بالرغم من أن قرار مجلس الأمن 2165 الخاص بسوريا يسمح للمنظمات الأممية والدولية الإنسانية بنقل وتوفير الإمدادات الإغاثية عبر خطوط المواجهات المسلحة في كافة المناطق في أرجاء سوريا، إلا أنه أشار إلى ضرورة إخطار السلطات السورية بهذا الصدد. لكن الخيار المتعلق باستخدام الإسقاط الجوي للمساعدات إشكالي، وكان مستحيلًا قبل اتفاق ميونيخ لسببين.
السبب الأول هو ضرورة واشتراط أن يكون هناك توافق، واتفاق، عام وشامل وغير غامض ودقيق إلى أبعد درجات التفاصيل، على إتاحة المجال الجوي لتستخدمه الطائرات التي تنقل المساعدات الإغاثية بهدف إسقاطها فوق مناطق محددة. وبمعنى آخر، لم يكن هذا التوافق موجودًا بأي شكل من الأشكال، وكان خيار الإسقاط الجوي مُعرضًا بكل بساطة إلى فشل دموي لا مبرر له على الإطلاق، في مجال جوي كان طيران الأسد يسيطر عليه، وتلاه بعد ذلك إحكامٌ مُطلقٌ من قبل طائرات بوتين، بالإضافة طبعًا إلى تجوال الطيران الحربي التابع للتحالف الدولي في مناطق أخرى. والمقصود بالفشل الدموي، هو احتمالية إسقاط الطائرات وضربها، سواء من الجو أو البر.
والسبب الثاني، هو ضرورة أن يكون هناك شبكات التقاط وتوزيع في المناطق التي يتم الإسقاط فيها، وإلا لذهبت المساعدات أدراج الرياح، من دون أي ضمانة على الإطلاق لتسليمها للناس الذين هم بأمس الحاجة اليها، أو الأسوأ من ذلك، أن تستولي عليها القوات المتحاربة، أو تلك القوات التي تحاصر المناطق أصلًا. ومن دون التوافق المذكور، لم يكن بالإمكان توفير هذه الشبكات على الأرض، بالرغم من أن لا أدلة حاليًا أن هذه الشبكات قد تشكلت فعلًا، أو أن حريتها في الحركة باتت مضمونة.