“رغم حاجتي الماسة إلى الدعم، لم أتلقَّ أي دعم سواء من مؤسسات (الإدارة الذاتية) أو المنظمات الإنسانية”، هذا ما قاله أسعد الشيخ (أبو دحام) لعنب بلدي.
أسعد فقد قدمه اليسرى عند عودته إلى منزله بعد رحلة تهجير طويلة، نتيجة لغم زرعه تنظيم “الدولة الإسلامية” في منزله بمدينة الشعفة.
ويمشي أسعد إلى عمله في بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي متكئًا على عكازيه، لأن طرفه الصناعي رُكب بشكل غير صحيح، ما زاد معاناته في المشي والحركة.
يعول أسعد، أو “أبو دحام” كما يناديه الناس، عشرة أطفال من مهنة بيع المشروبات، لكن العمل قليل ولا يكفي لتوفير احتياجات أسرته، حسب قوله.
ما أثقل كاهل “أبو دحام” ليس فقط انعدام الدعم، فمضايقات أقربائه له بسبب إعاقته اضطرته لمغادرة القرية التي عاش فيها وأصيب فيها.
وكانت دير الزور واحدة من “أكثر المناطق في سوريا التي تعرضت للحروب والمعارك”، نجم عنها ألغام وذخائر لم تنفجر، موزعة في أماكن متفرقة، وتؤذي المدنيين بشكل متكرر، وفق ما قاله مدير جمعية “ضياء الحق” التابعة لمستشفى “الفرات” في بلدة أبو حمام، عبد الرحمن الرزج، لعنب بلدي.
ويوجد في دير الزور أكثر من عشرة آلاف حالة إعاقة، منها البتر وفقدان البصر والسمع والشلل وضمور الدماغ والشلل الدماغي، بحسب الرزج.
ووسط تزايد أعداد الإصابات، لا يوجد أي مركز متخصص برعاية ذوي الإعاقة، سوى بضعة مراكز للعلاج الطبيعي في بعض المستشفيات العامة، ومركز لتصنيع الأطراف في مستشفى “الفرات” العام في بلدة أبو حمام.
خدمات “بسيطة” لا تسد الحاجة
عبود التركي، مزارع يعيش في بلدة هجين بريف دير الزور الشرقي، أصابته قذيفة من طائرة مسيرة تابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (المظلة العسكرية لـ”الإدارة الذاتية”) وتسببت ببتر قدمه، في 2 من أيلول الماضي.
لم تكتفِ القذيفة ببتر قدم عبود، بل وأصابت عددًا من أفراد عائلته، منهم ابنة شقيقته التي قُطعت أصابع قدمها، ما أثر على قدرتها على المشي بشكل طبيعي.
تلقى عبود العلاج الأولي في مستشفى “هجين” العام، وما زال بحاجة لإجراء عملية جراحية “ضرورية” تكلفتها خمسة آلاف دولار، في حين أنه لم يتلقَّ أي دعم من “الإدارة الذاتية” أو المنظمات المعنية، بجانب ابنة شقيقته ذات الـ18 عامًا.
وقال مدير مستشفى “هجين”، مشاري الحزوم، في حديث لعنب بلدي، إن في المستشفى قسمًا يقدم خدمات لذوي الإعاقة، ويتلقى القسم دعمه من منظمة “Handicap”.
ويقدم القسم دعمًا نفسيًا وفيزيائيًا لذوي الإعاقة، إضافة إلى توفير أدوات تساعد على الحركة مثل الكراسي المتحركة وكراسي الحمام والعكازات.
من جهة أخرى، أوضح مدير جمعية “ضياء الحق”، عبد الرحمن الرزج، أن هناك منظمات عاملة في المنطقة تقدم كراسي متحركة، لكن لا توجد أي منظمة تقدم كراسي كهربائية.
وترعى جمعية “ضياء الأمل” المحلية ذوي الإعاقة بتقديم أطراف صناعية مجانًا للأهالي، ولكنها تعتمد على وسائل بسيطة نظرًا إلى محدودية الدعم المالي، إضافة إلى توفير احتياجات طبية وبعض الأجهزة المساعدة للحركة.
ولم تتلقَّ الجمعية أي دعم من جهة دولية أو حكومية لتعزيز جهودها في دعم ذوي الإعاقة واقتصر الدعم بحسب الرزج على مساهمات من “أهل الخير” في المنطقة.
من جهة أخرى، قال بكر سيد أحبش لعنب بلدي، وهو طبيب في مستشفى “الكسرة”، إن تقديم الدعم الصحي مقتصر على منظمة “HI” المختصة بإزالة الألغام وإعادة التأهيل، بينما تركز منظمة “Medical Relief For Syria” المتمثلة مهمتها في تقديم الدعم والمساعدة الطبية الحيوية إلى المحتاجين في سوريا، على تقديم الدعم النفسي، إضافة إلى منظمات محلية أخرى.
بين الحرب والزلزال
مخلفات الحروب والقذائف ليست الوحيدة التي تسببت بحالات إعاقة بين السوريين، فزلزال سوريا وتركيا، في 6 من شباط الماضي، خلف أيضًا عديدًا من تلك الحالات، إذ بلغ عدد الإصابات نتيجة الزلزال في شمال غربي سوريا أكثر من 12400 مصاب، وفق إحصائية لـ”الدفاع المدني السوري“.
ومن بين آلاف مصابي الزلزال كان مؤيد مصطفى، الذي نزح إلى بلدة حوايج البومصعة في ريف دير الزور الغربي بعد تعرضه لإصابة تركته مقعدًا، وترك إثرها عمله كبلاط مضطرًا رغم أنه المعيل الوحيد لعائلته.
إصابة مؤيد شملت كسرًا في مفصل الركبة والجزء السفلي من الفخذ، وتلقى حينها دعمًا من مستشفى “الضياء” في مارع لمتابعة علاجه، إلا أن تشخيصه لاحقًا بتكلس المفصل، جعله محتاجًا إلى جراحة ثانية للتعافي بشكل كامل، لكن أوضاعه المالية تمنعه من استكمال العلاج الضروري.
“الإدارة” الغائبة الحاضرة
عقدت هيئة “الشؤون الاجتماعية والعمل” في “الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا”، في 23 من تشرين الأول الحالي، المؤتمر الأول لذوي الإعاقة، تحت شعار” بإرادتنا نصنع الامل”، وقالت الرئيسة المشتركة للهيئة، مريم الإبراهيم، في كلمة لها، إن “الإدارة” حاولت تأمين الدعم النفسي “بالدرجة الأولى” وتأمين فرص العمل والاهتمام بتأهيل ذوي الإعاقة من كل الجوانب، وأهمها الجانب الإنساني والاجتماعي.
وأضافت أن هذا المؤتمر دليل على أن “الإدارة” لم تستثنِ فئة من المجتمع.
وانتهى المؤتمر مع عدة مخرجات، منها إلزام جميع الإدارات الذاتية والمدنية في شمال شرقي سوريا بتطبيق نسبة العمل المحددة لذوي الإعاقة، ومتابعتها من قبل المكاتب المختصة، والعمل على إلزام المنظمات العاملة في المنطقة بتقديم الدعم لهم.
ويشهد ريف دير الزور “زيادة كبيرة” في حالات الإعاقة بين الأطفال في المنطقة، وبخاصة فيما يتعلق بحالات ضمور الدماغ، حسب عبد الرحمن الرزج.
وأوضح الرزج أنه لا يوجد خطة تعليمية مخصصة للأطفال ذوي الإعاقة من قبل “الإدارة”، ولا توجد أي مرافق عامة تخدم هذه الفئة في المنطقة.
وأصدرت “الإدارة” قرارًا بتخصيص 7% من الوظائف في القطاع الحكومي لذوي الإعاقة، لكن لم ينفذ حتى الآن.
ويتفق مشاري الحزوم مع ما قاله الرزج، موضحًا أن ما من خطط واضحة لإنشاء مرافق عامة تساعد ذوي الإعاقة، إلى جانب عدم وجود خطط من قبل “الإدارة” لدمج ذوي الإعاقة في سوق العمل أو المحافل الاجتماعية.
ومن جهته، يرى سيد أحبش أن هناك منظمات تسعى لتمكين ذوي الإعاقة للدخول في المجال الاجتماعي وقطاع العمل، ولكن بشكل محدود.
ويعاني حوالي 1.5 مليون سوري من إعاقات مستديمة ناجمة عن الصراع، ومنهم 86 ألف شخص أفضت إصابتهم إلى بتر الأطراف بحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في 2017.
ومع احتدام الصراع الدائر باستخدام أسلحة متفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، واستمرار المخاطر المرتبطة بارتفاع مستوى التلوث بالمتفجرات في جميع أنحاء البلاد، تزداد أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات التأهيل، التي تقل يومًا بعد يوم.
اقرأ أيضًا: ذوو الإعاقة بمخيمي “رأس العين” و”التوينة” خارج الحسابات
–