مراد عبدالله – عنب بلدي
عندما وصل الشاب مروان (25 عامًا) إلى ألمانيا طلبًا للجوء الإنساني، لم يجد منظمة أو جمعية عربية أو سورية تقدم له العون والمساعدة، بسبب قلة معرفته بالقوانين الألمانية التي تخص اللاجئين الواصلين حديثًا، فضلًا عن عدم معرفته باللغة أصلًا، ما اضطره إلى الاستعانة بإحدى المنظمات الألمانية التي أرشده إليها صديقه الواصل قبله.
يصف الشاب، المقيم حاليًا في مدينة دوسلدورف الألمانية، في حديثه مع عنب بلدي، وضع اللاجئين الواصلين حديثًا بـ”الصعب”، فلا أحد يأخذ بيدهم ويدلهم أين يذهبون وكيف يثبتون لجوءهم ويحصلون على أوراق ثبوتية، وهذا سببه عدم وجود المنظمات والجمعيات الأهلية الكافية، والتي يمكن أن تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية.
لكن مروان أصبح “سعيد الحظ” وممتنًا لمنظمة ألمانية لم يتعامل معها من قبل، اسمها “caritas”، ساعدته بتخفيض مخالفة مالية رتبت عليه بقيمة ألف يورو لجهله بقوانين التأمين الصحي، وأوصلتها إلى 250 يورو.
يروي شباب آخرون، وزملاء لمروان، تحدثت معهم عنب بلدي، حاجتهم الحقيقية لمثل هذه الجمعيات لتسهّل عليهم الاندماج في المجتمعات الأوروبية الجديدة، فكثير من هؤلاء الشباب فقدوا أموالًا وتاهوا في طرقات بين المدن وفي شبكات النقل العامة والمترو، لأنهم لا يتكلمون الألمانية ولا الإنكليزية ولا يعلمون أين هم.
يقول مروان “هذه المنظمات يمكن أن تكون السند الحقيقي للاجئين.. عندما قدمت إلى أوروبا لم أصادف إلا منظمة ألمانية واحدة، لكن اليوم الأمر مختلف تمامًا، فقد بدأت هذه المنظمات بالبروز على الساحة، لكن مستوى خدماتها محدود لاعتبارات عديدة، أبرزها التمويل”.
توعية اللاجئين.. واحترام القوانين
على خلفية توافد اللاجئين إلى أوروبا، ووصول 3000 لاجئ إلى جزر اليونان يوميًا خلال الصيف الماضي، وفق أرقام رسمية أممية، بادر عدد من السوريين في أوروبا إلى إنشاء جمعيات ومنظمات غير حكومية، تعنى بشؤون اللاجئين السوريين وتسهّل اندماجهم بالمجتمع الغربي، إذ يوجد حوالي مليون لاجئ سوري يتوزعون على الخارطة الأوروبية، هم بأمس الحاجة للمساعدة في كثير من الجوانب القانونية والاجتماعية.
وكان هدف هذه المنظمات والجمعيات في بداية تأسيسها، تقديم مساعدات مادية وصفها بعض اللاجئين بـ”القليلة”، مثل الملابس أو الأغطية، وإعطاء بطاقات هاتفية “SIM CARD” لتسهيل تواصل اللاجئين مع ذويهم في سوريا أو دول أخرى، كما يوضح مدير جمعية الإيمان في هولندا، وسام (أبو محمد) لعنب بلدي، “كان عملنا في البداية يقتصر على تقديم الدعم المادي البسيط، إضافة إلى الدعم النفسي، خاصة بعد خوض اللاجئ رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث تقوم الجمعية بتوعيتهم بحقوقهم في هولندا وكيفية احترام القوانين”.
شرح أهداف الثورة للأوروبيين
بدوره رئيس جمعية “دعم الشعب السوري” في إسبانيا، عامر حجازي، أوضح لعنب بلدي أن جمعيته، ومنذ البداية، أخذت على عاتقها توضيح ما يجري في سوريا للشعب الإسباني عن طريق عقد لقاءات إعلامية وندوات مع شخصيات وأشخاص من إسبانيا، وقال “كنا نقدم شروحات وصورًا، إضافة إلى ترجمة فيديوهات للوضع الذي يعانيه الناس جراء القصف اليومي في سوريا، ولكن عندما طالت مدة الحرب تم التوجه إلى العمل الإنساني”.
كلام حجازي أكدته ياسمين نحلاوي، مسؤولة الإعلام في “جمعية فكر وتنمية”، التي تأسست بشكل فعلي في 2013، في مدينة مانشستر البريطانية، بأن هدف الجمعية كان منذ البداية تغيير صورة الأزمة السورية في نظر المجتمع البريطاني، والذي يرى أن الحرب في سوريا هي من أجل مكافحة الأرهاب، عن طريق تذكير البريطانيين بأن الحرب ليست ضد الإرهاب، وإنما هي ضد شعب يطالب بحقوقه في وجه نظام لا يعترف بحقوق الإنسان ويسعى إلى خراب البلاد.
تطور أعمال الجمعيات مع ازدياد عدد اللاجئين
بعد إعلان رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس في 2013، بأن 17 دولة وافقت على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين الراغبين في الهجرة، زادت أعداد السوريين الذين قصدوا أوروبا عبر “قوارب الموت”، الأمر الذي دفع بهذه الجمعيات والمنظمات إلى تطوير عملها، ومساعدة اللاجئين في الاندماج بالثقافات والمجتمعات الغربية، وذلك لتلبية الطلب على الخدمات التي يحتاجها اللاجئون.
فبدأت بمساعدة ورعاية اللاجئين لإيصالهم إلى مستوى معين، يكونون قادرين فيه على الانخراط في تقاليد المجتمع الأوروبي عن طريق نشاطات رياضية وثقافية واجتماعية، إضافة إلى توفير دورات لتعلم لغة البلد الذي يوجد به اللاجئ، والبحث عن عمل وتطوير الكفاءات وإعطاء الصورة الأجمل عن المواطن السوري.
لوبي سوري في أوروبا
محمد ربيع الشعار، رئيس المنظمة “الأوروبية السورية للتنمية”، والتي أعلنت عن مؤتمرها التأسيسي الأول في بروكسل نهاية الشهر الماضي، أكد “أنه بعد وصول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى أوروبا، أصبح ضروريًا اجتماع الناشطين والحقوقيين في منظمة واحدة، لقيادة الحراك لصالح القضية السورية خاصة بعد وجود مكون سوري ضاغط في أوروبا”.
وقال الشعار لعنب بلدي إن “هدف المنظمة هو تشكيل مكون سوري جديد، يكون نواة للوبي سوري ضاغط على القرار السياسي في أوروبا، ولصالح اللاجئ السوري والثورة السورية، وذلك عن طريق عمل رسالة موحدة تقدم لوزارات الخارجية في عشر دول أوروبية تنتشر فيها المنظمة في لحظة واحدة، إضافة إلى الدعوة لتنظيم مظاهرات واحتجاجات على عمليات القمع والقصف الذي يمارسه طيران النظام وروسيا بشكل يومي على الشعب السوري”.
تطوير الخدمات الموجهة للاجئين
الضغط الذي شكله اللاجئون في ألمانيا وغيرها من بلدان أوروبا، دفع العديد من المنظمات والجمعيات السورية والأهلية إلى تطوير أدائها، لجهة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي في الإجابة على أسئلة اللاجئين، أو تخصيص أرقام هواتف للإجابة على الاستفسارات.
وهذا ما أكده رئيس جمعية الإيمان في هولندا، وسام أبو محمد، “ازدياد أعداد السوريين، ساهم بتحويل هدف الجمعية إلى مساعدة اللاجئين في البحث عن عمل والتواصل معهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، أو عن طريق (الخط الساخن) الذي أوجدته الجمعية، لكي تتواصل مع الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة أو الذين يتعرضون لإهانات من قبل أي طرف كان”.
نشاطات “ثورية” فنية وثقافية
أخذت هذه الجمعيات والمنظمات على عاتقها مساعدة اللاجئين في تعلم اللغة والاندماج بثقافة البلد، فعملت على إقامة اجتماعات ونشاطات وندوات ثقافية وفنية وأمسيات شعرية، وآخرها كان في 15 شباط في جامعة هان بمدينة “Nijmegen” الهولندية بمساعدة إدارة الجامعة حيث تم عرض فيلم وثائقي قصير عن الحصار في جنوب دمشق إضافة إلى فقرات عزف وغناء.
كما نظمت مظاهرات تطالب بالحرية للشعب السوري، وتنادي برفع الحصار عن مناطق المجاعة في سوريا، وآخرها كان في أمستردام في 18 كانون الثاني، حيث رفع المتظاهرون شعارات ولافتات تطالب بالحرية ورفع الحصار، وتحمّل المجتمع الدولي والعالم مسؤولياتهم إزاء ما يحصل لأهل سوريا من “تجويع ممنهج”.
ويعتبر الشاب السوري، محمد (28 عامًا)، والمقيم في هولندا، أن من أهم الخطوات التي تم اتخاذها حيث يقيم، هي دعوة اللاجئين لاجتماع كل شهر في ما يسمى “صالة الحي” وهي عبارة عن مكان يجتمع فيه أصحاب الجمعيات والمنظمات مع اللاجئين، إضافة إلى وجود هولنديين للتعارف بينهم وحل مشاكلهم.
ويندرج هذا النشاط ضمن ما أعلن عنه رئيس جمعية الإيمان، من تنظيم ندوات للاجئين للتعريف بالثقافة الهولندية، إضافة إلى تنظيم الأشخاص الذين يمتلكون مهارات يدوية وتشغيلهم في ما سماه “شركة مساهمة” بمساعدة منظمة هولندية، بحيث يبقى الشخص يستلم المساعدة المالية من الحكومة، ولكن في الوقت نفسه يصبح عضوًا عاملًا ضمن العمل التطوعي الذي قد يتطور في المستقبل إلى عمل خاص.
ماراثون ترفيهي في إسبانيا
خالفت جمعية “دعم الشعب السوري” في إسبانيا، توجه بقية الجمعيات في عملية دعمها للاجئين السوريين، وذلك بعد دعوتها لإقامة ماراثون يعتبر الأول في أوروبا لدعم القضية السورية، إذ تم تنظيمه، في 21 شباط الجاري، بالتعاون مع منظمة “Amnista internacional” في أشهر شارع في العاصمة الإسبانية مدريد “Castellana”. كما يوضح رئيس الجمعية، عامر حجازي، لعنب بلدي.
وقال حجازي “إن فكرة الماراثون طرحت منذ سنة ونصف، وواجهنا بعض المعوقات لقلة خبرة الجمعية بتنظيم هكذا سباقات”، لكن بمساعدة الجمعية الإسبانية تم التنظيم وشارك فيه حوالي أربعة آلاف عدّاء إسباني، وهدف إلى “توعية الناس لضرورة وقف الحرب في سوريا، وإيقاف القصف الذي يستهدف المدنيين والمشافي والمدارس، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، إضافة إلى إيصال التبرعات التي تم جمعها من خلال الماراثون إلى السوريين”، مؤكدًا أن حضور هذا العدد الكبير من العدائين خالف التوقعات، إذ كان يتوقع حضور ألف عداء فقط.
وأشار حجازي إلى قيام الجمعية بتنظيم مهرجانات موسيقية وفنية، لجمع ريعها وإرسال معونات إلى سوريا، إضافة إلى تعاقدات مع جمعيات أخرى لتنظيم دورات لغة للاجئين الذي تجاوز عددهم ثلاثة آلاف لاجئ في إسبانيا.
أما جمعية “فكر وبناء” فقالت إنها عملت على كتابة وثيقة في السنة الماضية بعد الانتخابات البريطانية، شملت مطالب اللاجئين السوريين وتم تقديمها للسياسيين البريطانيين، وتحتوي على خطوات لحماية ومساعدة اللاجئين السوريين في بريطانيا.
“قصة الحرامات” تشغل ألف سوري في إسبانيا
قضية دمج اللاجئين بالمجتمع شغلت الرأي الغربي، ما دفع الحكومات الأوروبية إلى تقديم تسهيلات لعمل هذه الجمعيات ومنها ما قدمته الحكومة الإسبانية لجمعية دعم الشعب السوري في تنظيمها للماراثون.
فقد أوضح حجازي أن الجمعية حصلت على إذن من “بلدية مدريد” لتنظيم الماراثون، بالرغم من منع البلدية لتنظيم سباقات الجري داخل المدينة سابقًا بسبب عرقلتها للسير، إلا أنه بسبب حساسية الوضع في سوريا تم منح الإذن للجمعية في أشهر مكان في إسبانيا، ما يدل على تعاطف الشعب الإسباني مع الأزمة السورية.
وأثناء عقد المؤتمر التأسيسي الأول للمنظمة “الأوروبية السورية للتنمية” في بلجيكا، قامت الحكومة، بحسب رئيس الجمعية، بفرز دورية من الشرطة البلجيكية لتأمين المؤتمر ما يدل على احترام واهتمام من قبل الحكومة البلجيكية للقضية السورية.
ولم يقتصر التعاون على الحكومات فحسب، فقد أبدى الشعب الأوروبي تعاطفه مع قضية اللاجئين إنسانيًا وإعلاميًا.
وهذا ما أكده حجازي الذي روى “قصة الحرامات”، وهي أن مهندسة إسبانية تعجبت من وضع اللاجئين الواصلين حديثًا، وتساءلت “إذا كان هذا حال هؤلاء فكيف حال الموجودين في سوريا؟”، فقررت بالتعاون مع جمعية دعم الشعب السوري، تجهيز أغطية صوف مشغولة يدويًا، وتم طرح الفكرة على مواقع التواصل الاجتماعي ليصبح أكثر من ألف شخص يحيكون “حرامات” للسوريين خلال أسبوع، ووصل هذا العدد خلال شهر إلى خمسة آلاف شخص.
ولم تقتصر الفكرة على إسبانيا وحدها، فقد انتشرت في فرنسا وبلجيكا وجميع الدول الأوروبية حيث استطاعت الجمعية جمع حوالي 4500 “حرام” مشغولين باليد وتم إيصالها إلى سوريا.
وتقوم مجموعة من الناشطين البريطانيين بتقديم المساعدة، عن طريق تنظيم دورات لغة إنكليزية للاجئين إضافة إلى استضافة البريطانين لبعض اللاجئين في بيوتهم بحسب مسؤولة الإعلام في جمعية تنمية وفكر.
وكان حزب “المسيحي الاجتماعي” الحاكم في ولاية بافاريا الألماني دعا في وقت سابق، لتأسيس قناة تلفزيونية متخصصة في اندماج اللاجئين وتعريفهم بقيم الثقافة الألمانية ما أثار جدلًا بشأن جدواها.
تحلية المياه في سوريا والتوأمة.. أهداف مستقبلية
وحول خطط الجمعيات للمستقبل ومن بينها جمعية “دعم الشعب السوري”، قال رئيسها “قررت أن يكون تنظيم الماراثون سنويًا من أجل سوريا، إضافة إلى تنفيذ مشاريع خيرية داخل سوريا عند انتهاء الحرب، والتواصل مع الجمعيات الإسبانية لإقناعها بتنفيذ مشاريع إنسانية مثل مشاريع للأيتام واستخراج المياه من الآبار بسبب وجود ابتكارات جديدة ورخيصة، تمكن من تحلية المياه دون الرجوع إلى الدولة من أجل تعقيمها، إضافة إلى التواصل مع مهندسين إسبان لوضع خطط لإعادة الإعمار في سوريا.
أما المنظمة السورية الأوروبية للتنمية فأوضح رئيسها، أنها تعمل على مشروع للتوأمة بين المدن والبلدات الأوربية والسورية، مثل توأمة حلب بمدينة بروكسل، ما يؤدي إلى مساعدة الإنسان السوري بسبب الإمكانيات القوية التي تمتلكها هذه البلدات، وبالتالي النهوض بسوريا بعد انتهاء الحرب، بحسب رئيس المنظمة محمد ربيع الشعار.
نقص التمويل.. أبرز العقبات
وبالرغم من نجاح هذه الجمعيات في الوصول إلى بعض أهدافها، إلا أنه يبقى هناك بعض المعوقات التي تعترض عملها، والتي لخصها رئيس جمعية الإيمان، وسام أبو محمد، بالقول “أبرز المعوقات هي قلة الدعم من الجمعيات والمنظمات الكبرى وحكومات البلد الموجودة فيه هذه الجمعيات، والصعوبة في إقناع بلدية البلد الأوروبي بالمشروع للحصول على الدعم”.
ويبدو أن عمل هذه الجمعيات في أوروبا، لن يكون محصورًا عند هذا المستوى من الخدمات والمساعدات اليومية، فأعداد اللاجئين تتزايد يوميًا مع تزايد مستويات العنف في سوريا، ما يعزز إمكانية طرح احتمال تحول هذه الجمعيات إلى أذرع حكومية، تعيل المسؤولين وترشد الحكومات إلى اتخاذ القرار المناسب حيال اللاجئين من الشرق الأوسط، وهذا طرح له جانبان إيجابيان: الأول يساعد الحكومات ويحمل عنها “كتف”، والثاني يسهّل على اللاجئين ويكسر أمامهم حاجز الغربة واختلاف اللغة ويسرّع من اندماجهم في المجتمعات أكثر.
المنظمة غير الحكومية
هي منظمة لا تخضع لأي حكومة أو مؤسسة دولية، يقوم على تأسيسها مجموعة من الأفراد (سياسيون وحقوقيون وغيرهم)، وتموّل من التبرعات المالية المقدمة من جهات فردية أو جماعية أو دولية، على أن تكون تلك التبرعات غير مشروطة أو ذات طابع غير ربحي، ولا تملك أي خلفية تضر بعمل المنظمة وأهدافها، وتكون قرارتها مستقلة عن سلطات الحكومية.
وتهدف المنظمات غير الحكومية إلى مساندة مشروعات في بلدان العالم النامية والمتضررة جراء الحروب، وتكون أحيانًا متخصصة بمجالات معينة، مثل: الرعاية الصحية، أو الزراعة، أو جهود الإغاثة في حالات الطوارئ، أو البيئة، أو التعليم، أو تنمية المجتمعات المحلية،أو مزيجٍ من هذه المجالات.