عنب بلدي – يامن مغربي
قصات شعر ومقاطع مصورة، ملصقات وحالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اقتباسات تحاكي بطل هذا المسلسل أو ذاك، تظهر كلها مدى تأثير الدراما في سلوكيات المجتمع.
يروي الفيلم أو العمل الدرامي حكاية لمجموعة من الناس في زمان ومكان محددين، وضمن قواعد محددة، وكلما نجح العمل في الوصول وتحقيق الجماهيرية المطلوبة، كان للأفكار التي يحملها تأثير أكبر على المشاهدين، وتنتشر معه مظاهر محاكاة أفكار وأشكال أبطال الدراما.
هذا الظهور، وبقدر ما يشير إلى نجاح وانتشار الفيلم أو العمل الدرامي، إلا أنه قد يحمل في أماكن أخرى تأثيرات سلبية، خاصة إن كانت الشخصيات التي يتم تقليدها صاحبة سلوكيات سيئة.
ولا يتحمل العمل الفني، سواء كان فيلمًا أم مسلسلًا دراميًا، مسؤولية هذا التأثير وحده، إذ تلعب السمات والظروف الشخصية للناس والمجتمع دورها أيضًا.
مصادر التأثير
يتكون العمل الفني من عدة عناصر، تبدأ بالنص المكتوب (السيناريو)، ثم التصوير والديكور والشريط الصوتي (الذي يتضمن الموسيقا أيضًا)، والديكور والممثلين، وعملية المونتاج، ضمن عملية تكاملية بقيادة مخرج العمل، الذي يعد مسؤولًا عن دمج وتكامل هذه العناصر كلها، لإنتاج عمل فني يحقق النجاح التجاري والفني، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى تتعلق بالشق التجاري المرتبط بعملية التسويق ومواعيد ومنصات العرض، سواء كانت دور السينما للأفلام، أم القنوات التلفزيونية والمنصات الإلكترونية الحديثة.
كلما كانت هذه العناصر أكثر تكاملًا، نجح العمل بالوصول إلى شريحة أكبر من المشاهدين المستهدفين، وبالتالي وصول الأفكار التي يحملها.
من هنا يبدأ تأثير الشخصيات الدرامية على المشاهدين، ويمكن أن يتجاوز التأثير مجرد مناقشة الأفكار الواردة في العمل، والاستفادة منها لإيضاح مشكلات معينة يشير العمل الفني إلى وجودها في المجتمع، ليصل إلى تقليد سلوكيات الأبطال وأفكارهم، التي ليست كلها إيجابية بالضرورة.
المخرجة إيناس حقي قالت في حديث إلى عنب بلدي، إن هناك نوعين من التأثير، الأول تأثير آني يدفع الشباب إلى تقليد شخصية معينة، تستعير حركاتها أو جملًا محددة ترددها، وهو أثر يزول سريعًا بمجرد ظهور شخصية أخرى تلفت انتباههم.
أما التأثير الثاني فهو أكثر عمقًا، ويأتي بشكل تراكمي وتدريجي غير محسوس، يؤدي إلى تغيير طريقة التفكير والتعامل مع المواقف.
وأشارت حقي إلى أن هذا النوع من التأثير العميق، لا يمكن أن يأتي من خلال شخصية واحدة، وإنما ضمن مشروع طويل الأمد تطرحه المسلسلات والأفلام، ويحاول الإسهام في التغيير الاجتماعي والسياسي أيضًا.
وأوضحت حقي أنه في التأثير الآني لا تلعب جودة النص دورًا، وغالبًا تستند معظم ملامح الشخصية إلى أداء الممثل وابتكاره لوازم حركية أو حوارية لشخصيته، وقد يبني الممثل بالتعاون مع المخرج شخصية يقلدها الشباب، دون أن تكون ذات وزن في الحكاية أو لها مساحة كبيرة في النص.
أما التأثير العميق فلا يمكن أن يبنى إلا من خلال النص الذي يدرس شخصياته ويبنيها بناء محكمًا يؤدي إلى تماهي المشاهد معها، أضافت حقي.
ويحمل العمل الفني علاقة تبادلية بينه وبين المجتمع، يؤثر ويتأثر به ولا ينعزل عنه، ومن هذا المنطلق يرى كاتب السيناريو حافظ قرقوط، أن التأثير يأتي من خلال الدراما التي درست الشخصيات وتفاصيلها، ومدى إمكانية أن يتفاعل معها المشاهد، خاصة أن الشخصية هي من تقود الأحداث في العمل الدرامي.
وأضاف قرقوط في حديث إلى عنب بلدي، أن الدراما تدخل إلى البيوت دون استئذان، ومع تطور وسائل العرض الإلكترونية ازداد حضورها، وتؤثر بسلوك المجتمع وتنطلق منه أيضًا، لذا تؤثر بشكل كبير، وعندما بدأت الدراما بالدخول إلى البيوت اتخذ المجتمع سلوكيات جديدة، وفي بعض الدول نجحت الأفلام بتغيير القوانين وتحسين ظروف الناس.
ويلعب البناء الصحيح للعمل، وتمكن الكاتب من أدواته وتقديم الشخصية للجمهور بشكل صحيح، دورًا كبيرًا في عملية التأثير المتوقعة، إلى جانب الأداة الجيدة لإبراز هذه الشخصية بعد انتقالها من الورق عبر الإخراج والعناصر الفنية الأخرى.
لا رابط بين المرض النفسي والتقليد
انتشار تقليد الشخصيات الدرامية وتبني أفكارها ضمن الشق السلبي ليس بالضرورة أن يرتبط باضطرابات نفسية وسلوكية، وليس من الضروري أيضًا أن يأتي لملء فراغ نفسي لدى المقلدين.
استشاري الصحة النفسية الدكتور محمد أبو هلال، أوضح لعنب بلدي أن الإنسان يتأثر بما يراه في حياته الواقعية، وكذلك بما يشاهده في الإعلام والمسلسلات والأفلام، إلا أن المشاهد المعروضة في الأعمال الفنية عادة ما تكون مدروسة، ويصنعها أشخاص لديهم الخبرة والمعرفة في علم النفس والصناعة الفنية والدرامية، وهدفها هو التأثير على المشاهدين، وبالتالي تزداد نسبة من يتأثر بالأعمال الفنية.
وأوضح أنه لا يوجد رابط بين وجود مرض نفسي لدى من يتأثر بالشخصيات الدرامية وما يشاهده، خاصة أن الاختلافات الفردية تلعب دورها في عملية التأثر، وترتبط بطبيعة الشخصية والتجارب الخاصة وعلاقتها بما يُعرض، والظروف العامة المحيطة بعرض العمل، وبالتالي هي عوامل تتكاتف مع بعضها لتحدث تأثيرًا متعدد المستويات على أشخاص مختلفين.
دقة العمل.. مزيد من التأثير
أنتجت الدراما السورية مئات المسلسلات، حقق بعضها نجاحًا كبيرًا ومتواصلًا، ولا تزال حلقاتها تحصد آلاف المشاهدات، رغم مرور عشرات الأعوام على إنتاجها وعرضها.
وكلما زادت دقة صناعة العمل، زاد انتشاره وتأثيره بين الناس، وهو ما قد يؤدي في بعض الأحيان إلى تبني أفكاره، وحصول تغيير في المجتمع والقوانين والسلوكيات، ولو بعد زمن بعيد نسبيًا.
هذا التأثير وإمكانية التغيير يفتح باب السؤال عن الدور الأساسي الذي يفترض للعمل الفني أن يؤديه، هل هو مجرد ترفيه أم عليه أيضًا أن يقدم رسائل عميقة وإشارات لحلول للمشكلات التي يعانيها المجتمع أيضًا.
وفق قرقوط، فإن الدراما تطرح المشكلات وتتعمق بها، وتكشف ما هو مخفي عن المجتمع وبشكل جريء، وهي تقارب الحلول وتلمح لها دون تقديم حل، في حال كان مقصد الدراما إيجابيًا، وتحديدًا تلك التي تعالج القضايا الجنائية أو غيرها، التي يجب أن يعاقب في نهايتها المجرم على سبيل المثال.
وأضاف أن تأثير القوانين على الدراما ومشرعي القوانين يختلف بحسب الدول ومدى وجود الديمقراطية فيها، من هنا يمكن أن تلعب دورها، فالدول التي لا تحتل فيها الديمقراطية مساحتها، يختلف تأثير الدراما فيها بطبيعة الحال.
وتكمن المشكلة في الدراما السورية أنه أريد لها أن تكون حالة “تنفيسية” تصدم المشاهد بالمشكلة وتبعده عن المسبب الرئيس، وهو النظام القائم، وتحديدًا في الكوميديا، بحسب قرقوط.
وترى المخرجة إيناس حقي في حديثها لعنب بلدي، أن للمسلسلات الدرامية والأعمال الفنية القدرة على طرح المشكلة وتناولها من جوانب عديدة بحيث يتفكر فيها الجمهور، لكن لا يمكن طرح حلول جاهزة وسهلة في المسلسلات، وإنما يعمل المجتمع بشكل جماعي على إيجادها.
كما أن تماهي الجمهور مع الشخصيات المقدمة في المسلسلات، يسمح بتقديم القضايا الاجتماعية والسياسية بما يسمح به السقف الرقابي، وهذا التماهي هو فرصة صناع الفن لجعل الجمهور يفكر بالفئات المهمشة، وقد قدمت المسلسلات السورية قضايا المرأة وذوي الإعاقة على سبيل المثال، لأن هذه القضايا كانت خارج النطاق الرقابي، وفق حقي.