اللاذقية – ليندا علي
يدرك نضير (37 عامًا) أن الندم لم يعد ينفع، وخسارته في موسم الحمضيات لهذا العام باتت أمرًا واقعًا، بعد أن رفض “تضمين” بستانه لأحد التجار بمبلغ ألفي ليرة سورية لكل كيلو من نوع “الكرمنتينا الفرنسية” على الشجر، قبل نحو شهر، بينما اليوم انخفض السعر إلى ألف ليرة فقط لكل كيلو.
ويعول نضير الذي ينحدر من البهلولية في اللاذقية على غزارة الإنتاج هذا العام، التي قد تعوض جزءًا من خسارته، إذ يمتلك أرض حمضيات تصل مساحتها إلى نحو ثلاثة دونمات.
وباع الشاب، في 21 من تشرين الأول الحالي، “الكرمنتينا الفرنسية” بسعر 1300 ليرة سورية في سوق “الهال”، بينما دفع أجرة السيارة التي نقلت المحصول 150 ألف ليرة، لمسافة لا تتجاوز عشرة كيلومترات.
واعتاد كثير من فلاحي الساحل السوري “تضمين” أراضيهم المزروعة بالحمضيات، إذ يأتي التاجر ويخمّن وزن ما تحمله كل شجرة، ثم يسلم الفلاح الثمن المُقدّر فورًا، بينما يصبح حرًا في المحصول وتحديد موعد قطافه.
وهناك نوع آخر من “الضمان”، إذ يأتي التاجر ويختار “ضمان” أشجار من نوع محدد، بذات الطريقة لناحية السعر، كأن يختار شراء محصول الليمون “الماير” (الحامض)، أو “أبو صرة” فقط دونًا عن بقية الأنواع الأخرى.
وينتظر المزارعون موسم القطاف بفارغ الصبر لتأمين مستلزمات عائلاتهم وإيفاء ديونهم المتراكمة طيلة أشهر الزراعة، وسط واقع اقتصادي ومعيشي متردٍّ، وتدهور قيمة الليرة السورية، إذ سجل سعر مبيع الدولار 13850 ليرة سورية، وشرائه 13650 ليرة.
على أمل الغد
يعيش حسان (56 عامًا) من الفاخورة بريف اللاذقية على أمل أن يتحسن السعر، لذلك قرر التوقف عن قطاف الموسم، فإذا تحسن السعر يبيع، وفي حال استمر كما هي الحال اليوم، فإنه يفضل ترك الموسم في الأرض، ويوفر تكاليف النقل وثمن العبوات.
وتصل تكلفة نقل السيارة الواحدة من قريته إلى سوق “الهال” نحو 200 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ ثمن العبوة التي توضع فيها الثمار بين 4000 و5000 ليرة، لذلك يرى أن ترك الثمار أفضل بكثير من تحمل أجور قطافها ومن ثم أجور نقلها.
حسان الذي كان يعيش على أمل كبير في بداية الموسم، هو الآخر نادم اليوم لأنه لم يوافق على عرض التاجر الذي جاء لـ”يضمن” المحصول، والذي دفع له مبلغ 2500 ليرة لكل كيلو من نوع “أبو صرة”، بينما اليوم لا يوجد تاجر يدفع أكثر من 700 إلى 1000 ليرة سورية لكل كيلو من جميع الأنواع.
فشل كبير
تتكرر الوعود الحكومية كل عام لمنع خسارة فلاحي الحمضيات في الساحل السوري، إلا أن أيًا من تلك الوعود لا تتحقق، وفشل المسؤولون الحكوميون المتعاقبون في حل مشكلة تسويق الحمضيات، لدرجة أن بعض الفلاحين اقتلعوا الأشجار وشيدوا مكانها أبنية سكنية، أو استبدلوا بها زراعات أخرى.
ومع ارتفاع سعر السماد ومعظم التكاليف الزراعية الأخرى، لم تعد الخسارة محمولة على الإطلاق.
وقال فهد (45 عامًا)، الذي يمتلك بستانًا للحمضيات بقرية فديو، إنه وفي حال أراد الاهتمام بمحصوله جيدًا، فإن كل دونم يحتاج إلى حراثتين سنويًا، وتبلغ أجرة حراثة الدونم الواحد 120 ألف ليرة سورية اليوم، وهي قابلة للزيادة تبعًا لارتفاع سعر المازوت.
ويحتاج الدونم الواحد إلى أنواع معينة من الأسمدة، تقدّر قيمتها بنحو مليوني ليرة سنويًا، كما أن كل شجرة تحتاج إلى سماد عضوي بنحو 20 كيلوغرامًا تقريبًا، وسعر الكيلو 1000 ليرة اليوم مع قابلية الزيادة لاحقًا.
ولا ينسى الرجل الأربعيني حساب تكلفة العبوات التي وصلت إلى نحو 5000 ليرة للعبوة الواحدة.
وتخلى فهد عن تسميد أرضه، ويحاول الاقتصاد باليد العاملة، بحيث يمنح أرضه لـ”التضمين” مباشرة عند بداية كل محصول، ويرفض تسويقها لـ”السورية للتجارة”، بعد أن جرّبها العام الماضي.
وقال فهد، إن “السورية للتجارة” تأخد الكيلو بأقل من ثمنه بكثير، وتقسم الموسم لأنواع، وغالبًا يريد الموظف “رشوة” يحدد بموجبها كل الأصناف كنوع أول، ولا تدفع المؤسسة ثمن الموسم حتى مرور أكثر من شهر، وتكون العملة فقدت قيمتها أكثر.
ويحز في نفس فهد اليوم أن ثمن كيلو البرتقال من نوع “أبو صرة”، أحد أكثر الأنواع المرغوبة، لا يتجاوز 2000 ليرة، وهو ما يعادل ثمن بيضة واحدة فقط.
ويستغرب كيف أن كل أنواع الفواكه الأخرى تباع بسعر مرتفع عدا الحمضيات، إذ يصل سعر كيلو التفاح من النوع الثالث إلى 5000 ليرة، بينما كيلو البرتقال يباع بين 2000 و3000 ليرة للمواطنين في المحال التجارية.
وتفشل الحكومة في كل عام بتسويق موسم الحمضيات، مع تساؤلات عن عدم التصدير بكميات كبيرة، أو إنشاء معمل للعصائر في الساحل السوري.
وقدّر مكتب الحمضيات في وزارة الزراعة كمية الإنتاج المتوقعة هذا الموسم بنحو 836 ألف طن، 662 ألف طن منها في اللاذقية، و174 ألف طن في طرطوس، أي بزيادة نحو 200 ألف طن على الموسم الماضي، بينما لا يزال الإنتاج أقل من عام 2018، الذي وصل فيه إلى مليون و100 ألف طن، وهو ما يعكس مدى تراجع اهتمام الفلاحين بهذه الزراعة لعدم جدواها الاقتصادية.
وفقط في سوريا، فإن زيادة كمية الإنتاج الزراعي تنقلب وبالًا على الفلاحين، في معادلة مستحيلة الحل، فالإنتاج الكبير يعني أسعارًا أقل، وهو ما يصيب الفلاحين بالإحباط.
وكما درجت العادة، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السماح باستيراد الموز اللبناني بكمية 30 ألف طن اعتبارًا من 20 من تشرين الأول الحالي حتى نهاية نيسان المقبل، وفق ما جاء في صحيفة “الوطن” المحلية، وهو قرار اعتادت الحكومة اتخاذه بالتزامن مع بدء إنتاج الحمضيات، ما يؤدي إلى عزوف المستهلكين عن شرائها.
ووصل ثمن كيلو الموز إلى 50 ألف ليرة خلال الصيف الحالي، ومع السماح باستيراده من المتوقع أن يهبط سعره بدرجة كبيرة، وبالتالي زيادة الإقبال عليه على حساب الحمضيات.