“عائد إلى حيفا”

tag icon ع ع ع

“الإنسان هو في نهاية الأمر قضية”، هكذا كتب غسان كنفاني في روايته “عائد إلى حيفا”، التي صدرت الطبعة الأولى منها عام 1969، عن مؤسسة “الأبحاث العربية”.

تبدأ الرواية بـ”سعد” الذي يقود سيارته على طريق القدس الممهد، وسط حر شهر حزيران، خارجًا من رام الله وعائدًا إلى حيفا التي هُجر منها، إذ يشاهد عبر زجاج سيارته حقول حيفا، ويخوض مع زوجته التي تجلس بجانبه أحاديث حول الحرب والهزيمة وبوابة “مندلبوم” (حاجز سابق بين الجانب الإسرائيلي والأردني من القدس عقب النكبة) التي هدمتها الجرارات، ونهب جنود الاحتلال الأشياء والأثاث، مرورًا بحظر التجول والموت والحياة والشهادة والهرب.

ركز كنفاني على نكبة 1948، وصباح يوم الأربعاء 21 من نيسان من ذلك العام، حينما استيقظت حيفا على القصف من الشرق عبر تلال الكرمل العالية، والقذائف التي اكتسحت المدينة.

تحولت الرواية لاحقًا إلى فيلم ومسلسل تلفزيوني وعمل مسرحي، تحكي تفاصيل الفاجعة كما وصفها كنفاني، والمجازر التي طالت الفلسطينيين من قتل جماعي وتهجير قسري.

قال “سعد” حينما بدت له شوارع حيفا منبسطة أمامه عام 1967 بعد نحو 20 عامًا من النكبة، “هذه هي حيفا يا صفية، إنني أعرفها، حيفا هذه، ولكنها تنكرني”.

وأضاف، “لم أكن أتصور أبدًا أنني سأراها مرة أخرى، أنتِ لا ترينها، إنهم يرونها لك، لقد فتحوا الحدود فور أن أنهوا الاحتلال فجأة وفورًا، لم يحدث ذلك في أي حرب بالتاريخ”.

وتطرق غسان كنفاني، الروائي والصحفي الفلسطيني الذي هُجر في عام 1948 هو وعائلته من عكا إلى سوريا ومن ثم لبنان، إلى المعاملة الفوقية من الإسرائيليين للعرب.

كما استرجع عبر شخصية “سعد” ذكرياته حينما بدأ الانتداب البريطاني بالانسحاب، إذ تم الإعلان رسميًا عن احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948.

كان “سعد” يركض تحت وابل الرصاص والقنابل والقصف القريب والبعيد، وتدافع الناس من حوله نساء وأطفالًا، رجالًا وشيوخًا، وكان الجميع يصرخ يبكي ويسبح.

ولم يفكر “سعد” في شيء سوى صورة زوجته وطفله “خلدون” ذي الخمسة أشهر الذي تركوه في المنزل، رغم المحاولات العديدة للوصول إليه.

طوال 20 عامًا تألم “سعيد” و”صفية” على فقد ابنهما، وحينما عادا إلى حيفا كان باب المنزل موجودًا، لكن تم تغيير الجرس والاسم، ظهرت عجوز اسمها “ميريام” من بولونيا انتقلت إلى المنزل في آذار 1948، أخبرتهم أنهم قاموا بإعطائها منزلًا وطفلًا عمره خمسة أشهر.

كان “خلدون” قد حمل اسم “دوف”، وانخرط في صفوف الجيش الإسرائيلي، وعندما قامت “ميريام” بتعريفه بعائلته الحقيقية التي بقيت تبكيه طول 20 عامًا، ما كان جوابه سوى إنكار لعائلته وعلاقته بها.

تساءل “سعد” قائلًا، “ما الوطن؟ أهو هذان المقعدان اللذان ظلا في هذه الغرفة 20 سنة؟ الطاولة؟ ريش الطاووس؟ الشرفة؟ شجرة البلوط؟ خلدون؟ أوهامنا عنه؟ الأبوة؟ البنوة؟ أتعرفين ما الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله”.

غادر “سعد” و”صفية” منزلهما، وقبل الخروج التفت إلى ساكنة البيت وابنه الذي أصبح “دوف”، وقال، “تستطيعان البقاء مؤقتًا في بيتنا، فذلك شيء تحتاج إلى تسويته حرب”.

اغتيل غسان كنفاني من قبل “الموساد” الإسرائيلي عندما كان عمره 36 عامًا بتفجير لسيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت، وحتى تاريخ وفاته المبكر كان قد أصدر 18 كتابًا، بينها روايته “عائد إلى حيفا”، “رجال في الشمس”، “العاشق”، “أم سعد”، “ما تبقى لكم”، “الشيء الآخر”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة