المواصلات بين المحافظات ترتفع 17 ضعفًا منذ 2011
عشرة آلاف ليرة تكلفة الراكب من إدلب إلى دمشق
عمر الحلبي – عنب بلدي
بلغت نسبة ارتفاع أجور المواصلات في سوريا أكثر من نحو 150% كحد أدنى وفق تقديرات رسمية، فوسيلة النقل العامة (الباصات) داخل المدن والتي كانت تعرفتها قبل الثورة 15 ليرة باتت تعرفتها اليوم 150 ليرة، وسط تباين كبير في الأسعار بين مراكز المدن والأرياف، والمدن نفسها، فالتعرفة بين مناطق دمشق وضواحيها تختلف عن التعرفة بين دمشق والمحافظات بالنسبة للبولمانات، وترتفع أضعاف ما كانت عليه قبل 2011.
يستعد أحمد. م (35 عامًا) لدفع عشرة آلاف ليرة من أجل السفر بالبولمان من دمشق إلى ريف إدلب، إلا أن التعرفة المعتادة 3500 ليرة، والباقي يذهب إلى السائق ليوزعها على الحواجز التي تصادفه خلال الرحلة، التي تستغرق حوالي 15 ساعة، بعدما كانت سابقًا تستغرق نحو خمس ساعات، ناهيك عن خطورة الطريق والقصف وأعمال القنص مجهولة المصدر.
وتتشابه معاناة أحمد “الاقتصادية” مع آلاف المواطنين من سكان المناطق الشمالية، الذين يقصدون دمشق بداعي الزيارات أو العمل أو الدراسة، فتكاليف المواصلات ما عادت تحتمل وباتت تأكل معظم دخول المواطنين.
أما داخل المدن، فما كان يعرف بعداد “التكسي”، نادرًا ما يتم العمل به، بحجة أنه “غير معدل” وهذا يعطي السائق ذريعة فرض الأجرة التي يريد مهما قصرت المسافة أو زادت.
قرارات .. “حبر على ورق”
باتت معظم وسائل النقل تضع تعرفتها الخاصة، ففي 2015 عدلت محافظة دمشق تعرفة الركوب لخطوط النقل الداخلي للباصات والميكروباصات العاملة على المازوت، لتصبح للقصيرة 30 ليرة بدلًا من 20 ليرة، وللخطوط الطويلة 40 ليرة بدلًا من 25، وجزء الخط الطويل بـ 30 ليرة بدلًا من 20، وذلك تزامنًا مع رفع سعر ليتر المازوت من 130 ليرة إلى 135 ليرة، مع الإشارة إلى أن هذه التعرفة لا يتم الالتزام بها في أغلب الباصات وخاصة بما يتعلق بتجزئة الخطوط.
كما أصدرت وزارة التجارة الداخلية في حكومة النظام قرارًا خلال تشرين أول من 2015 عدلت بموجبه تعرفة التنقل بين المحافظات السورية، لتصبح التعرفة الجديدة من دمشق إلى حلب، وبالعكس 860 ليرة للراكب الواحد ومن دمشق إلى اللاذقية 805 ليرات ومن دمشق إلى طرطوس 585 ليرة وإلى محافظة حماة 500 ليرة، مع الإشارة إلى أن وزارة التجارة كانت قد حددت سابقًا نسبة الارتفاع الحاصلة على التعرفة بعد رفع سعر ليتر المازوت إلى 135 ليرة، حيث بلغت نسبة الارتفاع للباصات العادية والميكروباصات والبولمانات وسيارات شحن البضائع والصهاريج والبرادات العاملة داخل سوريا 4% فقط.
لكن بقيت الأرقام السابقة “حبرًا على ورق”، وللعرض فقط ولا يتقيد بها أحد، وأصبح السائقون يتقاضون أكثر من ضعفين على الراكب الواحد وخاصة بين المحافظات.
وانتقد مواطنون الصمت الذي تقابل به الجهات الرسمية والحكومية المخالفات والتجاوزات من السائقين، واتهم بعض المواطنين مؤسسات النظام برفع تعرفة المواصلات داخل وخارج المدن بشكل غير رسمي وباتفاق غير معلن مع أصحاب شركات النقل التي يملكها رجال أعمال محسوبون على النظام، ويصف أبو صلاح (موظف حكومي)، منظومة النقل العام بـ”التعيسة والسيئة”.
ويقول أبو صلاح، المدرّس في دمشق، إنه يتقاضى 30 ألف ليرة راتبًا شهريًا، يخصص منه سبعة آلاف ليرة للمواصلات، “أكثر ما يزعجني عدم تجزئة الأجرة، فراكب “التكسي” والباص العام يدفع أجرته كاملة بغض النظر عن وجهته، سواء كانت المحطة الأخيرة أم لا”، واصفًا تلك العملية بـ”الاستغلال”.
ويعتبر أبو صلاح الأجور “مرتفعة”، في ظل انخفاض مستوى الدخل ومقابل خدمة “سيئة”.
شركات النقل.. خالف تعرف
ماتزال معظم شركات النقل بين المحافظات (البولمانات) تتقاضى ضعف التعرفة المذكورة حتى الآن، ويمكن وصفها بتسعيرة “خمس نجوم”، رغم تأكيد وزارة التجارة بأن الارتفاع فقط هو 4% على التعرفة.
وتدل الأرقام الرسمية الصادرة خلال 2009 أن الأسرة السورية لا تنفق على النقل إلا ما نسبته 3% فقط من إجمالي إنفاقها البالغ 30 ألف ليرة وسطيًا في الشهر، أي حوالي 900 ليرة، وهذا الرقم يعتبر تكلفة الحد الأدنى حتى في ذلك الحين، ولكن بمقارنته مع تكلفة النقل بالحد الأدنى المحسوبة أعلاه، فإن التكلفة للانتقال للعمل والجامعات فقط وداخل المدينة تبلغ أكثر من 9000 ليرة، بينما تبلغ مع الارتفاعات المتواترة 16000 ليرة لأسرة من خمسة أشخاص، وبالتالي فإن تكاليف النقل ارتفعت 17 ضعفًا تقريبًا.
وعدل المكتب المركزي للإحصاء تكلفة النقل من 3% إلى 7% من إجمالي إنفاق الأسرة السورية في عام 2015، ووفق تقديره لحجم الإنفاق الإجمالي البالغ قرابة 130 ألف ليرة لعموم حاجات الأسرة، فإن تكلفة تنقلات الأسرة تبلغ 9000 ليرة فقط.
لماذا ترتفع الأسعار؟
ساهم رفع سعر البنزين والمازوت برفع أجور المواصلات، وكذلك كان لـ”الأتاوات” التي تفرضها حواجز النظام على الطرقات السريعة دور في ذلك، لكن للمشكلة هذه جانب آخر، إذ رفعت الأسعار أيضًا بشكل تلقائي من قبل أصحاب الباصات والبولمانات وسيارات الأجرة بعد أن غاب الالتزام بالتعرفة المحددة من قبل سلطات النظام.
ويوضح لعنب بلدي السائق أبو مهند (اسم مستعار)، الذي يعمل على خط دمشق– حلب، أسباب ارتفاع أجور المواصلات قائلًا “ارتفعت أسعار قطع الغيار الخاصة بوسائل النقل بنسبة 400%، وارتفعت أسعار زيت المحركات بشكل كبير، وكل هذه التكاليف تحسب على التعرفة، ويتحملها السائق أيضًا”.
ويلفت السائق إلى عامل “مهم” برأيه ساهم برفع الأسعار، وهو “غياب المنافسة” بين شركات القطاع الخاص، وذلك لقلة عدد الباصات والبولمانات العاملة على خطوط النقل، حيث انخفض عدد الميكروباصات من 4500 إلى 1500 ميكروباص تعمل على 51 خطًا في مدينة دمشق، كما أن عدد سيارات الأجرة انخفض من 35 ألف سيارة إلى نحو 25 ألف سيارة عاملة نتيجة الصعوبات والظروف، وتعرض عدد منها لأضرار تمنعها من العمل في المدينة، كما أن عدد باصات النقل الخاصة العاملة حاليًا يقدر بـ 350 باصًا نقل يعود لخمس شركات استثمار.
غياب الأرقام عن مناطق المعارضة
في مناطق سيطرة المعارضة، ورغم غياب الأرقام التي تقدر حجم إنفاق الأسر على التنقلات، ترتفع أسعار المواصلات أضعافًا، وخاصة لدى تنقل المواطنين إلى مناطق سيطرة النظام، فتسعيرة الراكب من سراقب إلى حماة وبالعكس حوالي 25 ألف ليرة، وقال أحد السائقين إن سبب ارتفاع الأجرة هو منع النظام لأهالي حماة من الخروج أو الدخول إلى المدينة باتجاه مناطق المعارضة، حيث تفرض الحواجز عليهم هذه التسعيرة”.
وتبلغ تعرفة التنقل من سراقب إلى حلب خمسة آلاف ليرة. فيما تتراوح أسعار النقل بين المدن وإدلب المدينة بين 100 – 200 ليرة.
ومع استمرار الأزمة السورية تستمر فاتورة المواطنين بالارتفاع في مختلف المجالات في وقت أصبحت فيه المواصلات في بعض المناطق المحررة ترفًا لا معنى له، وأصبحت في مناطق النظام السوري عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :