عنب بلدي – جنى العيسى
مع انتهاء العام الحالي، تنتهي المهلة التي حددتها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري للشركات العاملة في مناطقها لـ”توفيق” أوضاعها، بموجب القانون رقم “36” لعام 2021.
رغم مرور نحو سنتين على القانون، لم تسجل الوزارة إلا نحو 5% من الشركات التي التزمت به، وفق تصريحات حكومية.
ومن أصل 1226 شركة، لم “توفق” إلا 60 شركة وضعها فقط، بحسب ما صرح به مدير الشركات في وزارة التجارة الداخلية، زين صافي، مطلع تشرين الأول الحالي.
واعتبر صافي أن القانون الذي نص على إجراء التعديلات اللازمة على عقود تأسيس الشركات وأنظمتها الأساسية، أثار مخاوف بعض أصحاب الشركات من ضرورة رفع الحد الأدنى لرأسمال شركاتهم لدى “توفيق” وضعها، بعد أن رُفعت القيمة رسميًا في تشرين الأول 2022، رغم عدم إلزامهم بذلك، بحسب قوله.
هربًا من الضرائب
لم تفسر الوزارة سبب ضعف إقبال الشركات على “توفيق” أوضاعها، وفق أحكام قانون الشركات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم “29” لعام 2011.
وخلال السنوات الماضية، كررت الوزارة دعوتها أصحاب الشركات إلى الالتزام بـ”توفيق” أنظمتها الأساسية، دون أن تلقى هذه الدعوات استجابة واضحة.
الباحث السوري في الاقتصاد السياسي إبراهيم ياسين، قال لعنب بلدي، إن “توفيق” أوضاع الشركة يعني زيادة رأس المال المصرح عنه عند بداية الترخيص، وبناء عليه يتم تحديد الضرائب الأولية التي يتم تحصيلها من الشركة، ومع مرور الوقت تخضع الضرائب لعدة معايير، منها حركة البيع والشراء لدى الشركة.
وأوضح ياسين أنه كلما ارتفع رأس المال زادت نسبة الضرائب، وهو ما يدفع أغلب الشركات للتهرب من “توفيق” الأوضاع، بحسب رأيه.
بدوره، أرجع أستاذ الاقتصاد زكوان قريط ضعف الإقبال على “توفيق” وضع الشركات إلى هجرة رؤوس الأموال، والوضع الاقتصادي المتراجع، والمناخ الاستثماري غير الملائم.
واعتبر قريط، في تصريح لصحيفة “البعث” الحكومية، أن الربط الإلكتروني فيما يتعلق بالضرائب كشف المتهربين ضريبيًا وأرقامهم الحقيقية، ففضّلوا الإغلاق عوضًا عن التعرض لغرامات وعقوبات ضريبية، وفق تعبيره.
بينما يرى الدكتور كرم شعار أن كثيرًا من الشركات تركت أعمالها وخرجت من الأسواق دون أن تشهر ذلك وتطلب تصفية الشركة، الأمر الذي يفسر جزءًا من أسباب غياب رغبة الشركات بزيادة رأسمالها.
ولفت شعار، مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، والدكتور في الاقتصاد، في حديث لعنب بلدي، إلى أن أحد الأسباب الإضافية الأخرى وراء ذلك يتمثل بعدم قدرة الوزارة على فرض القانون على الشركات بما يتعلق بزيادة رأس المال.
ما أنواع الشركات في سوريا؟
توجد في سوريا خمسة أشكال قانونية للشركات، هي شركة التضامن، وشركة التوصية، وشركة المحاصة، والشركة المحدودة المسؤولية، والشركة المساهمة المغفلة.
بينما توجد سبعة أنواع للشركات وفق ما صنفها قانون الشركات الصادر بموجب مرسوم تشريعي يحمل الرقم “29” لعام 2011 وهي:
1. الشركات التجارية، إذا كانت غايتها ممارسة عمل تجاري أو إذا اتخذت شكل شركة مساهمة مغفلة أو محدودة المسؤولية.
2. الشركات المشتركة، هي الشركات التي تسهم فيها الدولة أو إحدى الجهات العامة بنسبة معينة من رأس مالها، وتخضع الشركات المذكورة للأحكام والقواعد المنصوص عليها في القانون الخاص بها.
3. الشركات المساهمة المملوكة بالكامل للدولة، هي شركات مساهمة تنطبق عليها الأحكام المتعلقة بالشركات المساهمة المغفلة، وتكون الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو واحدة أو أكثر من الجهات العامة مالكة لأسهمها بالكامل، ولا يجوز طرح أسهم هذه الشركات أو جزء منها للتداول إلا بموافقة مجلس الوزراء.
4. شركات المناطق الحرة، وهي الشركات التي يكون مركزها بإحدى المناطق الحرة في سوريا، وتكون مسجلة في سجل الشركات بإحدى هذه المناطق، وتتخذ شركة المناطق الحرة شكل شركة التضامن أو التوصية أو المحدودة المسؤولية أو المساهمة المغفلة خاصة.
5. الشركات القابضة، هي شركات مساهمة مغفلة خاصة أو عامة يقتصر عملها على تملك حصص في شركات محدودة المسؤولية أو أسهم في شركات مساهمة أو الاشتراك في تأسيس مثل هذه الشركات والاشتراك في إدارة الشركات التي تملك فيها أسهمًا أو حصصًا.
6. الشركات الخارجية، هي الشركات التي تكون غايتها محصورة بإبرام العقود والقيام بأعمال يجري تنفيذها خارج أراضي الجمهورية العربية السورية دون أن يحق لها ممارسة أي نشاط داخل سوريا.
7. الشركات المدنية، هي الشركات التي تؤسس بين شركاء من ذوي الاختصاص والمهن الفكرية أو التي يكون موضوعها مدنيًا وتخضع لأحكام القانون المدني وأحكام القوانين الخاصة بها وعقودها وأنظمتها الداخلية.
قد تكون “وهمية”.. 723 شركة في عشرة أشهر
تزامن غياب استجابة الشركات لدعوات الوزارة مع تسجيل شركات جديدة، إذ وصل عدد الشركات الجديدة التي سُجلت خلال الأعوام الماضية إلى أضعاف الشركات التي “وفقت” أوضاعها.
الدكتور شعار قال، إن أرقام الشركات المسجلة هذا العام حتى تاريخه، بمراجعة الجريدة الرسمية (التي يجري فيها الإعلان عن تأسيس جميع الشركات الجديدة)، وصلت إلى نحو 723 شركة منذ بداية 2023 حتى الآن.
تشمل هذه الإحصائية، وفق شعار، شركات مساهمة عامة وشركات مساهمة خاصة، وشركات ذات شخص واحد، وشركات محدودة المسؤولية.
بينما اختلفت الإحصائيات الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية فيما يتعلق بأعداد الشركات الجديدة، إذ تم تسجيل 387 شركة جديدة هذا العام، من بينها 313 شركة محدودة المسؤولية، و68 شركة شخص واحد، و6 شركات مساهمة، يسهم فيها شركاء من مختلف الجنسيات، منها اللبنانية والصينية والروسية والإيرانية، إضافة إلى 9 شركات في المحافظات، بحسب تصريح لمدير الشركات في وزارة التجارة الداخلية، زين صافي.
الدكتور كرم شعار لفت إلى أن من الضروري الإشارة إلى أن جزءًا من هذه الشركات هي شركات وهمية، وشركات واجهة.
وبمراجعة أعداد الجريدة الرسمية، بلغت أعداد الشركات الجديدة عام 2018، 709 شركات، وفي 2019، 577 شركة، وفي عام 2020، 733 شركة.
وفي عام 2021، وصلت الأعداد إلى 819 شركة، وفي عام 2022 إلى 1400 شركة.
وفي هذا السياق، اعتبر شعار أن من الصعب التمييز بين الشركات الوهمية والحقيقية، لذا قد لا تعطي هذه الأرقام دلالات واضحة.
وعند النظر إلى هذه الأعداد بسياق تاريخي، ففي عام 2011 أُسست 547 شركة، إلا أن نسبة الشركات التي كانت تعمل بنشاط حقيقي في ذلك الوقت أعلى بكثير من الشركات الوهمية.
الباحث في الاقتصاد السياسي إبراهيم ياسين، قال لعنب بلدي، إن زيادة عدد الشركات الجديدة المرخصة في بلد يعاني حربًا طويلة وعدم استقرار، ولا أحد يتجرأ على المخاطرة والاستثمار فيه مع وجود عصا العقوبات الأمريكية، يعني بالضرورة أن أغلب تلك الشركات وهمية خُلقت للالتفاف على العقوبات الغربية وزيادة صعوبة عملها.
واعتبر ياسين أن من يملك شركة قوية في السوق السورية ويحتاج إلى الاستيراد والتصدير، سيقوم بافتتاح شركة وهمية باسم أحد أعوانه سواء “قريب، صديق” للالتفاف على قوانين العقوبات وتسهيل حركاته التجارية.
وفي آذار 2022، كشف تقرير نُشر في صحيفة “الجارديان” البريطانية، أعده الدكتور كرم شعار، بالتعاون مع الصحفية تيسا فوكس، عن توجه لدى رجال الأعمال المقربين من النظام السوري، يتمثل بإنشاء شركات وهمية، بهدف التهرب من العقوبات الغربية التي قد تُفرض عليهم بسبب قربهم من النظام ودعمهم المالي له.
وباعتراف حكومي رسمي، كان وزير التجارة الخارجية والاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر الخليل، تفاخر، في تشرين الأول 2021، بأن الالتفاف على العقوبات المفروضة على النظام أصبح “حرفة سورية”، داعيًا الشركات التي تخشى العقوبات إلى أن تظهر بغير اسمها الحقيقي.