قتل يخالف الشرع والقانون
ثلاث نساء ضحايا “جرائم الشرف” في رأس العين
عنب بلدي – حسن إبراهيم
شهدت مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة جريمتي قتل بحجة “غسل العار” أو “الشرف”، قُتلت فيهما ثلاث نساء خلال الفترة من 9 إلى 12 من تشرين الأول الحالي.
في 9 من تشرين الأول، قُتلت الشقيقتان شهد وزهرة شحاذة على يد أخيهما في قرية المدان جنوبي رأس العين، نتيجة تسريب صور وتسجيلات مصورة على غرف “تلجرام” (واسع الانتشار في المنطقة).
ماجد الربيع من أقرباء عائلة شحاذة، قال لعنب بلدي، إن حادثة مقتل الفتاتين كانت على يد شقيقهما بعد نشر صور وتسجيلات مصورة (غير عارية) على غرفة “تلجرام” تحمل اسم “كابوس نبع السلام”، وتم ابتزازهما فيها.
الحادثة الثانية وقعت في 11 من الشهر نفسه، إذ قُتلت زينب خلف الحمادة على أيدي شقيقيها محمد وأنس في منزلها بقرية العزيزية غربي رأس العين، نتيجة اشتباههما بدخولها بعلاقة “غير شرعية”.
وقال أقرباء عائلة خلف الحمادة لعنب بلدي، إن القتل جاء نتيجة ضغط المجتمع على الشابين محمد وأنس بعد تداول قصة الفتاة، واشتبه الشابان في تورطها بعلاقة “غير شرعية” فأقدما على قتلها حتى دون التحقق من صحة المعلومات عبر الطبابة الشرعية، وهو ليس مشروعًا حتى لو ثبت الأمر.
وذكر أقرباء العائلة أن الشرطة المدنية احتجزت الشابين، بانتظار إحالتهما إلى القضاء.
ليست ظاهرة.. ضحايا “تلجرام”
مصدر في مكتب الطب الشرعي برأس العين، قال لعنب بلدي، إن المنطقة لم تشهد وقوع جرائم بذريعة “الشرف” على مدى أربع سنوات سابقة، وذكر أن المكتب وثق الحالات الثلاث الماضية فقط.
وأوصى المصدر الأهالي بالرجوع إلى الجهات الرسمية، مثل مكتب الطب الشرعي لضمان التحقق من الأدلة وتقديم معلومات دقيقة، وتجنب التدخل بالعواطف والعقلية العشائرية، وأن يسمحوا للعدالة بأخذ مجراها.
منار المرعي، ناشطة في حقوق المرأة ومديرة جمعية “السلام” في رأس العين، قالت لعنب بلدي، إن أسباب هذه الجرائم عادة مجهولة، وإن النساء غالبًا ما يصبحن ضحية انتقام من قبل أقاربهن أو ترويج إعلامي غير دقيق، كما في حالة قتل الفتاتين (شهد وزهرة)، بسبب ابتزازهن ونشر صورهن على تطبيق “تلجرام”.
وتنشط في مناطق شمال غربي سوريا قنوات وغرف “تلجرام” تضم عشرات آلاف المتابعين، وتحمل الغرف أسماء مدن وقرى وبلدات وفصائل عسكرية ولها تبعيات مختلفة، وتُدار من قبل أشخاص أو جهات غير معروفة، كما يدير بعضها مقربون من الفصائل أو من حكومتي الأمر الواقع.
وتختص بعض القنوات بنشر فضائح وممارسات فصائل المعارضة، وتتجاوزها إلى نشر صور وأخبار عن علاقات جنسية لنساء في المنطقة بحجة ملاحقة الفساد ومحاربته، وتتوعد بنشر المزيد، متسببة بحالة فوضى وبلبلة في المنطقة.
ولفتت الناشطة منار المرعي إلى ضرورة التوعية بحقوق المرأة ومكافحة “جرائم الشرف”، وعبّرت عن قلقها من تواطؤ المجتمع مع هذه الفكرة، مشيرة إلى أن التلميح بوجود اعتداء على الشرف يمكن أن يكون كافيًا لمنع التدخل القانوني في مثل هذه الجرائم.
تشريعات جديدة تستهدف “جرائم الشرف”
حول مقتل ثلاث نساء تحت ذريعة “غسل الشرف”، قال رئيس المجلس المحلي في رأس العين، محمد علي الحمزة، لعنب بلدي، إن المجلس تواصل مباشرة مع قيادة الشرطة المدنية والنيابة العامة للتحقق من هذه الجرائم.
وأوضح أن المجلس يعمل حاليًا بالتعاون مع النيابة العامة على وضع تشريعات تمنع حدوث مثل هذه الجرائم، وتنص على عقوبات صارمة لمرتكبيها، مؤكدًا أهمية تطبيق القانون على الجميع دون استثناء.
وأعرب مدير أوقاف رأس العين، عيد الظاهر، عن استيائه من قتل ثلاث نساء بدعوى “غسل الشرف”، مشيرًا إلى أن هذه الجرائم غير مقبولة من الناحية الشرعية والقانونية.
وقال الظاهر لعنب بلدي، إن مديرية الأوقاف عازمة على توجيه جهودها نحو توعية المجتمع بأهمية الالتزام بالقوانين، وضرورة التخلي عن العنف العشائري والقبلي.
وترفض الشريعة الإسلامية القصاص الفردي، وتوجب إرجاع القضايا إلى القضاء المختص للنظر في التهمة من خلال محاكمة عادلة ومبنية على الأدلة الشرعية والقرائن المتفقة مع العقل والمنطق.
ويعرف الباحث والكاتب الإسلامي السوري وعضو مجلس الشعب سابقًا، محمد حبش، “جرائم الشرف” بأنها “الجرائم الخاصة بالانتقام من الأنثى أو الرجل إذا اشتبه في مقارفتهما الفاحشة، فهو أمر مستهجن وغير مقبول لا لغويًا ولا شرعيًا، وهو استخدام مستحدث”، مؤكدًا أن المصطلح شاع استعماله “عبر الخطاب الصحفي، وليس عبر لغة الفقهاء”.
وذكر حبش في دراسته “جرائم الشرف بين الشريعة والقانون”، أن الإسلام جاء شديدًا في تحريم الزنا واعتبره جريمة أخلاقية واجتماعية، وخاصة “عندما يتضمن خيانة زوجية، حرصًا من الشريعة الغراء على استقرار الأسرة”.
والعقوبات الشرعية المقررة على جريمة الزنا ليست شأنًا فرديًا، يطبقه من شاء كيف ومتى ما شاء، وفق حبش، مضيفًا أن هذا شأن الحكومة الشرعية التي من واجبها تطبيق القانون، ولا يتم ذلك إلا بعد أن تكون الأمة قد اختارت تطبيق هذا الحكم ووافقت عليه عبر مؤسساتها الديمقراطية، وللحدود شروط كثيرة ودقيقة لا بد منها حتى يتحقق الحكم الشرعي.
وأشار الباحث الإسلامي إلى أن هذه الشروط لها من “الشدة والصرامة” بحيث يستحيل تحققها، معتبرًا أن ارتكاب جرائم القتل باسم “جرائم الشرف” منطق مرفوض إسلاميًا وفق آلة الفقه الإسلامي وأصوله.
كيف يعاقب القانون على “جريمة الشرف”
بقي قانون العقوبات السوري الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم “148” لعام 1949 يعفي القاتل من العقوبة في حال إقدامه على القتل متذرعًا بـ”الدافع الشريف”، بمنحه عذرًا مُحلًا من هذه العقوبة.
وفي عام 2009، طرأ أول تغيير عليه، فصار القاتل بهذا الدافع يُحكَم مدة سنتين كحد أقصى، وانتقدت منظمات حقوقية التغيير ومنها “هيومن رايتس ووتش“، وذكرت حينها أن على الحكومة السورية أن تعامل جميع القتلة على حد سواء، وألا تستثني منهم المتورطين في “جرائم الشرف”.
استمر الأمر كذلك إلى أن صدر المرسوم رقم “1” لعام 2011، الذي ألغى نص المادة “548” من قانون العقوبات السوري، التي كانت تنص على أنه “يستفيد من العذر المُحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، ويستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.
واستُبدلت بالمادة “548” السابق ذكرها، المادة “15” من المرسوم رقم “1” لعام 2011، التي ألغت استفادة القاتل من العذر المُحل من العقوبة، في حال ارتكابه جريمة القتل بالدافع الشريف، بينما لم تأتِ على ذكر “الحالة المريبة” التي كانت مبررًا لمنح العذر المخفف في القانون القديم، والتي كان الإبقاء عليها يعرّض كثيرًا من النساء لخطر القتل تحت ذريعة الدافع الشريف، بحجة “الحالة المريبة” في حال عدم القدرة على إثبات الزنا.
وجاء في نص المادة، أنه “يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخواته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد، وتكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل”.
ولا تتوفر في سوريا بيانات واضحة عن جرائم القتل التي يرتكبها عادة أفراد الأسرة الذين يعتبرون أن النساء ارتكبن أفعالًا مخزية للأسرة أو ضارة بسمعتها، في حين ذكرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، أن جرائم القتل تحت ذريعة “الدفاع عن الشرف” ازدادت مع تصاعد حدة النزاع في سوريا.
وقالت المنظمة، إن الفلتان الأمني وغياب سيادة القانون وانتشار السلاح وانتشار “ثقافة العنف ضد النساء” والتطبيع معها، كلها أسباب أسهمت بشكل أو بآخر بارتفاع نسبة جرائم القتل تحت ذريعة “الدفاع عن الشرف” في مناطق مختلفة من سوريا، بغض النظر عن الجهة المسيطرة عليها.
وسجلت المنظمة بالتعاون مع منظمتي “مساواة” و”سارا” ما لا يقل عن 185 جريمة قتل في مختلف مناطق سوريا، وكانت الضحايا نساء وفتيات، وتم ارتكاب تلك الجرائم بذريعة “الدفاع عن الشرف” خلال الفترة من بداية عام 2019 إلى بداية 2023.
ويعد 29 من تشرين الأول كل عام يومًا عالميًا للتضامن مع ضحايا “جريمة الشرف”، إذ أطلقه “مرصد نساء سوريا” في 29 من تشرين الأول عام 2009، بعد حادثة حصلت في إحدى محاكم دمشق، حين أصدر القاضي حكمًا أشبه بالبراءة بحق شقيق الفتاة زهرة العزو، التي كانت تبلغ من العمر 16 عامًا، وقتلها شقيقها بذريعة “غسل العار”.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في رأس العين حسين شعبو
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :