ملاذ الزعبي
في الجنغل، يتحول أبو عمر من راع للأغنام في قرية أبو الظهور الإدلبية إلى “مختار” لنحو أربعمئة سوري، مختار يقوم بإحصاء السكان ويجيد التحدث بالإنجليزية ويتواصل مع منظمات غير حكومية وممثلي جهات رسمية بريطانية بهدف ضمان وصول قاصرين سوريين إلى المملكة المتحدة ومنحهم حق اللجوء فيها.
في الجنغل لا ينسى سوري تحولت بلاده إلى دمار، ودفعه هذا الدمار على وجه الدقة إلى الهرب بعيدًا بعيدًا، لا ينسى أن يكتب على حائط مجاور: سورية الله حاميها.
في الجنغل، ثمة عراقيون كانوا مقاتلين في ميليشيات طائفية قتلت السوريين في أرضهم، ووفروا نتيجة مشاركتهم في القتال بضعة آلاف من دولارات وجاؤوا بها وصولًا إلى ما قبل أرض بريطانيا الموعودة، يذهبون إلى بلاد إليزابيث رافعين شعار “لبيك يا زينب” على خيمهم المرتجلة.
في الجنغل، شبان من البدون، لم يمنعهم حرمانهم من الجنسية الكويتية من أن ينسبوا أنفسهم تحديدًا إلى هوية حُرموا منها وشرّدتهم إلى خيمة قرب بحر المانش، فخطّوا على باب خيمتهم: شباب الكويت.
في الجنغل، يتشارك سوداني هارب من جحيم درافور خيمة مع سوداني من الخرطوم حالم بمستقبل أفضل، ويرسم كل منهما علمًا مختلفًا لبلاده.
في الجنغل، يقطع ماليزيون يدرسون في مدينة بعيدة مئات الكيلومترات، لطبخ بعض الطعام لقاطني المخيم.
في الجنغل، يأتي بريطاني يحمل مجموعة من الأغطية، يوزعها وهو يعتذر نيابة عن بلد لا يريد مزيدًا من الأجانب.
في الجنغل تصادف أفغانًا من الباشتون والهزارة والطاجيك والأوزبك والبلوش والتركمان، من السنة والشيعة، من قندهار ومن كابول ومن مزار الشريف، اجتمعوا في بقعة واحدة دون أي وساطة دولية وبلا أي أمم متحدة.
في الجنغل، لم ينس فلسطيني لم يرَ فلسطين في حياته، أن يرسم خريطة بلاده من نهرها إلى بحرها على باب خيمة مصنوع من لوح خشبي، مرفقة بشعار “القدس لنا”.
في الجنغل، ثمة أفارقة أتوا من بلاد استعمرتها فرنسا سابقًا ويرفضون هم إعمارها اليوم، مفضلين إكمال الطريق إلى بلد لا يتحدثون لغته.
في الجنغل، يتقاسم كردي من العراق خيمته مع كردي من سوريا، ويحلمان بلندن وكردستان.
في الجنغل، هنالك مهاجرون اقتصاديون، ولاجئون إنسانيون، ومطلوبون سياسيون، وهاربون من الجوع، وعاطلون، وقتلة، وضحايا، وقتلة الضحايا، وضحايا الضحايا، ومتطوعون، وموظفون حكوميون، وصحافيون، وفضوليون.
الجنغل (الغابة- The Jungle): هو الاسم الذي يعرف به مخيم في مدينة كاليه الفرنسية، المدينة الأقرب للشواطئ البريطانية، ويقيم في هذا المخيم المهاجرون واللاجئون الآملون بالوصول إلى بريطانيا.