أربع سنوات على أولى جلسات اللجنة الدستورية
الدستور السوري عالق في “اللامكان”
عنب بلدي – محمد فنصة
يوافق 30 من تشرين الأول الحالي مرور أربع سنوات على عقد الجولة الأولى للجنة الدستورية في جنيف، وفي الوقت الذي لا تتقدم فيه أعمال اللجنة بالمهمة التي أنشئت لأجلها، تراجع أساس نقاشاتها حول الدستور إلى التفاوض بشأن مكان انعقادها الذي تسبب بتعطلها منذ حزيران 2022.
ولم تخرج نتائج ملموسة منذ عقد الجولة الأولى لاجتماعات اللجنة الدستورية في تشرين الأول 2019، وحتى الثامنة التي انعقدت في حزيران 2022، فيما تعطل عقد الجولة التاسعة بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022، وتوالي العقوبات الدولية على روسيا، التي رفضت مواصلة الاجتماعات في جنيف على اعتبار أن سويسرا لم تعد دولة “حيادية” بما يخص علاقاتها مع روسيا.
ومنذ ذلك الحين، أجرى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، جولات ومباحثات مع الدول المعنية بالملف السوري، إلى جانب ممثلي المعارضة السورية، والتقى مسؤولي النظام بدمشق في عدة مناسبات أحدثها في أيلول الماضي، للتوصل إلى حل يكمل انعقاد جولات “الدستورية”.
“وسيلة للتهرب”
في 15 من آب الماضي، تضمن بيان ختامي صادر عن اجتماع “لجنة الاتصال الوزارية العربية” بشأن سوريا في القاهرة، تأكيدًا على ضرورة عقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية في سلطنة عمان، قبل نهاية العام الحالي، مع التوافق على أهمية استكمال المسار بجدية، باعتباره أحد المحاور الرئيسة على طريق إنهاء “الأزمة” وتحقيق التسوية و”المصالحة الوطنية” المنشودة.
ولم يصدر تأكيد من قبل المبعوث أو السلطنة أو النظام والمعارضة على عقد الجولة المقبلة في مسقط، بينما أكدت وزارة الخارجية الروسية تأييدها استضافة سلطنة عمان لاجتماع اللجنة الدستورية.
في 5 من تشرين الأول، نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن مصادر دبلوماسية في جنيف، لم تسمِّها، أن بيدرسون مصمم على انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وقد يقدم مشروعًا لإخراج المسار من “الفيتو” الروسي.
ووفق ما ذكرته الصحيفة، فإن بيدرسون يدرس مشروع بيان يرسل من خلاله دعوة للوفدين المفاوضين دون حضور أي دولة أجنبية، لتخطي “الفيتو” الروسي، لانعقاد الاجتماعات في جنيف، رغم إدراكه أن المشروع لن يحظى بموافقة موسكو أو النظام السوري وداعميه.
مصادر الصحيفة قالت إن بيدرسون يغامر بهذه العملية بمصير اللجنة، عبر تصميمه على انعقادها في جنيف.
كما نقلت عن مصادر عربية أن هناك نشاطًا مصريًا يتعلق بدعوة كل الأطراف لعقد الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية في القاهرة بدلًا من العاصمة العمانية مسقط، لكن الجهود المصرية لا تزال في بدايتها دون معرفة مدى قابلية الأطراف للموافقة على مقترح مصري من هذا النوع.
المصادر ذاتها أشارت إلى أن انعقاد اللجنة الدستورية في جنيف أو مسقط مستحيل حاليًا.
وكان السفير المصري في موسكو التقى قبلها بيومين نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وتبادلا وجهات النظر حيال الوضع في الشرق الأوسط، مع التركيز على سوريا وليبيا واليمن والسودان، وفق ما نقلته قناة “RT” الروسية.
نائبة رئيس “الائتلاف الوطني السوري” وعضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة، ديما موسى، قالت لعنب بلدي، إن الأمم المتحدة من خلال مكتب المبعوث الأممي هي الجهة المخولة بالدعوة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، وبالرغم من الروايات التي انتشرت حول اقتراحات لأماكن أخرى لعقد الاجتماع، لم توجه أي دعوة رسمية لعقد اجتماع للجنة سواء في جنيف أو غيرها.
وأضافت موسى أنه بالنسبة للمعارضة، فإن تحديد المكان مجرد ذريعة للنظام ووسيلة أخرى للتهرب من الانخراط الجدي والإيجابي في العملية السياسية ككل، وليس فقط في العملية الدستورية، مشيرة إلى أن النظام منذ حزيران 2022 يعطي إشارات للأمم المتحدة أنه لن يوافق على حضور الاجتماعات في جنيف تضامنًا مع الوفد الروسي.
بدورها، أفادت عضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المجتمع المدني، رغداء زيدان، عنب بلدي، أن حالة عدم الاتفاق على مكان اجتماع اللجنة الدستورية هي السائدة، بعد رفض الروس ومعهم النظام انعقادها في جنيف بحجة أن المسؤولين الروس لا يستطيعون الذهاب لحضور الاجتماعات لدول الاتحاد الأوروبي بعد العقوبات الغربية على روسيا، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد اقترحوا مسقط لهذا الغرض، إلا أن العمانيين رفضوا ذلك دون توافق على الخروج بمنتج حقيقي من اللجنة.
في الجهة المقابلة، يريد المبعوث الأممي، غير بيدرسون، بقاء اللجنة في جنيف، دون تغيير، وهو “مصر” على هذا، وقد عقد اجتماعات كثيرة لهذه الغاية مع الجهات الفاعلة في الملف السوري، وفق زيدان.
أما بالنسبة لوفد المعارضة فقالت زيدان، إنه منفتح على تغيير مكان انعقاد اللجنة لكن تحت المظلة الأممية.
تراجع التعاطي الدولي
ألقى الغزو الروسي على أوكرانيا، العام الماضي، بظلاله على الملف السوري عبر عدة أصعدة سياسية وعسكرية وخدمية، من حيث تغيير أولويات الأطراف الفاعلة بالملف السوري، كما أضافت الأحداث الإقليمية العام الحالي مع بدء التصعيد الإسرائيلي على غزة زخمًا إلى هذا التغيير، وخصوصًا على المستوى السياسي بما فيه موضوع اللجنة الدستورية.
ترى نائبة رئيس “الائتلاف الوطني”، ديما موسى، أنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا وتعمق الفجوة في المجتمع الدولي وبالتحديد بين روسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى، تأثر الملف السوري من حيث تموضعه على قائمة الأولويات لدى المجتمع الدولي في ظل الانشغال بالحرب في أوكرانيا، ووصل إلى حد الجمود الكامل حيث انتقلت الخلافات والانشقاقات بين الأطراف الدولية لتلقي بظلالها على الملفات كافة، وعلى رأسها الملف السوري.
وتوسعت تلك الفجوة بين الدول المؤثرة على المستوى الدولي، في ظل الأحداث بالمنطقة وبالتحديد ما يحصل في غزة، ما عزز استمرار الجمود في عدد من الملفات ومن بينها الملف السوري، وفق موسى، التي أكدت استمرار “الائتلاف” بالضغط باتجاه استئناف العملية السياسية السورية، لأن أي تأخير سيؤدي إلى استمرار معاناة الشعب السوري وتعميق “الأزمة” الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية على العملية السياسية.
واتفقت عضو اللجنة الدستورية عن المجتمع المدني، رغداء زيدان، مع موسى، بأن التعاطي الدولي مع الملف السوري تراجع بشدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواقف الأوروبية والإقليمية من هذه الحرب، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة تخص بعض الدول الإقليمية كتركيا مثلًا أو الدول الخليجية، فيما توقعت زيدان أن يستمر الوضع على هذا المنوال، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي ردها حول ما من شأنه أن يعيد الفاعلية للجنة الدستورية، أجابت زيدان أن اللجنة الدستورية قامت برعاية دولية، وعقدت جولاتها بضغوط دولية وروسية على النظام، ولولا ذلك لم يقبل النظام التعاطي معها ولا حضور اجتماعاتها، وحتى تعود اللجنة للاجتماع من جديد فهي بحاجة لإرادة دولية تسعى لتحريك الملف السوري، من أجل البدء بالحل السياسي المرتقب.
وبشكل مشابه، قسمت موسى تقييمها للعوامل التي يمكن أن تدفع بالمسار قدمًا إلى عاملين، أولهما توفر الإرادة الدولية لوضع حد للسياسات التي يتبعها النظام السوري لتعطيل العملية السياسية وإلزامه بالانخراط الإيجابي والفعال فيها، والثاني وضع المجتمع الدولي، أو على الأقل الأطراف ذات الصلة والتأثير بالملف السوري، أمام مسؤوليتها، لوضع اختلافاتها في الملفات الأخرى جانبًا ومقاربة الملف السوري بمعزل عن ذلك قدر الإمكان.
وأوضحت قراءة تحليلية صادرة عن مركز “جسور” للدراسات، أن النظام يسعى لإغراق “لجنة الاتصال العربية” بالتفاصيل، وأن سلوكه في كل مسارات الحل التي فُرضت عليه واضطر للانخراط فيها كان قائمًا بشكل أساسي على المماطلة وعدم الالتزام بأي إطار زمني، ما بدا بوضوح في مسارات “أستانة” و”جنيف” واللجنة الدستورية.
تتكون اللجنة الدستورية من ثلاثة وفود، النظام والمعارضة والمجتمع المدني، بهدف وضع دستور جديد لسوريا وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.
ويعد القرار “2254” مرجعًا أساسيًا للعملية السياسية في سوريا، وتطالب بتنفيذه معظم الأجسام المعارضة، وتنادي به المظاهرات الحالية في السويداء، وينص على تشكيل حكم انتقالي شامل وغير طائفي، ثم وضع دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهرًا. |
اللجنة الدستورية.. إلى أين؟
لا تتعدى تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا، المسؤول عن تسيير جولات اللجنة الدستورية، الإشارة إلى ضرورة استمرار هذا المسار، معتبرًا أن الحاجة أصبحت ماسّة لـ”بناء الثقة على الأرض” وإقامة عملية سياسية حقيقية.
أما النظام فإنه لا يعطي وزنًا لقرار مجلس الأمن “2254” الذي انفضت عنه اللجنة الدستورية، وينجلي هذا خلال تصريح وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، لقناة “روسيا اليوم” في أيار الماضي، قائلًا إن “القرار الدولي (2254)، أسهم الأصدقاء في صناعته، سينفذ منه ما يهم سوريا، وعلى هذا الأساس نسعى إلى الحل السياسي الذي يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية، وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”.
نائبة رئيس “الائتلاف الوطني”، ديما موسى، أوضحت أن اللجنة الدستورية جزء أساسي من العملية السياسية الشاملة المنصوص عليها في القرارات الدولية وعلى رأسها قرارا مجلس الأمن “2254” عام 2015، و”2118″ عام 2013.
ومن خلال التطورات في الملف السوري بالفترة الماضية، التي شهدت محاولات تقارب مع النظام، سواء في المسار الرباعي للتقارب بين أنقرة ودمشق برعاية روسية وإيرانية أو في الخطوات العربية التي عاد من خلالها النظام إلى الجامعة العربية، صار واضحًا لجميع الأطراف في هذه المبادرات أن النظام “ليست لديه أي رغبة في التغيير، وهو قائم على سياسات إثارة الأزمات للحصول على بعض المكتسبات”، وفق موسى.
وتطالب موسى ألا يقتصر العمل مستقبلًا على العملية الدستورية، ولكن أيضًا التفاوض على جسم الحكم الانتقالي، إذ ترى أن الظروف مهيّأة للضغط باتجاه البدء بالعملية السياسية في حال تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته ووضع التجاذبات البينية جانبًا وعزلها عن الملف السوري، إضافة إلى الحراك المستمر في السويداء، والأوضاع التي تعيشها درعا، التي تبيّن أن النظام مسؤول عن تدهور الأوضاع في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :