حكاية فلسطين.. من الانتداب إلى “حل الدولتين”
ركزت تصريحات قادة الدول الغربية خلال الأسبوع الماضي على ذكر “حل الدولتين”، كحل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بالتزامن مع العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
وقال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مؤتمر صحفي عقده في 26 من تشرين الأول الحالي، إن “حل الدولتين” هو حاجة لإسرائيل للوصول إلى سلام في المنطقة.
تصريحات بايدن التي تأتي في ظل اشتداد القصف الجوي على غزة، وسقوط أكثر من 8000 قتيل، وتردد القيادة السياسية للاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ غزو بري على القطاع، سبقتها تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 25 من تشرين الأول، ورئيس الوزراء البريطاني، ريتشي سوناك، الذي أكد لدى لقائه ماكرون التزام بريطانيا بالحل ذاته.
كما اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في تصريحات نقلها الحساب الرسمي للوزارة عبر “إكس“، في 28 من تشرين الأول، أن هذا الحل هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين في المنطقة.
وتتفق تصريحات بلينكن مع تصريحات أخرى لمسؤولين غربيين، منذ انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، في 8 من تشرين الأول الحالي.
يعد هذا الحل جزءًا من الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقلة منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي.
وخلال أكثر من 100 عام من الاحتلال للأراضي الفلسطينية، سواء من بريطانيا أو إسرائيل، لعبت السياسة دورًا بوصفها إحدى أدوات المعركة التي يمكن خوضها للوصول إلى هدف إقامة الدولة الفلسطينية.
إحدى نتائج هذه المعركة نشوء ما يُعرف بـ”حل الدولتين”، الذي ينص على إقامة دولتين على أراضي فلسطين التاريخية، فلسطينية وأخرى إسرائيلية، تعيشان جنبًا إلى جنب.
كرّس هذا الحل الهزائم التي منيت بها الجيوش العربية خلال معاركها مع الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار دعم القوى الغربية لإسرائيل، وظهور عجز عربي لإيجاد حل مستدام للقضية الفلسطينية.
بين 1918 و1948.. “سايكس- بيكو” و”النكبة”
انتهت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، وعقدت دول الحلفاء مؤتمر “باريس للسلام” في 1919، وطبقت بنود اتفاقية “سايكس- بيكو”، وتقاسمت فرنسا وبريطانيا بلاد الشام (سوريا والأردن وفلسطين ولبنان) بالإضافة إلى العراق فيما بينهما، ثم بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ضمن ما يعرف بـ”وعد بلفور”.
سرعان ما بدأت ثورات الشعوب في البلدان الخمسة ضد الانتدابين، الفرنسي والبريطاني، في وقت بدأ أيضًا فيه تشكيل حركات صهيونية عسكرية، وشهدت فلسطين “الثورة الفلسطينية الكبرى” عام 1936.
بعد عام واحد من الثورة الفلسطينية، شكلت بريطانيا لجنة “بيل”، التي هدفت إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية، واستمرت الثورة حتى الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى عام 1948.
في 1947، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم “181”، الذي نص على التقسيم، وتحديد مدينة القدس ككيان مميز يخضع لنظام دولي خاص، على أن يحصل الفلسطينيون على 42% تقريبًا من الأراضي، بما يشمل الجليل الغربي وعكا والضفة الغربية والساحل الجنوبي وصولًا إلى رفح وجزء من الصحراء الحدودية مع مصر.
فيما تحصل إسرائيل على 58% تقريبًا، وتتضمن مدن وحيفا والجليل الشرقي وبحيرة طبريا والنقب، فيما تبقى مدن القدس وبيت لحم تحت وصاية دولية.
قرار الأمم المتحدة جاء بعد إصدارها القرار “106”، القاضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية، سميت بلجنة “يونسكوب”، وتكونت من 11 دولة، هي أستراليا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وهولندا وغواتيمالا والهند وإيران والبيرو والسويد والأوروغواي ويوغسلافيا.
ووفق دراسة أعدها الدكتور في القانون جهاد محمود عبد المبدي، ونشرت ضمن “المجلة الدولية للفقه والقضاء والتشريع” في 2023، كان للجنة دور بارز في القرار، ولم تكن حيادية وتضمنت أعضاء منحازين للحركة الصهيونية.
زارت اللجنة عدة مناطق في فلسطين، بما في ذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية، بالإضافة إلى البحر الميت وبئر السبع وغزة ويافا والتجمعات العربية واليهودية في رام الله ونابلس وطولكرم، ثم اتجهت إلى لبنان وسوريا.
أصدرت اللجنة قرارها غير الملزم، وأوصت في الفصل الخامس بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وفق الأكثرية في اللجنة، فيما اقترحت الهند ويوغسلافيا وإيران إنشاء حكومتين مستقلتين، تشكلان معًا دولة اتحادية عاصمتها القدس، تقوم بشؤون الدفاع الوطني والمصالح الخارجية التي تهمها، يرأسها شحص منتخب من مجلس الاتحاد وضمن دستور موحد.
رفضت اللجنة السياسية المنبثقة عن جامعة الدول العربية تقرير اللجنة، في حين وافق عليه المجلس الصهيوني العام، ثم شكلت الأمم المتحدة لجنة لدراسة تقرير “يونسكوب”.
بعد عدة تحركات سياسية نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية في أروقة الأمم المتحدة، صوتت الأخيرة على قرار التقسيم، بواقع 33 صوتًا مؤيدًا، و13 صوتًا معارضًا، وامتناع عشر دول عن التصويت.
رفض العرب مشروع القرار، وشكلوا جيشًا موحدًا بقيادة الضابط السوري فوزي القاوقجي، وكان أحد قادة فصائله أيضًا الرئيس السوري الأسبق، أديب الشيشكلي، والسياسي أكرم الحوراني وعبد السلام العجيلي وميشال عفلق، بحسب ما ذكرته “الموسوعة الدمشقية“.
وسبق للقاوقجي أن قاتل في معركة ميسلون 1920، وشارك في الثورة الفلسطينية الكبرى، وكذلك ضمن الجيش العثماني في القدس ضد القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى.
حققت القوات العربية عدة انتصارات، واستعادت مدنًا وقرى وبلدات، حتى صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وحظر تزويد الأطراف المتنازعة بالأسلحة، ولم تلتزم إسرائيل وحصلت على الأسلحة والتبرعات.
هُزم العرب في الحرب التي انتهت في 1949، ووقعت اتفاقيات هدنة بين الجيوش العربية وإسرائيل، وتبعت الضفة الغربية إداريًا إلى الأردن، وقطاع غزة لمصر.
“حل الدولتين” واتفاقيتا “أوسلو”
شنّت إسرائيل حربها على سوريا ومصر والأردن والمناطق الفلسطينية في عام 1967، واحتلت خلالها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في فلسطين، والجولان السوري وسيناء المصرية، فيما عرف بـ”نكسة 1967″.
بعدها، أصدر مجلس الأمن قراره رقم “242“، الذي نص على إنهاء المعارك العسكرية واحترام والاعتراف بوحدة أراضي كل دول المنطقة، واستقلالها.
أدت الهزيمة إلى خروج القيادات الفلسطينية إلى لبنان، وبدأت عمليات الفدائيين الفلسطينيين، وبدأت مصر وسوريا حرب الاستنزاف التي استمرت حتى عام 1973، حينما شنت قوات سورية ومصرية هجومًا مفاجئًا على إسرائيل.
لم تنجح القوات العربية حينها باستعادة المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل، فيما نشأت مجموعات فلسطينية جديدة انخرطت بتنفيذ العمليات ضد الاحتلال داخل وخارج فلسطين.
في عام 1982، عقدت الجامعة العربية قمة في مدينة فاس المغربية، وأقرت “مشروع السلام العربي”، الذي يعتمد بأساسه على قرارات الأمم المتحدة الخاصة بـ”حل الدولتين”.
ونص المشروع على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967، وإزالة المستعمرات في الأراضي المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وفي عام 1991، وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية، أعلن الرئيس الأمريكي حينها، جورج بوش الأب، أمام “الكونجرس” الأمريكي، بدء العمل على “سلام شامل” في الشرق الأوسط وفق قراري مجلس الأمن “242” و”338″.
عقد مؤتمر “مدريد للسلام” في ذلك العام، وتفرعت عنه لقاءات ثنائية بين إسرائيل من جهة، والأردن والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، وبالإضافة إلى اتفاقية “أوسلو”، عقدت إسرائيل اتفاقية “وادي عربة” مع الأردن، ووقعتا اتفاق سلام عام 1994.
واعترفت “منظمة التحرير الفلسطينية” بحق إسرائيل في الوجود وفق اتفاقية “أوسلو” 1993، بعد توقيع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، على الاتفاقية (يمكن الاطلاع على تفاصيل الوثيقة عبر “الديوان الوطني الفلسطيني“).
ونصت الاتفاقية حينها على إعلان مبادئ لإجراء مفاوضات على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة على مرحلتين، تبدأ الأولى في تشرين الأول 1993، وتنتهي بعد ستة أشهر.
كما تتضمن تشكيل سلطة حكم فلسطيني انتقالي، تمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لخمس سنوات.
ويحق للسلطة الولاية على الضفة الغربية وغزة في مجالات الصحة والتربية والثقافة والشؤون الاجتماعية والسياحة والقوة الشرطية الفلسطينية، فيما استبعدت القضايا الأخرى المتعلقة بالقدس والمستوطنات والمواقع العسكرية.
فيما تشمل المرحلة الثانية الانسحاب من غزة وأريحا خلال خمس سنوات، تتضمن إجراء انتخابات عامة ومباشرة لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، ثم تتسلم الشرطة الفلسطينية مهامها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية.
وفق دراسة نشرتها الأمم المتحدة، وتغطي الفترة بين عامي 1989 وحتى عام 2000، ساد التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الفلسطينيين وإسرائيل في التسعينيات، وانهار بشكل كامل وساد اليأس بعد عام 2000.
وفق الدراسة، فإن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وانتهاك القانون الدولي وزيادة المستوطنات وتطبيق سياسات عقاب جماعي لعب دوره في هذا الأمر.
وفي عام 2002، عقدت الجامعة العربية قمتها في بيروت، واعتمدت مبادرة الملك السعودي السابق، عبد الله بن عبد العزيز، التي عُرفت بـ”مبادرة السلام العربية“، وتضمنت دعوة إسرائيل لسحب قواتها حتى خطوط 1967، ومن الأراضي اللبنانية المحتلة، وقبول إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعليه تعتبر الدول العريبة النزاع مع إسرائيل منتهيًا وتعقد اتفاق سلام وعلاقات طبيعية ضمن سلام شامل.
لم توافق إسرائيل على المبادرة، واستمرت باحتلال الأراضي الفلسطينية، وفي عام 2005، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، فك الارتباط بغزة والانسحاب منها.
وفق وكالة “رويترز“، غادر 8500 مستوطن إسرائيلي المنطقة، وذكرت أن غرض شارون كان إحداث تغيير جوهري في أمن إسرائيل.
بعد الانسحاب، أجريت انتخابات في الأراضي الفلسطينية، حققت “حماس” نجاحًا كبيرًا فيها.
وبين عامي 2006 و2008، التقى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، برئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إيهود أولمرت، لخوض مفاوضات جديدة، دون الوصول إلى حل.
وتكرر الأمر كذلك في أعوام 2010 و2013 و2014، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن “صفقة القرن“.
وتشمل الصفقة السماح لرئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية.
وتهدف الخطة الأمريكية من “صفقة القرن” لبداية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن الإسرائيليين، وحزب اليمين منهم، لم يقبلوا بمنح الجنسية للمقيمين في هذه الأراضي من الفلسطينين بعد ضمها.
ورفض الفلسطينيون خطة ترامب وكذلك مخطط الضم، لكنهم أعلنوا أيضًا أنهم على استعداد لمناقشة البدائل مع الإسرائيليين، بحسب ما نقلته وكالة “فرانس برس”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :