ثلاث مراحل تحدد طبيعة الرد المقبل
لماذا لا ترد أمريكا على ضربات إيران في سوريا والعراق
تكررت الاستهدافات للقواعد الأمريكية في سوريا والعراق منذ مطلع الشهر الحالي 13 مرة، أحدثها استهدافان، اليوم الخميس 26 من تشرين الأول، لقاعدتي “خراب الشحم” الأمريكية في الحسكة شمال شرقي سوريا، وقاعدة “عين الأسد” الجوية في العراق.
وعلى غير العادة، اكتفت الولايات المتحدة بالإعلان عن استهداف قواتها المتمركزة في المنطقة دون الرد على هذه الاستهدافات، كما حدث في أغلب المرات السابقة التي تصاعدت فيها وتيرة استهداف القواعد نفسها.
وفي 25 آب 2022، عقب تصعيد مشابه، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية عن ردها على هجمات صاروخية استهدفت قواعدها في سوريا، بقصف دمر ثلاث سيارات ومنصات إطلاق صواريخ لميليشيات مدعومة من إيران في دير الزور.
الاستهدافات التي امتدت خلال تشرين الثاني الحالي، أسفرت عن إصابات في صفوف الجيش الأمريكي وقوات التحالف، بحسب ما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية لشبكة “NBC NEWS” الأمريكية، بلغ عددهم 24 عسكريًا.
لماذا لا ترد أمريكا؟
الباحث المتخصص بالشأن الإيراني ضياء قدور، قال لعنب بلدي إن الأيام القليلة الماضية شهدت تغيرًا بنبرة التصريحات الأمريكية تجاه استهداف قواعدها في الشرق الأوسط، واتهمت بشكل مباشر وكلاء إيران بتنفيذ هذه الهجمات.
واعتبر الباحث أن إعادة الحديث الأمريكي عن تورط إيران في هجوم “حماس” الأحدث على مناطق غلاف غزة، دليلًا على حدة الأمريكان تجاه الإيرانيين في المنطقة.
الهجمات الإيرانية المتكررة صارت مصدر إحراج للإدارة الأمريكية، على الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تعرف بأنها تتبع منهج “الاسترضاء” لكنها باتت تشعر بالحرج من استهداف قواتها بالمنطقة، بحسب قدور.
ويرى قدور أن الإحراج الذي تسببت به هذه الهجمات لواشنطن قد تدفعها للرد في نهاية الأمر، لكن شكل وطبيعة وتداعيات الرد الأمريكي حتى الآن غير محسومة، خصوصًا أن الردود السابقة على هذا النوع من الهجمات كان يصلح للاستخدام الإعلامي أكثر من كونه ردًا عسكريًا يعزز من معادلة الردع الأمريكية.
وكانت الولايات المتحدة علّقت في 24 من تشرين الأول الحالي، على تعرض قواعدها العسكرية في سوريا والعراق لاستهدافات متكررة.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، خلال إحاطة صحفية، “نحن نعلم أن هذه الجماعات مدعومة من (الحرس الثوري الإيراني) ونظامه، ونعلم أن إيران تراقب هذه الأحداث عن كثب، وفي بعض الحالات، تعمل بنشاط على تسهيل هذه الهجمات وتحفيز الآخرين الذين يرغبون في استغلال الصراع لمصلحتهم”.
واعتبر أن هدف إيران هو الحفاظ على مستوى معين من الإنكار، “لكننا لن نسمح بذلك”، أضاف كيربي.
المتحدث الأمريكي أكد أن الدعم الإيراني للوكلاء ليس سرًا، وأن هناك صلة مباشرة للغاية بين “الحرس الثوري” وهذه المجموعات.
المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى من جانبه أن البوارج والقوات العسكرية الأمريكية التي قدمت مؤخرًا إلى الشرق الأوسط هي رسائل سياسيه بأدوات ردع عسكرية، الغاية منها الرد المباشر على أي متغير جديد في قواعد الاشتباك بالمنطقة.
ويرى أن الاستهدافات نفسها في سوريا والعراق لم تحقق شروط التصعيد الأمريكي حتى الآن، إذ لا تزال تنتظر واشنطن فرص التهدئة.
المحلل اعتبر أن ما يحصل في المنطقة لا يزال ضمن قواعد الاشتباك، لكن لو تطورت تلك الردود المتبادله ما بين كلا الطرفين ستكون النتائج مختلفة، وستفرض واقعًا عسكريًا جديدًا.
سلّم للتصعيد الأمريكي
في خضم رشقات الصواريخ التي طالت مواقع أمريكية في سوريا والعراق، يقابلها تصاعد بالعمليات العسكرية جنوبي فلسطين، أعدت مجلة “The Economist” الأمريكية تقريرًا حول العودة الأمريكية إلى الشرق الأوسط بعد محاولات تقليص وجودها فيه.
وجاء في التقرير أنه بعد عقد من تقليص وجودها العسكري في المنطقة، عادت أمريكا باستعراض ضخم للقوة، إذ وصل سربان من الطائرات المقاتلة للمنطقة مؤخرًا في أعقاب نشر مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات، وأنظمة دفاع جوي متعددة، ومساعدات كبيرة لإسرائيل.
ويرى التقرير أن لواشنطن مجموعة واسعة من الخيارات في حال اضطرت لاستخدام القوة، إذ تعد حاملة الطائرات الأمريكية “Gerald Ford” الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، أكثر حاملات الطائرات تقدمًا، وقد تم تشغيلها قبل ست سنوات فقط، مع أكثر من 75 طائرة ومعدات إطلاق كهرومغناطيسية، يمكنها الحفاظ على وتيرة عالية من الطلعات الجوية.
وتحمل حاملة طائرات أخرى توجهت إلى الشرق الأوسط مؤخرًا، مجموعة مماثلة من الأصول الجوية، وترافق الحاملتين ما يصل إلى خمس مدمرات مزودة برادارات الدفاع الجوي ونظام “إيجيس” وصواريخ اعتراضية يمكن استخدامها لحماية إسرائيل ودول الخليج.
وقرأ التقرير الخيارات الأمريكية للرد بثلاث درجات متتالية على سلم التصعيد، أولها جمع المعلومات الاستخبارية، والعمل الدفاعي، ثم العمل الهجومي.
وبالنظر إلى الخطوة الأولى، فإن جمع المعلومات الاستخبارية جار بالفعل، إذ تحمل “Gerald Ford” منصات ضخمة لجمع المعلومات، إضافة إلى أربع طائرات حربية إلكترونية، وأربع أخرى متخصصة بالإنذار المبكر، والعديد من المروحيات والطائرات بدون طيار.
وكما تنشط طائرات “حلف الشمال الأطلسي” (الناتو) في البحر الأسود، لجمع المعلومات الاستخبارية لصالح أوكرانيا، فمن المحتمل أن تحلق الطائرات الأمريكية صعودًا وهبوطًا على سواحل لبنان وإسرائيل وغزة، لجمع الإشارات التي يتم نقلها بعد ذلك إلى “البنتاغون”، وإسرائيل، وربما الحلفاء العرب.
وإذا فشل الردع، فإن الدرجة التالية على سلّم التصعيد الأمريكي هي العمل الدفاعي، والذي لا يزال من السهل نسبيًا تبريره للشعب الأمريكي.
ولخص التقرير هذه المرحلة بتعزيز دفاعات “القبة الحديدية” الإسرائيلية، ومرافقة السفن التجارية في منطقة الخليج العربي لحمايتها، واعتراض صواريخ قد تطلق من اليمن، كما حدث سابقًا.
وتأتي الخطوة النهائية بعد العمل الدفاعي، وهي الهجوم، كخطوة أكبر وأكثر إثارة للجدل، وهو ما يحاول البيت الأبيض و”البنتاغون” تجنبه بحرص، لكنه قد يكون مضطرًا لذلك.
التقرير أشار إلى أن العمل الهجومي الذي قد تتخذه واشنطن ردًا على هجمات استهدفت قواتها سيبقى هو النوع الأسهل لتبريره، خصوصًا مع وجود 2500 جندي في العراق و900 أمريكي في سوريا.
ضغوط تدفع للرد
نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، عن مسؤولين (لم تسمّهم)، أن الرئيس، جو بايدن، “يدرس ضرب وكلاء إيران الذين هاجموا القوات الأمريكية في العراق وسوريا”.
وأضافت أن الرئيس الأمريكي “يواجه ضغوطًا متزايدة من الجمهوريين، للرد على الهجمات التي استهدفت قوات أميركية في العراق وسوريا”، بحسب الصحيفة.
ومع التعزيزات التي دفعت بها الإدارة الأميركية لتعزيز قوتها القتالية ومعداتها الدفاعية في الشرق الأوسط، ناشد الجمهوريون في الكونغرس، بايدن للرد على الهجمات.
وكان أحدث المنضمين لقائمة المطالبين بالرد، الجنرال المتقاعد جوزيف فوتيل، الذي منحه منصبه الأخير، كرئيس للقيادة المركزية الأميركية بالمنطقة، نظرة مباشرة على دعم إيران للميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، حذر أمس الأربعاء، مرشد إيران الأعلى، علي خامنئي، بشكل مباشر من استمرار الهجمات المتزايدة على القوات الأميركية بالمنطقة.
وخلال حديثه عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، قال بايدن في مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيزي، “قواتنا بالمنطقة لمنع خطر داعش من العودة، ولا علاقة لتواجدها هناك بإسرائيل”.
وأضاف محذرًا خامنئي، “إذا استمروا في التحرك ضد قواتنا سوف نرد ويجب أن يكون مستعدًا، الأمر ليس له علاقة بإسرائيل”.
ماذا تريد إيران؟
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها القواعد الأمريكية للهجوم في سوريا والعراق، إذ لطالما كانت مسرحًا لرسائل إيرانية، ردت واشنطن على جزء منها بقصف مواقع لميليشيات موالية لطهران في المنطقة.
وفي تموز 2021، شهدت المنطقة نفسها تصاعدًا بوتيرة استهداف القواعد الأمريكية، إذ قال “البنتاجون” حينها، إن الميليشيات المدعومة من إيران، مسؤولة عن الهجمات التي طالت قواعدها العسكرية في سوريا والعراق.
وعلى اعتبار أن الاستهدافات ترجع لفترة زمنية أقدم من الأحداث المتصاعدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تستخدمها “المقاومة الإسلامية في العراق” منطلقًا لاستهداف قواعد أمريكية في المنطقة، فإن الهدف الإيراني من هذه الاستهدافات قد يكون نفسه، منذ سنوات.
الباحث ضياء قدر قال لعنب بلدي إن إيران تتعمد ربط استهدافاتها للقواعد الأمريكية في سوريا بأحداث غزة، للحفاظ على موقفها من قضية فلسطين.
وأضاف أن هذه الأحداث المتكررة في المنطقة خلفتها الثغرة التي تركتها الولايات المتحدة في معادلة الردع شمال شرقي سوريا، إذ تستغل طهران الثغرة للظهور بمظهر المشارك بالأحداث في فلسطين، كونها تستهدف أمريكا الداعمة لإسرائيل.
واستهدفت ميليشيات يعتقد أنها مقربة من إيران منذ 8 من تشرين الأول الحالي، قواعد أمريكية في سوريا والعراق 13 مرة، أحدثها كان استهداف قاعدة شرقي الحسكة مساء أمس الأربعاء، وأخرى صباح اليوم في العراق.
وتركزت الاستهدافات على قاعدتين رئيستين في سوريا، وهما قاعدة “التنف” شرقي حمص، وقاعدة “حقل كونيكو” شرقي محافظة دير الزور، وأخرى في العراق وهي قاعدة “عين الأسد” الجوية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :