حسام المحمود | خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم
يبدي النظام السوري تمسكًا بسردية “المقاومة والممانعة” كموقف من الأحداث الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم الحرب التي يخوضها على الأراضي السورية منذ أكثر من 12 عامًا في سبيل الحفاظ على مفاصل الحكم، ضد مطالب السوريين التي تنادي بإسقاطه منذ عام 2011.
الحرب التي شغلت أروقة السياسة الدولية لأكثر من عقد من الزمن، ولا تزال رهن توافقات لأربعة جيوش أجنبية منتشرة على الأراضي السورية، وأخرى لديها مصالح ووكلاء في الجغرافيا نفسها، أدت إلى تهالك الاقتصاد السوري وتدهور الليرة أمام الدولار، وارتفاع الأسعار المتواصل وغياب المعقولية بين الأسعار ومستوى الدخل.
إلى جانب ذلك، يخوض النظام السوري منذ 12 عامًا حربًا لم تخمد كليًا ضد المدن والمناطق الخارجة عن سيطرته، قبل استعادة بعضها بالحديد والنار.
هذه العوامل لم تطوِ حديث النظام عن فلسطين والاحتلال، واستعادة الأرض، ممسكًا بالبوصلة الإيرانية، وصولًا إلى قصف الشمال السوري تحت هذه الذرائع.
الاكتفاء بالحداد، ونقل الأخبار، وصولًا إلى انطلاق قذائف من الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، لم يكن يتطلب رفع حالة التأهب الإسرائيلي في المنطقة، ونقل تعزيزات لألوية “النخبة” (غولاني وناحال) من الهضبة إلى العمق المحتل، مع تحليق مكثف لطيران الاستطلاع في اليوم الأول من العملية، إذ اقتصر موقف النظام السوري، حتى إعداد هذا الملف، على هذا القدر.
تناقش عنب بلدي مع باحثين ومحللين سياسيين مطلعين غياب النظام السوري عن التصعيد الإسرائيلي في غزة، رغم مطالبة قادة حركة “حماس” بدعم أكبر من الدول العربية، إلى جانب دعوات محلية مطالبة بتحرك من هذا النوع، وأخرى تنتقد قصف النظام للمدنيين في الشمال السوري، وإشاحة نظره عن الجبهة الجنوبية مع إسرائيل.
لا كلمة للأسد في التصعيد
منذ وصوله إلى الحكم في سوريا دون انتخابات عام 2000، تمسك بشار الأسد بالخطاب السياسي ذاته الذي تبناه الأسد الأب، حول فلسطين، ومركزية القضية، والصراع العربي- الإسرائيلي، دون خروج عن النص من جهة، ودون أفعال تثبت مصداقية النص أو اتباعه من جهة أخرى.
ورغم أن قطاع غزة يشكّل فتيلًا سريع الاشتعال إقليميًا، عبر عدة معارك أو عمليات عسكرية، صعّدت فيها إسرائيل ضد القطاع، لتنتهي كل عملية باتفاق وقف إطلاق نار، بعد خسائر بشرية ودمار كبير في البنى التحتية، لكن التصعيد الحالي الذي بدأ في 7 من تشرين الأول الحالي، يبدو مختلفًا عما سبقه في هذا الإطار.
عاصر النظام السوري عدة عمليات عسكرية إسرائيلية ضد القطاع، فدعا خلال تصعيد 2008 إلى قمة عربية في دمشق، على مستوى الرؤساء، حضرها 11 رئيسًا، وغاب ثمانية، وقاطعتها لبنان.
وحينها شدد الأسد على ضرورة العمل المشترك والتجمع والتعاون، واعتبر أن إسرائيل انتهزت كل الفرص لتثبت رفضها للسلام والمبادارت العربية بهذا الشأن، ولم تقدم القمة أكثر من المتوقع منها، ولم تخرج بما هو ملموس.
وفي عام 2011، حصل تصعيد إسرائيلي آخر ضد غزة، تبعه تصعيد في 2014، وآخر في 2021، دون انقطاع نهائي للمناوشات خارج هذه التواريخ، لكن المشترك بين هذه العمليات أن أولاها جاءت بعد أشهر من انشغال الأسد بالاحتجاجات الأهلية المطالبة برحيله، وتتابعت جولات التصعيد مع الوقت الذي انشغل فيه النظام أيضًا بعمليات عسكرية واسعة النطاق لتطويع المدن والبلدات السورية المعارضة، بقوة الطيران والمدفعية، ليأتي التصعيد الحالي مع تراجع وتيرة العمل العسكري في سوريا، دون انقطاعه طبعًا.
وإلى جانب الوضع الداخلي للنظام السوري، الذي يواصل التصعيد العسكري في إدلب، متجاهلًا أصوات الاحتجاجات في السويداء، وتردي الواقع المعيشي، وتعثر مسارات الحل السياسي للملف السوري على أكثر من مستوى، فإن توجهًا عالميًا يعبر عن نفسه حاليًا مفاده “إدانة حماس”، وهي عوامل لا يمكن تجاهلها في السياق السوري، قد تكون مؤثرة جزئيًا في تغاضي النظام السوري عن حرب غزة.
وفي 26 من تشرين الأول الحالي، أطل الأسد بظهور مقتضب موجه للداخل، عبر حوار مع مجموعة من أعضاء السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية.
وخلال الحوار، اتهم الأسد الدول الأوروبية والولايات المتحدة بانتهاج معيار واحد في سياستهم، وهو الانحياز الدائم لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الشعوب والدول الأخرى، معتبرًا ذلك أحد أبرز الأسباب التي تشعل الصراعات في “منطقتنا التي تشهد الآن حربًا على غزة، تمثل نموذجًا صارخًا لهذا الانحياز”، على حد قوله.
واعتبر الأسد أن ما يحصل في غزة أعاد قضية فلسطين إلى “مكانتها الحقيقية في الوجدان والوعي العربي”.
لكن الأسد لم يرفع سقف التصعيد في هذا الظهور، وبقي في إطار التوجيهات العامة المكررة كلما اقتضت الحاجة بالشأن الفلسطيني.
من المدهش أن الأسد لم يتحدث بعد عن الأزمة، لأن دعم فلسطين يلعب دورًا كبيرًا في خطاب حكومته وتصويرها الذاتي. لكن وزارة الخارجية ووسائل الإعلام الرسمية السورية بذلت الكثير من الجهد في هذه القضية، لذا فهي بالكاد تغيب عن جدول الأعمال.أتصور أن الحكومة في دمشق تدرس هذا الصراع عن كثب، لأسباب ليس أقلها أنه يمكن أن يؤثر على سوريا بشكل مباشر بطرق مختلفة، فهناك خطر جدي من التصعيد بين إسرائيل و(حزب الله)، وإذا حدث ذلك، فقد ينتشر القتال بسرعة إلى سوريا، كما كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية في سوريا، بما في ذلك ضد المطارات في حلب ودمشق.
الباحث بالشأن السوري والزميل في مركز “Century International” آرون لوند |
الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي أن الوضع الحالي في غزة غير مسبوق، والولايات المتحدة حاليًا في أكثر مراحلها حزمًا منذ خروج جورج دبليو بوش من الحكم، وخصوصًا على مستوى الدعم العسكري والغطاء والتهديد المباشر، وبالتالي فالمواقف لجميع الأطراف قد يكون ثمنها غاليًا، خاصة أن الأراضي السورية مستباحة، ويمكن استهداف مطاراتها إسرائيليًا في أي وقت، واستمرار القصف، وحتى القصف الأمريكي لقواعد تتبع لـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا.
وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قال خلال مؤتمر صحفي أمام البيت الأبيض، في 25 من تشرين الأول الحالي، “لا عودة إلى ما كان عليه الوضع في 6 من تشرين الأول، أي أن (حماس) لم تعد قادرة على إرهاب إسرائيل واستخدام الفلسطينيين دروعًا بشرية”.
وأضاف، “عندما تنتهي هذه الأزمة، يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعدها، ومن وجهة نظرنا، يجب أن يكون حل الدولتين”.
كما شهد التصعيد الإسرائيلي أربع زيارات سياسية إلى إسرائيل، للدعم والتضامن، أجراها كل من الرئيس الأمريكي، ورئيسي وزراء بريطانيا واليونان، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي اقترح إنشاء تحالف دولي لمحاربة ما اعتبرها “الجماعات الإرهابية” في غزة.
وقال ماكرون، “مثلما كان هناك تحالف ضد (داعش)، يجب التحرك ضد الجماعات الإرهابية التي تهدد الجميع، التحرك ضد (حزب الله)، وضد ما يحدث في اليمن، إنه في المصلحة”.
الخبير السبايلة أوضح أن النظام السوري يعلم أنه هدف في هذه الحالة، لأن الحديث عن اجتثاث “حماس” يقود إلى الجغرافيا السورية، والنظام ربما يتبع نظرية عدم تقديم ذرائع لاستهدافه، لأنه يعلم أنه بلا قدرة على المواجهة، وأن أدوات الأزمة الداخلية موجودة، وأن المشكلات التي يعيشها على مدار الأشهر الأخيرة كبيرة.
على المستوى الأمني، يعاني النظام من عودة التنظيمات بصورة قوية، مع الحديث التركي عن إمكانية البقاء لوقت طويل في بعض المناطق السورية، وحالة عدم الرضا في الساحل، والغضب في الجنوب، وكل هذا يترافق بوضع اقتصادي واجتماعي متدهور.
كل هذه المعطيات، برأي السبايلة، تشير إلى أن النظام سينأى بنفسه بأي طريقة، باستثناء بعض الصواريخ مجهولة الهوية ربما، عبر السماح لبعض الأطراف باستخدام الحدود، كإشارة إلى وجوده، لكنه في الوقت نفسه ليس جزءًا من المعركة.
مسافة مع “حماس”
منذ بداية التصعيد الإسرائيلي، ارتفعت وتيرة تحركات “محور المقاومة والممانعة” على مستوى التواصل واللقاءات السياسية مع شخصيات وقياديين في “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، سواء مع مسؤولين إيرانيين أو آخرين في “حزب الله” اللبناني، بينما لم يعلن النظام السوري التواصل مع أي ممثلين سياسيين في الحركة، ولم يذكر اسمها في وسائل الإعلام الرسمية والمقربة.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن الوزير حسين أمير عبد اللهيان أجرى اتصالين منفصلين، في 23 من تشرين الأول، مع رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، إسماعيل هنية، والأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي”، زياد النخالة، لاستعراض التطورات الميدانية في الأراضي الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على غزة.
وكان وزير الخارجية الإيراني التقى هنية في العاصمة القطرية الدوحة، في 14 من تشرين الأول، وناقشا عملية “طوفان الأقصى”، و”أكدا التعاون المستمر لإنجاز أهداف المقاومة والشعب الفلسطيني”، وفق بيان لحركة “حماس”.
بدوره، استقبل الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين، ونائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، صالح العاروري، في 25 من تشرين الأول.
واستعرضوا الأحداث في غزة والمواجهات القائمة عند الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تقييم المواقف المتخذة دوليًا وإقليميًا وما يجب على أطراف “محور المقاومة” القيام به في هذه المرحلة لتحقيق “انتصار للمقاومة في غزة”، إلى جانب الاتفاق على مواصلة التنسيق والمتابعة الدائمة للتطورات، وفق ما ذكرته قناة “المنار” اللبنانية.
علاقة مضطربة
بدا الأسد خلال التصعيد الحالي الذي دخل أسبوعه الرابع بعيدًا عن “حماس” أمام وسائل الإعلام على الأقل، وهو ما مهدت له طبيعة العلاقة التي أخذت شكلًا مختلفًا منذ بداية الثورة في سوريا، واصطفاف قادة الحركة إلى جانب الثورة على الأسد لعقد من الزمن، قبل إعادة “تقييم” موقفها، وسعيها خلف إعادة التحالف مع النظام السوري.
بعد انطلاق الثورة في سوريا، عام 2011، أيد قادة من “حماس” علنًا الاحتجاجات التي شهدتها سوريا، وقطعت الحركة العلاقات مع حكومة النظام وأغلقت مكاتبها في دمشق، وغادرت الأراضي السورية.
وفي 2021، اتجهت للتقارب مجددًا مع النظام، بوساطة من “حزب الله” اللبناني، ثم أجرى وفد من الفصائل الفلسطينية زيارة إلى دمشق للقاء الأسد، في 19 من تشرين الأول 2022، وكان من ضمن الوفد رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في “حماس”، خليل الحيّة.
وقال الحيّة، خلال مؤتمر صحفي إثر اللقاء، “نعتقد أنه يوم مجيد ويوم مهم (…) نعتبره لقاء تاريخيًا وانطلاقة جديدة متجددة للعمل الفلسطيني- السوري المشترك”، واتفق الطرفان، وفق الحيّة، على “طي صفحة الماضي”، وأوضح أن “حماس” عادت بعد “أخطاء فردية” من بعض أفرادها لم تقرّها قيادتها، وهي على “قناعة بصوابية هذا المسار لتجاوز الماضي إلى المستقبل”.
كلام الحيّة لم يعكسه الواقع لاحقًا، إذ هاجم بشار الأسد قيادات “حماس”، في 9 من آب الماضي، ووصف موقفها بأنه “مزيج من الغدر والنفاق”، لأنها كانت تدّعي المقاومة، وحملت ما قال إنه “علم الاحتلال الفرنسي لسوريا” (في إشارة إلى علم الثورة السورية)، موضحًا أن العلاقة اليوم ضمن المبدأ العام.
وقال الأسد خلال مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، إن “بعض قادة (حماس) كانوا يقولون إن سوريا طلبت منهم أن يقفوا معنا، وهذا الكلام غير صحيح”.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن سياسة النظام السوري بالتعامل مع التصعيد في غزة قائمة على ثلاث استراتيجيات، الأولى تتمثل بالشحن الإعلامي، والثانية باستنفار بعض النخب للتركيز على المقاومة باعتبارها عنصرًا رئيسًا من سردية النظام الإعلامية، والثالثة هي الانضباط بالرؤية الإيرانية.
وأوضح طلاع أن إيقاع التحركات خارج غزة لا سيما في لبنان وسوريا يحتاج إلى “مايسترو واحد” وهو إيراني، معتبرًا أن النظام يتعاطى بانصياع كامل لتوجهات طهران في هذا الملف، ولا يريد بمكان ما دحرجة الصراع خارج غزة.
ويرى الباحث أن من مصلحة النظام حصر الموضوع في منطق إدارة أزمة داخل غزة قدر المستطاع، وتطبيق استراتيجيات إدارة الأجهزة بكل أشكالها داخل هذه الجغرافيا، لمصلحة أدوات التفاوض التي بدأت أو ستبدأ في المدى المنظور.
ولا يزال النظام السوري يريد أن يقول ويفصل ما بين “حماس” القيادة و”المقاومة”، ولذلك هو لا يريد أن يعطي أهدافًا مجانية لقيادة “حماس”، التي أشار بشار الأسد إليها بالتلوّن وعدم الموثوقية، وفق طلاع.
في 10 من تشرين الأول 2022، ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية المقربة من النظام، أن العلاقات في المرحلة الحالية تتعلق بعودة “حماس” كفصيل “مقاوم” فقط، وضمن وفد يمثّل كل الفصائل الفلسطينية، دون أن يكون لها أي تمثيل فردي في سوريا.
“النظام السوري حريص على التماهي مع المحددات الإيرانية لإدارة الصراع والتصعيد الراهن في غزة، وحريص على عدم تغيير سرديته الخاصة تجاه (حماس)”.معن طلاع – باحث في مركز “عمران للدراسات” |
وقال طلاع، إن النظام يدرك أن أي تغيير في قواعد اللعبة على الأرض مع إسرائيل سيكون بمنزلة الطلقة الأخيرة في رأسه، لذلك هو حريص على إرسال رسائل واضحة إلى تل أبيب بأنه لا يريد تغيير قواعد اللعبة.
واعتبر الباحث أن النظام السوري يحاول التمسك بمكانه وإثبات أنه ضابط أمني إلى حد ما في جغرافيا تراعي أمن اسرائيل، وهو حريص على ذلك، وسيبقى محافظًا على سياسة احترام قواعد اللعبة.
هل يبحث النظام عن مكاسب؟
عقب أيام من بدء “طوفان الأقصى” بهجوم نفذته “كتائب القسام” التي تشكّل الذراع العسكرية لـ”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) على مواقع ومستوطنات إسرائيلية في غلاف قطاع غزة، جنوبي فلسطين، اتجهت الأنظار نحو الجبهة الشمالية الإسرائيلية حيث تتمركز ميليشيات مدعومة من إيران، أبرزها “حزب الله” اللبناني، ومجموعات أخرى بأسماء متنوعة تنتشر في سوريا.
وسرعان ما نقلت الإمارات تحذيرًا إسرائيليًا لبشار الأسد، للبقاء بعيدًا عن الحرب الدائرة، وعدم السماح باستخدام الجنوب السوري منطلقًا لعمليات تستهدف إسرائيل، بحسب تسريب نقله موقع “أكسيوس” عن مسؤول إماراتي.
الباحث في معهد “واشنطن” أندرو تابلر، قدم عبر تحليل موجز في هذا السياق نصيحة بعدم تخفيض العقوبات عن النظام السوري قبل التأكد من إمكانية ضبط حدوده الجنوبية.
كما أن الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، والمتخصص بالشأن السوري سام هيلر، قال لعنب بلدي، إنه لا يرى أي فائدة للأسد من الحرب الدائرة في غزة، إلا بقدر ما يحتمل أن يظهر “محور المقاومة” بموقف أقوى في مواجهة إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، يرى الباحث أنه لا يمكن لدمشق الاستفادة من الوضع القائم لتأمين تخفيف العقوبات من قبل الحكومة الأمريكية، معتبرًا أن الوضع الراهن لا يسمح للنظام بلعب دور نشط بشكل خاص الآن، خصوصًا أن الصراع مستمر.
ويعتقد هيلر أنه ربما كان لسوريا دور أكثر أهمية سابقًا، في مساعدة “محور المقاومة” على الاستعداد لهذا النوع من المواجهة، لكنه غير متاح اليوم.
الباحث المتخصص في الشأن السوري اعتبر أن الفائدة الوحيدة التي يمكن لدمشق تحقيقها هي فائدة غير مباشرة فعليًا، إذا تمكن “المحور” بأكمله من الخروج من هذا الوضع بشكل أقوى في نظر إسرائيل، لكن في الوقت نفسه، لا فائدة مباشرة يرجوها النظام من هذا الوضع.
يحاول الاستفادة من كل شيء
يرى مدير مركز “رامان للدراسات”، الباحث السياسي بدر ملا رشيد، أن النظام يحاول الاستفادة من كل شيء لإدامة آلة قتله، بدءًا من سرقة حليب الأطفال السوريين المتضررين بالزلزال، وصولاً إلى توزيع “الكبتاجون” على العالم، عوضًا عن المساعدات الإنسانية.
ويرى ملا رشيد أن النظام سيحاول زيادة مقدار أي فائدة محتملة مما يحدث في غزة، لتلقي مزيد من الدعم عبر الدول التي تقف في مواجهة مع الغرب حاليًا، كروسيا والصين وإيران.
وفي الوقت نفسه، يرى الباحث أن الدول نفسها أثبتت خلال سنوات طويلة أن هدفها تفتيت بنية كيان الدولة السورية أكثر لإدامة مصالحها قدر الإمكان، ولجعل سوريا أداة لابتزاز دول الجوار والعالم لا أكثر.
من جهة أخرى، اعتبر الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، أن قرار ضبط الميليشيات الإيرانية على الأراضي السورية ليس قرارًا سوريًا، كون هذه الميليشيات تستورد التعليمات من “الحرس الثوري الإيراني” مباشرة، وليس من القصر الجمهوري في سوريا.
واتخذ الباحث قضية تهريب المخدرات نحو الدول المحيطة بسوريا مثالًا على غياب صلاحيات النظام للتدخل في هذا الملف.
وتعتبر سوريا مصدرًا لتهريب المخدرات نحو دول الجوار، وتشرف ميليشيات مدعومة من إيران على هذه العمليات، وسبق أن حاولت الأردن ودول عربية أخرى منذ مطلع العام الحالي إيقاف تدفق المواد المخدرة نحو أراضيها عبر إقامة مسارات سياسية مع النظام السوري، لكنها لم تنجح في ذلك.
التفاعلات تتغير
رغم محاولة الأطراف كافة، متضمنة الولايات المتحدة، الحفاظ على مستوى منضبط جدًا من عدم المواجهة، تتغير التفاعلات الأمنية والعسكرية على الأرض في سوريا ولبنان بشكل مستمر عقب “طوفان الأقصى”.
ويرى مدير مركز “رامان” للدراسات، بدر ملا رشيد، أن النظام وإيران من خلفه مع الميليشيات المتربطة بهم مطالبون من السوريين وكثير من شعوب المنطقة ولو على سبيل “التهكم” بالتدخل لنصرة غزة، كون شعوب هذه الدول تدرك أن هذه الأنظمة رفعت شعارات مواجهة إسرائيل للتغطية على الحروب التي شنتها ضد مجتمعاتها نفسها.
ورغم هذه الوقائع، تمهد الأحداث الأمنية المعقدة لانفلات الأوضاع نتيجة انتشار كثير من التنظيمات ما دون الدولة، وهو ما دفع إسرائيل لتغيير في سياسة عملياتها الجوية بمرحلة ما بعد عملية “طوفان الأقصى”.
وبينما كانت تل أبيب تستهدف خلال السنوات الماضية مواقع تخص الميليشيات الإيرانية والأسلحة التي تهربها إلى سوريا ولبنان، وبعض مراكز التقنيات المتطورة للأسلحة، واغتيال بعض القادة، انتقلت لتستهدف بشكل مباشر ومكرر البنية التحتية للمطارات المدنية التي يستخدمها النظام السوري والإيراني والروسي في سوريا.
ويأتي هذا التضييق في سبيل تضييق الخناق الاقتصادي، ورفع مستوى التهديد الأمني لعناصر النظام والدول المتحالفة معه.
وترجم الباحث القصف على أنه يتضمن رسالة إسرائيلية بأن أي محاولة لاستغلال الضغط الحاصل على إسرائيل من الداخل، في سبيل نقل أعداد “كبيرة” من المقاتلين، ستكون هدفًا لسلاح الجو التابع لها.
في 25 من تشرين الأول، استهدف الطيران الإسرائيلي مدرج مطار “حلب” الدولي، في هجوم هو الرابع من نوعه في أسبوعين، ما أخرجه حينها عن الخدمة.
وجاء الاستهداف بعد عودة المطار للعمل قبل يوم واحد، دون إعلان رسمي، واستقباله طائرة مجدولة وفق رحلات شركة “أجنحة الشام” السورية للطيران من مطار “الشارقة” الإماراتي.
وفي 22 من الشهر نفسه، استهدف الطيران الإسرائيلي مدرجي مطاري “دمشق” و”حلب”، وأخرجهما عن الخدمة.
وقصف الطيران الإسرائيلي مرة أخرى مطار “حلب”، في 14 من تشرين الأول، ليخرجه عن الخدمة بعد يوم واحد فقط من عودته للعمل.
كما أقرت إسرائيل باستهدافها مطاري “حلب” و”دمشق”، في 12 من تشرين الأول، بهدف “توجيه رسالة إلى إيران بألا تتدخل في حرب غزة”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، لوكالة” سبوتنيك ” الروسية، في 13 من تشرين الأول، إن الضربات التي وجهتها إسرائيل لسوريا عند زيارة وزير الخارجية الإيراني لدمشق، رسالة تحذير لإيران ولكل المنظمات الإرهابية بأن عليهم ألا يتدخلوا في الحرب.
إيران لن تغامر بالنظام
بعد أيام من بدء “طوفان الأقصى”، بدأت الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة بالاشتعال بين “حزب الله” وإسرائيل، لكن هذا التوتر لم يمتد نحو الحدود السورية، إذ اتخذ وضع القصف بشكل غير فعال انطلاقًا من سوريا نحو إسرائيل.
ولم تكبح إسرائيل جماح جيشها، إذ ردت بقصف مواقع للجيش السوري في درعا، وآخر طال مطارات مدنية، ردًا على صاروخين أطلقا من سوريا، وسقطا في منطقة خالية.
الباحث أحمد قربي، قال لعنب بلدي، إن إيران غير مستعدة فعليًا لإشعال الجبهة السورية ضد إسرائيل نظرًا إلى معرفة إيران ضمنيًا أن تأثير إسرائيل على بقاء النظام السوري في الحكم هو عامل إيجابي.
ويرى قربي أن دفع إيران النظام نحو الانخراط بتسخين الجبهة مع إسرائيل قد يؤدي إلى “خسارة بشار الأسد”، وهو ما لا تريده في الظرف الراهن.
وأرجع حساسية إيران تجاه “خسارة الأسد” إلى أنها رهنت وجودها في سوريا ببقائه في السلطة، واستثمرت في القضية على هذا الأساس، وبالتالي لن تغامر برفع الغطاء الإسرائيلي عنه.
وبمقارنة وضع وكلائها في سوريا ولبنان، تعي طهران أن “حزب الله” متجذر في لبنان، ولا يوجد أي جهة خارجية أو داخلية تشكّل تهديدًا عليه، باستثناء احتمال الاجتياح العسكري الإسرائيلي، وبالتالي فإن تسخين الجبهات اللبنانية يبقى أسهل في هذا الصدد.
لا مؤشرات على توقف قريب للتصعيد العسكري الإسرائيلي ضد غزة، في ظل التوجه نحو اجتياح بري للقطاع، أجّلته إسرائيل عدة مرات منذ بداية التصعيد، كما أن التصريحات الإيرانية المتواصلة حول احتمالية تفاقم الصراع ودخول أطراف جديدة على المشهد، بالإضافة إلى التحذيرات العربية من مضاعفات استمرار إسرائيل بسياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، كلّها عوامل تترك الباب مفتوحًا دون حسم احتمالية اتساع العمل العسكري على الجبهات الخاملة لسوريا ولبنان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :